اللوكيميا أو سرطان الدَّم
بقلم : الدكتور فلاح الشمري – بغداد
كان الطبيب الألماني الشهير رودلف فرخو ( Virchow ) اول من أطلق أسم " اللوكيميا " على هذا المرض في عام 1848 . لوكيميا معناها الدم الأبيض أو الدم الذي يشبه اللبن لكثرة مايحوي هذا الدم من كريات بيضاء . لقد وصف فرخو نوعين من اللوكيميا : طحاليه ولمفاويه أعتقاداً منه بان تضخم الطحال أو الغد اللمفاويه في المريض هو السبب في صنع الكريات البيضاء الزائده . اللوكيميا هي أمراض غير معروفة السبب وتميز بزياده ثابته في عدد الكريات البيضاء نتيجة أنقسامها بصوره غير طبيعيه وغير منتظمه . والخلايا اللوكيميه تكون دائماً غير مكتملة النضوج وغير طبيعيه من حيث الشكل والتكوين , وهي تظهر عادة في الدوره الدمويه كما انها تغزو نخاع العظام وأنسجة الجسم الأخرى . وتنقسم اللوكيميا من حيث مدة المرض السريريه الى لوكيميا حاده ولوكيميا مزمنه ومن حيث نوعية الخلايا اللوكيميه الى :
– لوكيميا جذعيه نخاميه Myeloblastic , Myelocytic
– لوكيميا لمفاويه Lymphoblastic , Lymphocytic
– لوكيميا أحادية النواة Monocytic
وقد يصعب في بعض حالات اللوكيميا الحاده تحديد نوعية الخلايا اللوكيميه وهذا ما يطلق عليه أسم لوكيميا جذعيه غير مميزه . وأحياناً قد لا يزيد عدد الكريات البيضاء عن معدله الطبيعي في حين ان فحص نخاع العظام قد يؤكد وجود مرض اللوكيميا وهذا النوع يعرف بأسم لوكيميا لا لوكيميه Aleukemic Leukemia .
وهناك أنواع نادره من اللوكيميا تصيب الكريات الدمويه الحمراء Erythro- Leukemia أو الخلايا الأم للصفائح الدمويه Megkaryocytic leukemia .
السن :
ليس هناك سن معين لمرض اللوكيميا , فقد يصيب الكبار من كل الأعمار ولكن يمكن القول بأن نسبة اللوكيميا الجذعيه النخاميه في الكبار اكبر بكثير من نسبة اللوكيميا اللمفاويه . كذلك فأنه يندر اصابة الاطفال باللوكيميا المزمنه التي تظهر عادة بعد سن الثلاثين . ورغم ان اللوكيميا اللمفاويه الحاده هي النوع الذي يصيب الأطفال عادة الا ان هذا لا يمنع ان يصابوا بالأنواع الاخرى سالفة الذكر .
-2-
أسباب اللوكيميا :
في الوقت الحاضر ليس لدينا معلومات كافيه للتاكد من طبيعة هذا المرض أو سببه في الانسان . وللتعرف على حقيقته ذهب الباحثون الى دراسة جوانبه المختلفه وخرجوا من بحوثهم بنظريات تحاول تفسير طبيعته .
النظريه الأولى :
تعتبر اللوكيميا نوعاً من الأورام الخبيثه التي تصيب الأنسجه الدمويه واللمفاويه . ويمكن تلخيص الدلائل التي تتفق وهذه النظريه فيما يلي :
1- ان خلايا اللوكيميا غير ناضجه وغير طبيعيه مشابهه تماماً للخلاي السرطانيه .
2- توالد هذه الخلايا يبدو بلا هدف ويصعب على الجسم السيطره عليه أو تنظيمه .
3- خلايا اللوكيميا تغزو الاعضاء غير الدمويه وتعرقل وظائفها المختلفه .
4- وجود كروموسومات شاذه داخل خلايا اللوكيميا يتفق مع طبيعتها غير الحميده .
النظريه الثانيه :
ترتبط بين اللوكيميا وبين انواع معينه من الفيروسات , ورغم تمكن فريق من العلماء من أحداث هذا المرض في الفئران والقوارض السليمه بواسطة تلك الفيروسات الا ان الدور الذي تلعبه هذه الفيروسات في احداث اللوكيميا عند الحيوانات لا يزال مجهولاً .
وتستجيب كل خليه لهذه الفيروسات بطريقه مختلفه عن الاخرى فبعض هذه الخلايا تقضي على الفيروس تماماً . والبعض الآخر يتحول الى خلايا لوكيميه .
أما في لوكيميا الانسان فقد فشلت كل المحاولات لأيجاد أي ناقل معدي لهذا المرض . ولكن العالم بيركت ( Burkett ) وجد في عام 1962 ان السركوما اللمفاويه ( أي السرطان اللمفاوي ) منتشره بصوره وبائيه في بعض مناطق وسط أفريقيا .
وبما انه يمكن الربط بين هذا المرض وبين اللوكيميا , فأن هذه الملاحظه تزيد من احتمال وجود هذا العامل المعدي .
النظريه الثالثه :
كانت وليدة دراسات مستفيضه عن شذوذ الكروموسومات عند مرضى اللوكيميا . وتحاول هذه النظريه ايجاد عامل وراثي مسبب لهذا المرض . ورغم انه قد يصاب اكثر من فرد بهذا المرض في بعض الاسر الا انه من غير المعروف ان الامهات المصابات باللوكيميا ينجبن اطفالاً مصابين بهذا المرض عند ولادتهم . كذلك فأنه رغم تعدد حالات اللوكيميا الخلقيه عند الاطفال (أي الاطفال الذين يولدون وهم مصابون بهذا المرض) فأنه لم يثبت ان أماً واحده لهؤلاء الاطفال كانت تشكو من اللوكيميا .
ومن المعروف ان بعض شذوذ الكروموسومات يكون مصحوباً بأمراض خلقيه كالمنغوليه Mongolism حيث يوجد كروموسوم زائد عن العدد الطبيعي وأن أستعداد المنغولي للأصابه باللوكيميا يصل الى حوالي عشرين مره من أستعداد الشخص العادي . وبما ان حالات اللوكيميا الجذعيه النخاميه المزمنه تتميز هي الاخرى بوجود شذوذ كروموسومي داخل الخليه اللوكيميه ويدعى كروموسوم فيلادلفيا , فأنه يمكن القول بأن سبب كل من اللوكيميا والمنغوليه يرجع الى الشذوذ الكروموسومي المذكور .
-3-
النظريه الرابعه :
ليس هناك شك في ان التعرض لكميات كبيره من الاشعاع يمهد لمرض اللوكيميا عند بعض الاشخاص . وتأكيداً لهذا كانت نسبة الاصابه باللوكيميا مرتفعه جداً بين الاحياء الذين نجوا من التفجير الذري في هيروشيما خصوصاً بين القريبين من مركز التفجير . كذلك فأن المعرضين للاشعه كالعاملين في هذا الحقل والمرضى الذين يعالجون بالاشعه هم اكثر من غيرهم تعرضاً للوكيما . ويعتقد البعض ان تعرض الجنين داخل الرحم للاشعاع قد يسبب اصابته بهذا المرض نتيجة احداث شذوذ في الكروموسومات .
هناك عوامل أخرى اتهمت بأنها مرسبه لمرض اللوكيميا مثل التقيحات Sepsis واستعمال المضادات الحيويه كالكلورامفينكول والفينيل , ولكن هذه العوامل لا تبرز كثيراً في تاريخ مرض اللوكيميا . وبما ان التكوين الجسماني كالطول والوزن عند المرضى يكون عادة طبيعياً فأن احتمال وجود عامل غذائي مسبب لهذا المرض امر مستبعد .
اللوكيميا الحاده :
تصيب اللوكيميا الحاده الكبار والصغار على السواء وقد تكون من احد الانواع الثلاثه السالفة الذكر . وتميز اللوكيميا أحادية النواة الحاده عن غيرها بأنها نادرة نسبياً وتصيب الكبار فقط كما أنها تحدث تضخماً في اللثه وتقيحات ملتهبه في غشاء الفم المخاطي . ومن الاحصائيات أتضح ان اصابة الاطفال باللوكيميا الحاده تكثر عادة في السنين الخمس الاولى من عمرهم وان الذكور اكثر تعرضاً لها من الاناث . ورغم تشابه حالة المريض السريريه في كل الانواع الا انه من المستحسن معرفة نوع اللوكيميا للتنبؤ بمدى استجابته للعلاج . فمثلاً من الاسهل الحصول على فترة مهاوده في اللوكيميا اللمفاويه عنه في اللوكيميا الجذعيه النخاميه .
أعراضها :
ان الاعراض المختلفه للوكيما الحاده تستوجب من الطبيب أستبعاد هذا المرض الخطير بعمل فحص دم على الاقل في معالجة أية مشكله مرضيه . ولقد نتج عن التهاون في هذا الامر تعريض بعض مرضى اللوكيميا لعمليات جراحيه لم يكونوا بحاجه اليها مثل عملية استئصال اللوزتين بسبب تضخمها أو عمليات استكشاف بالبطن نتيجة التهابات بغد المساريقات اللمفاويه Mesenteric Adenitis .
أهم اعراض اللوكيميا الحاده في الكبار هي :
توعك , ارتفاع في درجة الحراره , آلام في العظام والمفاصل , نزيف والتهابات بالفم والحنجره. وقد يتضخم الطحال والغد اللمفاويه لدرجة بسيطه أو متوسطه خصوصاً في اللوكيميا اللمفاويه . اما في الاطفال فأهم الظواهر المرضيه هي :
ارتفاع في درجة الحراره , تضخم في الغد اللمفاويه , آلام بعظام الاطراف . كذلك تكثر الشكوى من النزيف تحت الجلد او الرعاف او نزيف اللثه .
اللوكيميا المزمنه :
اولاً : اللوكيميا الجذعيه النخاميه المزمنه :
هذا المرض يصيب الانسان عادة بين سن الاربعين والخمسين كما انه يصيب الذكور والاناث على السواء . الخلايا المصابه تكون عادة الخلايا البيضاء الحبيبيه Granulocytic Series
-4-
خصوصاً الخلايا المشكله النوى Polymorphs . وتضخم الطحال هو العرض المميز لهذا المرض واحياناً يكون العرض الوحيد . اما تضخم الغد اللمفاويه واستعداد المريض الزائد للنزيف فليس من الصفات المعروفه كثيراً في هذا المرض خصوصاً في مراحله الاولى . وينتهي هذا المرض عادة بصوره حاده تؤدي بحياة المريض . وكما ذكرنا تتميز اللوكيميا الجذعيه النخاميه المزمنه بوجود كروموسوم فيلادلفيا داخل الكريات الدمويه البيضاء وخلايا النخاع فقط . عدم وجود هذا الشذوذ الكروموسومي في خلايا انسجة الجسم الاخرى يرجح انه صفه مكتسبه وليست وراثيه او خلقيه .
ثانياً : اللوكيميا اللمفاويه المزمنه :
هي اكثر انواع اللوكيميا المزمنه انتشاراً وهي تصيب الرجال اكثر من النساء وتظهر عادة بعد سن الاربعين . والعرض المميز لهذا المرض هو تضخم الغد اللمفاويه مع تضخم بسيط او متوسط في حجم الطحال . واحياناً تظهر على المريض اعراض جلديه كالحكه والهربس المنطقي Herpes Zoster واصابة الجلد بخلايا لوكيميه كما انه يكون عرضه للالتهابات الرئويه المتكرره نتيجة انخفاض نسبة الجلوبولين Gamma – Globulin (الذي يعطي مناعه للجسم ضد الامراض) . قد لا تسبب اللوكيميا اللمفاويه المزمنه أية اعراض مرضيه وفي احوال كثيره يتم اكتشاف المرض بمحض الصدفه عند فحص دم المريض لسبب لا يتعلق باللوكيميا . ومثل هذا المريض لا يحتاج لأي علاج سوى مراقبته الى ان يُظهر المرض اعراضاً كزيادة حجم الغد اللمفاويه والطحال او الى أن يظهر تدهور متزايد عند فحص دمه كهبوط نسبة الهيموجلوبين . وقد يعيش مريض اللوكيميا اللمفاويه المزمنه لسنوات طويله بدون حاجه الى علاج .
علاج اللوكيميا :
ليس هناك علاج شاف معروف يقضي على اللوكيميا حتى الآن ولكن الهدف من العلاج المستعمل حالياً هو :
1- السيطره على المرض وادخاله في فترة مهاوده وذلك بارجاع كل من دم ونخاع المريض الى حالتهما الطبيعيه . ويرجع الفضل في ذلك الى اكتشاف الادويه التي تحبط انقسام الكريات البيضاء المتزايد .
2- التغلب على الأعراض المرضيه حتى يعيش المريض حياته بصوره طبيعيه .
3- تفادي وعلاج المضاعفات التي قد تنشأ عن المرض خصوصاً الأنيميا والنزيف والألتهابات .
4- محاولة اطالة عمر المريض بقدر الامكان املاً في ان تسفر الابحاث الجاريه في هذا المجال عن علاج يقضي على هذا المرض . وبما ان استجابة اللوكيميا للعلاج تختلف من شخص لآخر فأنه من الصعب تحديد طبيعة او مدة هذه الاستجابه عند أي مريض .
العلاج الاساسي :
من أهم الادويه النوعيه التي تستعمل في علاج اللوكيميا الحاده نذكر نذكر الفنكرستين Vincristine , سيتوزين أربنوسيد Arabinoside Cystosine , 6 – ميركبتوبيرين Mercapto-Purine 6- , اسباراجينيز Asparaginase , الستيرويدات (هرمونات قشرة الغده الكظريه ) Adreno Cortical Steroid Hormones , والميثوتركزيت Methotrexate . وأختيار النوع المناسب من الادويه المذكوره يتوقف على سن المريض وشدة المرض وقت تشخيصه . اما فترة مهاودة المرض فقد تستمر اياماً أو شهوراً أو سنوات . وفي
-5-
حالات اللوكيميا الجذعيه النخاميه المزمنه فيفضل استعمال دواء الميليران Myleran لقوة فعاليته وقلة مضاعفاته . كذلك تستعمل هرمونات قشرة الكظر الستيروديه و 6- ميركبتوبيرين, اما في حالة عدم استجابة المرض للادويه فيمكن اشعاع الطحال لانقاص عدد الكريات الدمويه البيضاء واحداث مهاوده عند المريض . واكثر الادويه فائدة في علاج اللوكيميا اللمفاويه المزمنه هي الكلورامبسيل Chlorambucil واللوكوران Leukeran وهرمونات قشرة الكظر الستيروديه . وتبرز اهمية العلاج بالاشعاع في انقاص حجم الغد اللمفاويه حينما تتضخم هذه الغد في اماكن حيويه من الجسم وتسبب ضيقاً في التنفس او صعوبة البلع . اما استخدام الفسفور المشع في علاج اللوكيميا المزمنه فقد ثبت انه لا يؤثر كثيراً على حجم الطحال او الغد اللمفاويه المتضخمه .
علاج الاعراض والمسانده :
هناك فترات حرجه يمر بها المريض نتيجة تأثير المرض او العلاج المستعمل . فبجانب تخفيف آلام المريض بأعطائه المسكنات المناسبه والسيطره على أي التهاب قد يصيبه بواسطة المضادات الحيويه الفعاله , قد يكسل او يتوقف نخاع العظام عن العمل لفترة تطول او تقصر يحتاج فيها المريض لنقل دم او خلايا دمويه حمراء مكدسه او صفائح دمويه مركزه . كذلك لا بد من عزل المريض في جو معقم ان قلة مناعته واصبح عرضه للالتهابات المختلفه نتيجة نقص عدد خلاياه البيضاء . وفي هذه الحاله يمكن ايضاً حقن المريض بخلايا بيضاء مركزه ومحفوظه بطرق مناسبه .
اللوكيميا والابحاث العلميه :
ان العلم الحديث يعتبر اللوكيميا من الامراض غير الفتاكه نظراً للتقدم العظيم الذي احرزه في علاجها خلال السنوات الاخيره وهناك عدد من مرضى اللوكيميا يعيشون لسنوات طويله بفضل هذا التقدم .
زراعة نخاع العظام :
أي نقل قليل من نخاع شخص سليم داخل عظام المريض فيتوالد النخاع المزروع ويزود جسم المريض بخلايا دمويه سليمه مدى الحياة . وبقاء النخاع المزروع في جسم المريض يعتمد على تطابقه مع نخاع المريض وعلى احباط مناعة المريض بصوره فعاله .
علاج اللوكيميا بالتحصين :
هنا لا بد من ذكر ايضاحين قبل ذكر هذا العلاج :
1- من المعروف انه لم يتم حتى الآن عزل أي مولد مضاد Antigen او ميكروب مسبب لمرض اللوكيميا في الانسان .
2- بما ان مرض اللوكيميا يتأرجح بين النكسات والمهادنه فأن بعض الباحثين يعتبرون ان جسم المريض يتمتع بنشاط تحصيني زائد Hyperactive Immune System وان كل نكسه تعكس وجود مولد مضاد مختلف عن الاول – أي ان كل نكسه تعتبر اصابه جديده باللوكيميا لمستعمره جديده من الخلايا .
-6-
وطرق علاج اللوكيميا بالتحصين هي :
1- رفع مستوى المناعه التحصينيه عند المريض بحقنه بلقاح بي سي جي حتى تتولد لديه مناعه مكتسبه يتخلص بها من خلاياه اللوكيميه .
2- حقن المريض بخلايا جذعيه مشعه , وهذه الخلايا الدخيله على الجسم توقظ مناعته المكتسبه كما ان اشعاعها يقضي على عدد كبير من خلايا المريض اللوكيميه .
3- مزيج من الطريقتين (1+2) .
تخزين كريات دم المريض البيضاء :
من المسلم به ان استعمال الادويه السامه للخلاي في علاج اللوكيميا قد تنقص عدد كريات الدم البيضاء عند المريض بصوره مفاجئه ولدرجه قد تعرض حياته للخطر . لذلك يتم تخزين هذه الكريات بعد عزلها من الدم ( يتم تخزينها في النيروجين السائل) لغرض حقن المريض بها ثانيةً عند حاجته اليها .