( وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ )
فسير ابن كثير :
وقوله " وفي الأرض قطع متجاورات " أي أراض يجاور بعضها بعضا مع أن هذه طيبة تنبت ما ينفع الناس وهذه سبخة مالحة لا تنبت شيئا هكذا روي عن ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير والضحاك وغير واحد ومدخل في هذه الآية اختلاف ألوان بقاع الأرض فهذه تربة حمراء وهذه بيضاء وهذه صفراء وهذه سوداء وهذه محجرة وهذه سهلة وهذه مرملة وهذه سميكة وهذه رقيقة والكل متجاورات فهذه بصفتها وهذه بصفتها الأخرى فهذا كله مما يدل على الفاعل المختار لا إله إلا هو ولا رب سواه وقوله " وجنات من أعناب وزرع ونخيل " يحتمل أن تكون عاطفة على جنات فيكون" وزرع ونخيل " مرفوعين ويحتمل أن يكون معطوفا على أعناب فيكون مجرورا ولهذا قرأ بكل منهما طائفة من الأئمة وقوله " صنوان وغير صنوان " الصنوان هو الأصول المجتمعة في منبت واحد كالرمان والتين وبعض النخيل ونحو ذلك وغير الصنوان ما كان على أصل واحد كسائر الأشجار ومنه سمي عم الرجل صنو أبيه كما جاء في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعمر " أما شعرت أن عم الرجل صنو أبيه " وقال سفيان الثوري وشعبة عن أبى إسحاق عن البراء رضي الله عنه : الصنوان هي النخلات في أصل واحد وغير الصنوان المتفرقات وقاله ابن عباس ومجاهد والضحاك وقتادة وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وغير واحد وقوله " تسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل " قال الأعمش عن أبي صالح عن
تفسير القرطبي :
" وفي الأرض قطع متجاورات " في الكلام حذف ; المعنى : وفي الأرض قطع متجاورات وغير متجاورات ; كما قال : " سرابيل تقيكم الحر " والمعنى : وتقيكم البرد , ثم حذف لعلم السامع . والمتجاورات المدن وما كان عامرا , وغير متجاورات الصحاري وما كان غير عامر. " متجاورات " أي قرى متدانيات , ترابها واحد , وماؤها واحد , وفيها زروع وجنات , ثم تتفاوت في الثمار والتمر ; فيكون البعض حلوا , والبعض حامضا ; والغصن الواحد من الشجرة قد يختلف الثمر فيه من الصغر والكبر واللون والمطعم , وإن انبسط الشمس والقمر على الجميع على نسق واحد ; وفي هذا أدل دليل على وحدانيته وعظم صمديته , والإرشاد لمن ضل عن معرفته ; فإنه نبه سبحانه بقوله : " تسقى بماء واحد " على أن ذلك كله ليس إلا بمشيئته وإرادته , وأنه مقدور بقدرته ; وهذا أدل دليل على بطلان القول بالطبع ; إذ لو كان ذلك بالماء والتراب والفاعل له الطبيعة لما وقع الاختلاف . وقيل : وجه الاحتجاج أنه أثبت التفاوت بين البقاع ; فمن تربة عذبة , ومن تربة سبخة مع تجاورهما ; وهذا أيضا من دلالات كمال قدرته ; جل وعز تعالى عما يقول الظالمون والجاحدون علوا كبيرا . ذهبت الكفرة – لعنهم الله – إلى أن كل حادث يحدث بنفسه لا من صانع ; وادعوا ذلك في الثمار الخارجة من الأشجار , وقد أقروا بحدوثها , وأنكروا محدثها , وأنكروا الأعراض. وقالت فرقة : بحدوث الثمار لا من صانع , وأثبتوا للأعراض فاعلا ; والدليل على أن الحادث لا بد له من محدث أنه يحدث في وقت , ويحدث ما هو من جنسه في وقت آخر ; فلو كان حدوثه في وقته لاختصاصه به , لوجب أن يحدث في وقته كل ما هو من جنسه ; وإذا بطل اختصاصه بوقته صح أن اختصاصه به لأجل مخصص خصصه به , ولولا تخصيصه إياه به لم يكن حدوثه في وقته أولى من حدوثه قبل ذلك أو بعده ; واستيفاء هذا في علم الكلام .