الفاتحون الجدد ..
يمتطون صهوات "جنزاتهم"
ويحلمون بنات بني الأصفر دون جلاد ولا جلد !
ترى أعينهم تفيض من الدمع ..!
إن رفض لهم ابتعاث، أو لم يجدوا تأشيرة يحملونهم عليها !
وكل ما سألت أحدهم :
لماذا تترك ديار المسلمين،
والمآذن التي كالنخيل تطرح آيات وذكرا!
وتذهب إلى قوم إن لبست عندهم المرأة ملابسها الداخلية في الشارع كانت امرأة سوء
وإن لبسته على الشاطئ، كانت امرأة عصرية !
قال بكل حزم ورؤية استشرافية :
أريد أن أؤمن مستقبلي !
ومستقبله الذي يتحدث عنه هو رغيف وحظيرة ..
هكذا بساطة ودون لف ودوران وكلام جميل .. لكنه كاذب !
وقد كان الناس يشتمون الملك، ورجال البلاط وحتى البلاط نفسه حين ارتفع ثمن الأرز!
وحين صدرت مؤخرا "البراسيم الملكية"، أصبح سادس الخلفاء الراشدين!
أصبح الريال معيار الجرح والتعديل لدينا، لذا نستحق أن تكون تراجمنا في كتب الطحين !
لا أحد يتحدث عن انخفاض قيمة الإسلام، وتهاوي هويتنا !
صار كيس أرز المهيدب، أعلى وأغلي من كتب الحديث الستة !
وفي كل خطبة جمعة أسمع الخطيب يردد
اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا،
ولا مبلغ علمنا
والناس ترفع كفوفها
وتؤمن بأصوات أحسدهم عليها!
أسأل نفسي :
أين هي الحقيقة،
في خطبة الجمعة أم في القنصلية الأمريكية ؟!
وتصدق القنصلية،
ولا ترتفع تأمينات المصلين!
لا يمكن لأي أمة أن ترتقي إن لم يكن لها أصل تبني عليه حضارتها، مبادئ عامة وقيم مثلى وبساطة أكثر .. أصول اعتقاد !
أصول وقرت في قلوب "المواطنين" فهموا مراميها، وغاياتها القصوى وخالطت لحمهم وعظمهم!
و الاعتقاد أن سبب تخلفنا الحضاري هو في سوء التنظيم الإداري، وإلى جهلنا المادي أو التقني، هي مصيبة تحتاج الدولة أن تخصص لها برنامج ابتعاث خاص ليس إلى لندن ولا واشنطن ولكن إلى سن الترمذي وصحيح البخاري!
هذا على افتراض أن الهدف من برنامج الابتعاث هو هدف تنموي، وليس محاولة لتغيير مفاهيم وقيم سائدة، انتهت صلاحيتها في 11 سبتمبر!
فما هي القيمة الحقيقية والبعد التنموي من ابتعاث أبناء المسلمين إلى الخارج لتعلم الأدب الانجليزي ..؟
ولو أن رجلا اقتصاديا نصح المملكة باستيراد البترول، لقال الناس:
رجل ذهب عقله وأخذ ينادي عليه بين الناس !
لكن أن يخرج من ينادي بضرورة الانفتاح والاستفادة من الثروة الفكرية لدى الآخر، فهذا عصراني نوراني وعالم دين يعكس صورة الإسلام الحقيقي!
إسلام القرن الواحد والعشرين والأمم المتحدة!
نعرف قيمة الثروة النفطية، ونجهل "ثروتنا الشرعية" وميراثنا الفكري، وأننا قد أحطنا بالحقائق الوجودية الكبرى، ومن أين جئنا وإلى أين نذهب ..؟!
فنذهب إلى من اجتالتهم الشياطين عن الصراط المستقيم ليكونوا لنا مصابيح الدجى ويدلوننا على الطريق !
في عصر الحملات الصليبية، وفي ذروة الاحتلال العسكري تجد أحد المؤرخين المسلمين يتحدث باحتقار شديد عن هؤلاء الصليبين الذين يرى أحدهم زوجته تتحدث مع غريب في أسواق المدينة، فيقف ينتظرها وإن أطالت الحديث، ذهب وتركها تعود لوحدها !!
وفي "عصر البعثة" أجد من كنت أحسبهم رجالا ومن أحقر شاربي إلى شواربهم، أوسع لهم في المجالس، أبدؤهم بالقهوة ولو كانوا على شمالي!
يقدمون المعاريض ويبحثون عن الواسطات، كي تخرج زوجاتهم في بعثة ويصبح أحدهم محرما لزوجته، التي تطلب العلم بين الرجال !
وكل من قابلتهم من الذين عادوا من "ثني الركب" لدى "الآخر" كانوا يتحدثون عن نظام القوم واحترامهم لمواعيدهم، سطوة القانون لديهم، والانتظام المروري!
ولا أذكر أن أحدا حدثني بماذا يؤمنون، وإلى أين يعتقدون أنهم ذاهبون بعد هذا الزخرف المادي، وما أسماء ربهم وصفاته ؟
ولا أذكر أن أحدا ذكرهم بسوء أمامي لأنهم يقولون "ثلاثة في واحد" ! ويؤمنون بالحلول والاتحاد !
وليس هذا إلا نتيجة للخواء الفكري الذي نلتحفه والاستلاب الثقافي الذي نتوسده !
ثم يأتيك من يحدثك بشوكة وسكين عن "الوسطية"
وإمكانية الاستفادة من العلم الذي لدى "الآخر" مع احتفاظنا بقيمنا وديننا !
ولو سألت أيا من مثقفي "عصر البعثة" عن الكتب التي لديه لوجدت كل شيء إلا صحيح البخاري!
لأنه لا يتحدث عن الديمقراطية، الدولة الحديثة ، وحقوق الأقليات !
ولأنه لا يتحدث عن الوجودية والبنيوية .. وما بعد "الدياثة" !
هناك إحساس عميق لدى كثير من المشتغلين بالحقل المعرفي أن الإسلام غير قادر على مواكبة هذا العصر بتعقيداته ونوازله، وهناك من يخجل أو يخاف من طرح مثل هذا الرأي فيتحدث بشكل ناعم ومؤدب عن ضرورة التجديد والمرونة الفكرية وتفعيل فقه الواقع، وهناك من يكون أكثر جرأة مثل جلال الطالباني فيعلن أن الإسلام دين جاء على ظهور الجمال، وهذا زمن الطائرة والسيارة، فيجب أن يعود من حيث جاء ، وعلى نفس الجمال التي جاء فيها!
ولو أنهم أعادوا الأشياء إلى مصادرها الأولية وموادها الخام، وفتحوا الصفحة الأولى في "كتلوج الإنسان ، لعلموا أن المشكلة ليست في قوة الوارد من قضايا لكنه في ضعف المورود من علم ويقين !
فقد كان يطرح على الصحابة "إشكالات فكرية" مثل التي يطرحها مفكرو "عصر البعثة"، ويعتقدون أنها تمثل عوائق وتعقيدات!
فقد قالت اليهود عن الميتة بسخرية وامتعاض فكري :
ما قتلها الله حرام، والتي نقتلها حلال ..؟
وعرض أبو جهل على الصديق إشكال علمي مادي، في مسألة المعراج واستشهد بالمحسوس وأكباد الإبل ليكذب محمد، فقال الصديق :
إن كان قاله فقد صدق !
أأصدقه في أمر السماء وأكذبه في هذا ..؟
لكن أصبح منا من يصدقه في أمر السماء ويكذبه في الجانب السياسي والديموقراطي!
فيتعامل مع رسول الله كمفكر أو حكيم مثله مثل غاندي وسقراط ..!
فيأخذ من أقواله ما يستأنس به ويؤيد طرحه في فكرة معينة أو مذهب يدعو له ويعرض عن غيره !
وكان هناك من المسلمين من يسأل الرسول بكل عمق وجودي وبعد فلسفي:
ما أول هذا الأمر ..؟
فيجيب عليه السلام :
في البدء كان الله ولا شيء قبله ..
فيرد شيخ الإسلام على أرسطو وملاحدة الإغريق الذين قالوا بقدم هذا العالم بهذا الحديث وغيره !
ولم يقل أني بحاجة لدراسة نظرية الفيض الوجودي، وقراءة أفلاطون كي أرد!
ولو كان شيخ الإسلام بيننا لسخروا منه، كما سخروا من الشيخ الألباني رحمه الله لأنه يضيع عمره بين "الكتب الصفراء" .. وأحاديث الجن والشياطين !
ولا يؤمن بضرورة التبادل المعرفي في المجال الفكري، وجمع الأصول الوجودية من لندن وباريس !
فالحقيقة عندهم لا تبدأ ب حدثنا !
لكنه تراكم معرفي منذ كان الإنسان الأول يغطي سوءته بورق الأشجار، إلا أن وصلنا إلى نهاية التاريخ .. والتلاقح الثقافي!
وقبل أيام كنت في بلد خليجي، أتناول طعام الغداء في مطعم يرتدي عاملوه لباس أهل السواحل في الخليج، ويضعون على رؤوسهم العمائم، وكان العامل الذي صب لنا القهوة من بنغلاديش، وحين سألته عن اسمه قال :
"صويلح " !
فاخبرته أني أسأل عن اسمه/ وسمه ، الذي وضعه أهله على قلبه !
فقال بابتسامة باهتة :
" محمد سعيد "
وفي المرة القادمة سلمت عليه، وسألته :
كيف حالك يا محمد باي" ؟
فنظر إلي مباشرة ، وكأني أيقظته من منام طويل
فسأله صاحبي :
أنت محمد سعيد أم صويلح ..؟
فأجاب فورا ..
أي شيء !!
وهذا ما كنت موقنا منه، فلقد مسخوه حتى أصبح اسمه شيئا قديما ينساه حينا وحينا يذكره كوجه قديم كان له .. ثم أنكره !
وأصبح يرضى أن ينادى بأي شيء
وهذا هو حالنا تماما ..!
نرتدي ثيابا ليست ثيابنا
وتنادينا الأمم بأسماء ليست بأسمائنا
فنمسح طاولات طعامهم،
ونسكب لهم القهوة
ونقتات على فتات غذائهم الفكري !