(النشأة الأولى واختلاف التوقعات:
(إنه لا يتكلم أبدًا!
إنه لا يكاد يقول شيئًا أبدًا وعلي أن أجر منه المعلومات جرًا؛ وكأني غير موجودة معه في البيت، إني أتساءل أحيانًا إذا كان لا يراني ولا يسمعني؛ فلماذا تزوجني إذًا؟!)
لقد أصبحت سعاد تشعر بأن زوجها بعيد عنها، فهو إما غير مبال بها وإما عنيف أو عدوانى معها، وهى تتطلع عادة إلى القاء به في المساء بعد عودته إلى المنزل لتجلس معه وتحدثه عن يومها وتسمع منه عن يومه إلا إنه يفضل عند عودته أن يترك وحيدًا ليستريح ويكرر عبارته دومًا (لا أحد يكلمني الآن).
ويدعي الزوج بأنه دومًا يكلم زوجته، إلا أنه منزعج لأنها لا تريد أن تحدثه إلا في الأمور التي تزعجه، وأنها لا تستمع إليه عندما يريد الحديث في أمور أخرى تهمه.
والزوجة أيضا منزعجة لأنه لا يستشيرها في الأمور وينفرد في اتخاذ القرارات بينما هى لا يخطر في بالها أبدًا أن تفعل هذا معه، إلا أنه يعتقد أن ما تطلبه منه سيقيده ويحد من حريته، ويشعر كأن عليه أن يأخذ الإذن منها في كل شيء.
وما يزيد هذ المشكلة أنهما لم يكونا قد توقعا مثل هذه الأمور والتصرفات قبل زواجهما، فما زالا يحملان الذكريات والخيالات الطيبة المليئة بالوداعة والمحبة والرعاية والتفاهم، والتي حملاها من قبل الزواج، بينما يشعران الآن بالتوتر والألم والحرقة من تصرفات بعضهما، وكلاهما يشعر أيضًا أن حياتهما مليئة بالمشاحنات والجدال.
وأكثر ما يزعجها في زوجها أنه بعد كل جدال ينزعج منه تجده يلوذ بالصمت ولا يعود يقول شيئًا ويحتج هو بقوله: (لا فائدة من الحديث معها عندما تكون في حالة غضب؛ فهي لا تعود تفهم أو تستوعب الكلام) وكلاهما يشعر الآن بالإحباط وخيبة الأمال.
عندما تظهر الاختلافات:
ما يحدث عادة أنه عندما يتزوج الطرفان فإنهما يريان الكثير من الأمور المشتركة بينهما، وهما أيضًا يحبان بعض الفروق التى بينهما، ولكن يحاول كل منهما في المرحلة الأولى من العلاقة إظهار أفضل ما عنده من السلوك والطباع، ويحاول كل منهما استيعاب الآخر وتقديره، وفى مخيلة كل منهما صورة خيالية مثالية عن طبيعة العلاقة بينهما؛ وقد يحملان هذه الصورة الخيالية غير الواقعية لعدد من السنوات.
ونلاحظ في حدوث ذلك أمر صحي عندما تبدأ هذه الفروق بالظهور شيئًا فشيئًا إلى السطح، وقد يتوافق هذا مع بعض التغيرات الاجتماعية كإنجاب الطفل الأول، أو تغيير المهنة أو الانتقال إلى بلد أخر أو غيرها من الأمور التى تساعد على إظهار اختلاف تقديرهما للمواقف والأعمال، وعندما يدرك الزوجان أن مقدار الاختلاف بينهما أكبر ما كانا، يظنان في بداية العلاقة وقد يعزى أحدهما ذلك إلى تغير الطرف الأخر.
إنهما يريان الأمور الآن بواقعية وعلى حقيقتها، بينما في البداية كانت أمور الحياة تسير بشكل سهل ومريح وكانت العلاقة مليئة بالمحبة والسلوك الحسن، والآن ومع تزايد صعوبات الحياة اليومية ومشاكلها بدأت هذه المحبة بالتعرض للاختبر والامتحان.
فهما الآن يختلفان في كيفية صرف المال وشراء الحاجات، وفي من يساعد في تنظيف البيت وتدريس الأولاد، وفي كيفية التعامل مع والدي الزوجين وربما الاختلاف في كل شيء تقريبًا.
إن هذه الفروق والاختلافات بين الزوجين ليست بالضرورة أمرًا سلبيًا، فلفروق عادة جانب إيجابي، والاختلافات عادة أمر طبيعى في الحياة إن أحسن التعامل معها، كما أنها تعتبر ما يتميز به إنسان معين ويختلف فيه عن الآخرين، وما يجعل الآخرين ينجذبون له وما يميز هوية هذا الإنسان وذاته، فظهور هذه الفروق بين الزوجين في هذه المرحلة من الزواج؛ تفتح مجالًا ممكنًا لمزيد من المحبة الناضجة والتفهم الواقعي بينهما.
تبدل التوقعات:
ولكن لابد أن يسأل الزوجان نفسيهما إذا كانت الاختلافات إيجابية وحسنة؛ فلماذا تغيرت العلاقة الحميمية وأصبحت علاقة متوترة يشوبها الانزعاج؟ ولماذا يشعر كل منهما الآن بذهاب المحبة التي كانت بينهما في البداية؟
لاشك أن هناك أسبابًا كثيرة لكل هذا ومنها قضية التوقعات، فالزوجة قد تتوقع مثلًا أن يكون هناك حديث طويل بينها وبين زوجها كلما عاد من العمل، والرجل قد يتوقع أن تسعى زوجته في رعايته وبكل ما تستطيع عندما يصاب بمرض أو رشح، وقد تتوقع الزوجة رحلة في كل أجازة صيفية، بينما يتوقع هو إنجاب مولود في نهاية السنة الأولى من زواجهما، وقد يتوقع أحدهما أن يكون الآخر مثله تمامًا في كل أمر من الأمور، أو أن يرغب في نفس الأمور التى يرغب هو فيها أو أن يكون له نفس الذوق والتفكير وعادة تنشأ المشكلات والصعوبات عندما لا تتحق هذه التوقعات.
اختلاف النشأة:
ولابد أن نسأل أنفسنا لماذا نحمل توقعات مختلفة؟ لماذا عندما يتوقع أحد الزوجين أمرًا وهو يراه أمرًا عاديًا جدًا وطبيعيًا فقد يراه الطرف الآخر على أنه توقع غير منطقي وغير معقول؟
وقد يعود السبب إلى أننا نشأنا في أسر مختلفة ومرت بنا ظروف متباينة جعلت توقعاتنا مختلفة وكأننا قد دربنا خلال نشأتنا على سلوك معين وتوقعات متفاوتة، فنحن نتأثر عادة بما لا نلاحظه من تعامل أبوينا في محبتهما واختلافهما وبما يقولان أو يفعلان أو بما يصمتان عنه، ونكون قد تعلمنا من غير أن ندري أساليب مختلفة في معظم أمور الحياة، ولذلك لاشك أنه عندما يتزوج اثنان فإنهما يأتيان من خلفيتين متباينتين، وإن كانا في مجتمع واحد وطبقة واحدة وتحدثا بنفس اللغة، ويفسر هذا بعض الاختلاف في توقعات الزوجين في كثير من الأمور.
فإذا كانت هناك فروق كثيرة بين الزوجين من البيئة الواحدة، فكيف الحال بالزوجين من مدينتين مختلفتين أو بلدين مختلفين أو ثقافتين وديانتين مختلفتين كما في الزواج المختلط) [التفاهم في الحياة الزوجية، د/ مأمون المبيض، ص( 23 إلى 26)].
اختلاف النشأة يؤدي إلى اختلاف الشخصية :
(إن اختلاف الشخصيتين وعدم فهم هذا الأمر يؤدي إلى كثير من المشاكل، فالشخصيات كثيرة ومتنوعة ولها سماتها، فهناك العقلاني والعاطفي والاجتماعي والانطوائي وهذه الشخصيات آية من آيات الله في الكون، فإذا لم يتفهم كل صاحب شخصية صاحبه ومفاتيح تلك الشخصية وكيفية التعامل معها فستقع الكثير من المشكلات، والشخصيات المتشابهة تتفاهم أكثر من غيرها، وكذلك الشخصيات المتكافئة حيث يوجد من القوة في كل شخصية ما لا يوجد في غيرها، أما الشخصيات المتنافرة فهي بيت الداء في العلاقات الزوجية) [حتى يبقى الحب، د.محمد بدري، ص( 506 )].
ما معنى الشخصية؟
عرفها البعض بأنها: (الشخصية هي انتظام دينامي في الفرد للأجهزة النفسية والفسيولوجية، والذي تحد توافقاته الأصلية مع البيئة فالشخصية هي نتاج تفاعل بين الفرد الذى يتميز بخصائص موروثة وبين بيئته الاجتماعية بما فيها من عادات وتقاليد مختلفة، وتلعب التنشئة الاجتماعية دورًا هامًا في نمو الشخصية الإنسانية وتكاملها، ومعنى ذلك أن الإنسان كائن متغير في بيئة متغيرة).
وعرفها آخرون بأنها: (الشخصية هي جملة الصفات الجسمية والعقلية والمزاجية والاجتماعية والخلقية، التي تميز الشخص عن غيره تميزًا واضحًا.
أي الشخصية هي مجموعة من الخصائص ولكنها فيها صفة التميز، فكل شخص يتميز عن غيره فالشخصية كالبصمة لا تت ول في التوائم) [قياس الشخصية، د.أحمد محمد عبد الخالق، (ص64) ].
ومن أهم العوامل المؤثرة في تكوين الشخصية :
1- الوراثة.
2- المستوى الثقافي والاجتماعي (البيئة المحيطة بالفرد).
3- التعليم.
أثر الوراثة والبيئة على شخصية الإنسان:
(يتحكم في السلوك الإنسانى مجموعتان من العوامل، وهما:
1-المجموعة الأولى: هى المجموعة ذات الأساس البيولوجي وعلى رأسها الوراثة وبعض العوامل الأخرى مثل: اضطرابات الغد وأمراض الجهاز العصبي …. إلخ.
2-المجموعة الثانية: وهي المجموعة ذات الأساس البيئي وتشمل عمليات التعليم والبيئة الاجتماعية والنفسية المحيطة بالفرد منذ نشأته.
ومن هنا فإن تكوين شخصية الإنسان ومحدات سلوكه نتيجة للتفاعل بين هاتين المجموعتين) [المحدات البيولوجية للسلوك والشخصية، د/حنان سعيد السيد، ص (87-93)، باختصار].
ومن هنا يمكن أن نصل إلى أنه من أسباب المشكلات الزوجية اختلاف النشأة؛ فكل إنسان منا له ظروف مختلفة عن الآخر، من ظروف المولد وتركيب الأسرة وعدد أفرادها وترتيب الميلاد والعلاقات المتبادلة الفرد والديه وإخوته والعلاقات بين الوالدين، فضلًا عن التاريخ التعليمى والصحي، وعامل الوراثة والبيئة يلعبان دورًا هامًا في تكوين الشخصية والذي هو بدوره يختلف من إنسان إلى آخر.
وما لاشك فيه أن تفهم طبيعية ونشأة الطرف الآخر ودراسة البيئة المحيطة به سوف يسهل كثيرًا على الطرف الآخر فهم شريكه وتجنب الوقوع في الخلافات، وحتى وإن حدثت فسوف يكون من السهل الوصول إلى حل يرضي الطرفين لما بينهما من تفاهم قد تم بالفعل.
ام نورا
شكرا للمرو العسل