كنا قد وصلنا فى الجزء الاول الى اى مدى وصلت غيرة اشقاء سيدنا يوسف عليه السلام
ان شاء الله سنعرف ماذا سيفعلون به
في البئر :
الله سبحانه لم يترك يوسف وحيداً ، هو مع كل الناس الطييبين . . كان يوسف حزيناً و لكن كان صابراً يعرف إن ما حدث هو امتحان له . . لهذا كان ينظر الى السماء و يتمتم بكلمات الحمد .
رأى يوسف في عالم الرؤيا أحد عشر كوكباً و رأى الشمس و القمر رآهم يهبطون الى داخل البئر ، فامتلأ نوراً . . رآهم يبتسمون له و يسجدون احتراماً و اجلالاً . .
واستيقظ يوسف من غفوته . . و تطلّع الى السماء الزرقاء . . رأى سرباً من الطيور البيضاء المهاجرة . . فدمعت عيناه من أجل أبيه .
مرّت ثلاثة ايام و يوسف في داخل البئر . . مثل في أعماق البحر . . مثل في أعماق الظلمة لا أحد يعرف إنّ في هذه البئر ما خلق الله منها . . انها روح يوسف ذلك الفتى الطاهر الجميل . . لا أحد يعرف ذلك إلاّ الله سبحانه .
ثلاثة أيام و يوسف لا يأكل شيئاً . . كان يكتفي بشرب الماء . . يوسف تعوّد الصوم كان يصوم مع أبيه . . فتحمل آلام الجوع بصبر .
من أجل هذا كانت روحه شفافة طاهرة . . مثل اجنحة الطير البيضاء المهاجرة .
القافلة :
مرّت ثلاثة أيام على يوسف و هو في البئر لم يسمع خلالها سوى عواء الذئاب و هي تجوب الفلاة .
وفجأة سمع أصوات غريبة ! أرهف سمعه جيداً نعم انها قافلة تجارية . . عرف ذلك من وقع خطى الجمال و أصوات الرجال .
توقفت القافلة قريباً من البئر . . و أرسل التجار " الوارد " ليستقي من البئر . .
ألقى الرجل دلوه الى اعماق البئر كان يوسف ينتظر هذه اللحظة . . كان الحبل هو حبل نجاته و خلاصه من البئر ، تدفق نبع من الفرح في قلبه ! ان الله لا ينسى عباده فانقذه من هذه البئر المظلمة .
مثل تخرج من صدفة خرج يوسف من البئر . . مثل قمر يشق طريقه وسط الظلام سطع وجه يوسف و أضاء المكان . .
حتى " الوارد " لم يخف من المفاجأة . . صاح :
يا بشرى هذا غلام . . يا للفرحة . .
تجار القافلة ظنوا أن يوسف عبداً من العبيد الآبقين فرّ فسقط في هذه البئر . .
لهذا لم يسألوه عن قبيلته و أصله و قصّته . . جعلوه ضمن البضائع التي سيبيعونها في مصر .
مصر :
استأنفت القافلة طريقها الى مصر . . و بعد اثني عشر يوماً وصلت مصراً ، و هناك بدأ فصل جديد من قصّة يوسف .
يوسف هو الآن في مصر حيث يخترق نهر النيل تلك الأرض و يهبها الخصب .
يوسف ما يزال حتى الآن صغيراً ألقت به المقادير في تلك الأرض . . أصبح بضاعة يريد التجار بيعها في مصر .
يوسف تعلم الصمت . . و لكن قلبه ملئ بالحب . . بحب الله سبحانه الذي أحسن اليه .
التجار خافوا من سكوته . . خافوا إذا ما تكلم و قال انه ليس عبداً لهم لهذا أرادو بيعه و لو بمبلغ زهيد .
رأى يوسف نفسه في أرض جديدة ، ارض لم يرها من قبل ، رأى نهر النيل القادم من الجنوب . . و رأى فيه الزوارق تنساب فوق مياهه النيلية . . و رأى الفلاحين ينقلون المياه بالدلاء لري حقولهم و مزارعهم .
عرضت القافلة بضائعها من خشب و فضة ، و عرضت أيضاً يوسف ، كان هَمُّ التجار بيعه حتى لو بثمن زهيد . .
في ذلك اليوم جاء العزيز و هو المسؤول الأعلى عن أمن مصر ، و تفقد بنفسه القافلة . .
رجال الحرس يحفون بالعزيز و هو يستعرض البضائع و التجار و وقعت عيناه على يوسف . . تساءل عن ذلك الفتى البهي الوجه . .
قالوا له انه غلام للبيع . .
تساءل عن ثمنه فقالوا : نبيعة بعشرين درهماً فقط .
نقدهم العزيز الثمن و كانوا فرحين . . فباعوه و كانوا فيه من الزاهدين .
و هكذا انتقل يوسف الى قصر كبير تحوطه الحدائق ، فهو قصر عزيز مصر الرجل الثاني في الدولة .
دخل يوسف القصر و وقعت عيناه على سيدة حسناء عرف انها زوجة العزيز و صاحبة القصر المنيف .
قال العزيز لزوجته " أكرمي مثواه " انه فتى اتوسّم فيه الخير ربّما ينفعنا " أو نتخذه ولداً " نحن محرومون من الولد فلنتخذ من يوسف ليكون ولدنا .
نظرت " زليخا " الى يوسف . . كان فتى بهي الطلعة مشرق الوجه يشعّ من عينيه الصفا . . لكأنه ملاك هبط من السماء .
في ذلك اليوم اغتسل يوسف في الحمام و ارتدى حلّة جديدة حلّة مصنوعة من خيوط الكتّان كانت أرق من الحرير .
كان المصريون في ذلك الزمن يزرعون الكتان و ينسجون من خيوطه أنواع الثياب و الحلل .
كان يوسف يعيش سيداً في القصر ، و مع ذلك فقانون البلاد يعتبره عبداً للعزيز و زوجته لأنه مِلك لهما .
و هكذا عاش يوسف في واحد من أجمل و أكبر القصور المصرية .
و لكن هل كان يوسف سعيداً بحياته الجديدة ؟ كلاّ .
كان يحنّ الى أبيه و الى تلك البوادي . . هناك يعيش ناعم البال يعبد الله وحده و لا يشرك به شيئاً .
أما هنا فالناس يعبدون الأوثان و يعبدون الملك أيضاً .
ومع ذلك عاش يوسف صابراً مؤمناً بالله و بانبيائه إبراهيم و إسحاق و يعقوب .
عاش يوسف و كان قلبه يمتلأ كل يوم بالايمان ، و كان الصفاء يشّع من عينيه أكثر فأكثر .
كلُّ الناس أحبّوه . . أحبّوا فيه صفاءه و شهامته و أخلاقه ، و هو أيضاً كان يحبّ الناس يريد لهم الخير . . يساعد الفقير و البائس فاذا رأى فلاحاً متعباً ساعده أو رأى عاملاً عجوزاً هبّ الى إعانته .
هكذا عاش يوسف كان يكبر كل عام و كانت روحه تكبر كل يوم و قلبه يكبر و يكبر ، و يتدفق رحمة و طيبة .
وتمرّ الأعوام حتى إذا بلغ اشدّه و بلغ من العمر ثمانية عشر سنة أضاءت في قلبه الحقيقة . . أصبح يشعر بها أكثر فأكثر ، تضيئ مثل الشمس و النجوم .
كان يوسف مؤمناً بالله . . لا يحبّ أحداً مثل حبّه لله . . لا يخاف من أحد خوفه من الله . . و لا يهاب أحداً غير الله .