ما دفعني لإقحام نفسي في هذا الطرح لم يكن أكثر من الاستماع إلى زوجة معنفة بسبب زواج زوجها بأخرى ، تحاول تجميل مأساتها باستبدال الأدوار فتتقمص دور الزوج وتبرر له فعلته وتضع ذاتها موضع الإدانة كونها لم ترضى – على
المستوى النفسي – عن وجود زوجة أخرى، وهي ترى كما أوهمها الزوج أو (الراعي) بأن زواجه مرة أخرى أفضل بكثير من وقوعه بالحرام ، وبافتراض مسبق بأنه مجبر على إحدى الفعلتين ، تلك إحدى ردود أفعال رقم من الأرقام أو
فرد من القطيع على ما اقترفه الراعي ، غير أنها ليست الصورة الأكثر بشاعة في واقعنا وليست الصورة الوحيدة ، فالرعاة أصبحوا بفعل فائض غياب الرقابة الاجتماعية يجيدون حتى الخروج عن الخروج ذاته ، وليس فقط في تعدد الزوجات وإنما في تعدد العشيقات وسهولة استبدال هذا الرقم بذاك .
لكن ولكي لا نجحف بحق الثقافة والرقابة الاجتماعية فإن (ثقافة القطيع) واستسلاميته قد ساعدت على استفحال الظاهرة ، إذ أن المرأة في مجتمعنا لديها رغبة متأصلة في ممارسة العنف على ذاتها ولذا تفترض دوما حسن نوايا الطرف
الأخر ، وقد تريحه من عناء التبرير ، لا سيما إذا كانت متعلقة به عاطفيا حينها قد تريحه من عناء البحث عن الأكاذيب فتتقبله على (علاته) ، أما ردة الفعل المختلفة فهي في كثير من الأحيان تؤدي إلى النتيجة ذاتها إذ قد تتجه المرأة في
تعلقها بالرجل إلى توظيف كافة حواسها لاكتشاف طرف خيط تستدل من خلاله على اتجاهه لخيانتها ، وتكون كما يصفها (الرعاة) محقق أكثر من كونها شريكة ، ولذا يدفع هذا الاتجاه إلى مزيد من الرغبة في الانفلات لدى الرجل كما يعكس
بصورة أخرى إحدى سلوكيات القطيع بتعلقه بالراعي .
ربما يكمن سر ثقافة القطيع بطرفيها (رجل وامرأة) في جانب من جوانبه بإساءة فهمنا لمفهومي (الحب والقيود) ودمجهما في محاولة لصناعة مزيج يذيب فيه كل منهما الآخر ، ولا يبقي منه سوى الرغبة في الانفلات أو السيطرة أو الخضوع ،
في صور وألوان عديدة كانت تلك السيدة التي تستعذب العذاب أحدها ، وقد يكون أبشعها ما يشاهد يوميا من قطعان أنثوية راقصة تلتف حول أحد رعاة الغناء لإتمام متطلبات النجاح المعاصر للأغنية لكننا في كثير من الأحيان نجد أنفسنا
مضطرين إلى مخالفة قناعاتنا أو التستر عليها احترازا من الإساءة إلى قناعات آخرين ربما لا يجدون سعادتهم خارج أطر المراعي خاصتهم ولذا استأذنت قناعاتي في محاورتي تلك الزوجة المعنفة واستعرت منها قناعاتها ففي ذلك عزاؤها وسعادتها .