>> السلام عليكم ورحمة الله وبركاته <<
…………………….؛؛؛
كان لنا بالبصرة قاض يقال له عبد الله بن سوار، لم ير الناس حاكما قط ولا زميتا ،ولا ركينا ، ولا وقورا ولا حليما ،ضبط من نفسه وملك من حركته مثل ما ضبط وملك. كان يصلي الغداة في منزله وهو قريب الدار من مسجده فيأتي مجلسه فيحتبي ولا يتكئ ،فلا يزال منتصبا لا يتحرك له عضو ولا يلتفت ،ولا يحل حبوته ،ولا يحول رجلا عن رجل ،ولا يعتمد على أحد شقيه ،حتى كأنه بناء مبني ، أو صخرة منصوبة ،فلا يزال كذلك حتى يقوم إلى صلاة الظهر ،ثم يعود إلى مجلسه فلا يزال كذلك حتى يقوم لصلاة المغرب، ثم ربما عاد إلى محله بل كثيرا ما كان يكون ذلك إذا بقي عليه من قراءة العهود والشروط والوثائق ثم يصلي العشاء الأخيرة وينصرف .
فالحق يقال : لم يقم في طول تلك المدة والولاية مرة واحدة إلى الوضوء، ولا احتاج ،إليه ولا شرب ماء ولا غيره من الشراب . كذلك كان شأنه في طوال الأيام وفي قصارها وفي صيفها وفي شتائها . وكان مع ذلك لا يحرك يده ولا يشير برأسه وليس إلا أن يتكلم ثم يوجز ويبلغ بالكلام اليسير المعاني الكثيرة .
فبينما هو كذلك ذات يوم وأصحابه حواليه ، وفي السماطين بين يديه ،إذ سقط على أنفه ذباب فأطال المكث ثم تحول إلى مؤق عينه ،فرام الصبر في سقوطه على المؤق وعلى عضه ونفاذ خرطومه، كما رام من الصبر على سقوطه على أنفه من غير أن يحرك أرنبته، أو يغضن وجهه أو يذب بإصبعه . فلما طال ذلك عليه من الذباب وشغله، وأوجعه وأحرقه وقصد إلى مكان لا يحتمل التغافل ،أطبق جفنه الأعلى فلم ينهض ،فدعاه ذلك على أن والى بين الإطباق والفتح ، فتنحى ريثما سكن جفنه، ثم عاد إلى مؤقه بأشد من مرته الأولى، فغمس خرطومه في مكان كان قد أوهاه قبل ذلك، فكان احتماله له أضعف وعجزه عن الصبر في الثانية أقوى ،فحرك أجفانه وزاد في شدة الحركة وفي فتح العين وفي تتابع الفتح والإطباق، فتنحى عنه بقدر ما سكنت حركته، ثم عاد إلى موضعه فما زال يلح عليه حتى استفرغ صبره وبلغ مجهوده، فلم يجد بدا من أن يذب عن عينيه بيده، فعل وعيون القوم ترمقه وكأنهم لا يرونه ،فتنحى عنه بقدر ما رد يده وسكنت حركته ،ثم عاد إلى موضعه، ثم ألجأه إلى أن ذب عن وجهه بطرف كمه ثم ألجاه على أن تابع بين ذلك ،وعلم أن فعله كله بعين من حضره من أمنائه وجلسائه، فلما نظروا إليه قال : أشهد أن الذباب ألج من الخنفساء وأزهى من الغراب !وأستغفر الله، فما أكثر من أعجبته نفسه فأراد الله عز و جل أن يعرفه من ضعفه ما كان مستورا ! وقد علمت أني عند الناس من أزمت الناس فقد غلبني وفضحني أضعف خلقه .
ثم تلا قوله تعالى) وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه، ضعف الطالب والمطلوب)
الحيوان للجاحظ ( تهذيب الحيوان )……
شكراً لكِ أ. أم ورد……
سبحان الله وبحمده … سبحان الله العظيم