تخطى إلى المحتوى

موسوعة الادباء العالميين 2024.

الخَنساء
::==:: ::==::
? – 24 هـ / ? – 644 م

تماضر بنت عمرو بن الحارث بن الشريد، الرياحية السُلمية من بني سُليم من قيس عيلان من مضر.
أشهر شواعر العرب وأشعرهن على الإطلاق، من أهل نجد، عاشت أكثر عمرها في العهد الجاهلي، وأدركت الإسلام فأسلمت. ووفدت على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) مع قومها بني سليم. فكان رسول الله يستنشدها ويعجبه شعرها، فكانت تنشد وهو يقول: هيه يا خنساء.
أكثر شعرها وأجوده رثاؤها لأخويها صخر ومعاوية وكانا قد قتلا في الجاهلية. لها ديوان شعر فيه ما بقي محفوظاً من شعرها. وكان لها أربعة بنين شهدوا حرب القادسية فجعلت تحرضهم على الثبات حتى استشهدوا جميعاً فقالت: الحمد لله الذي شرفني بقتلهم.

لا تَخَل أَنَّني لَقيتُ رَواحا .. بَعدَ صَخرٍ حَتّى أَثَبنَ نُواحا
مِن ضَميري بِلَوعَةِ الحُزنِ حَتّى .. نَكَأَ الحُزنُ في فُؤادي فِقاحا
لا تَخَلني أَنّي نَسيتُ وَلا بُل .. لَ فُؤادي وَلَو شَرِبتُ القَراحا
ذِكرَ صَخرٍ إِذا ذَكَرتُ نَداهُ .. عيلَ صَبري بِرُزئِهِ ثُمَّ باحا
إِنَّ في الصَدرِ أَربَعاً يَتَجاوَب .. نَ حَنيناً حَتّى كَسَرنَ الجَناحا
دَقَّ عَظمي وَهاضَ مِنّي جَناحي .. هُلكُ صَخرٍ فَما أُطيقُ بَراحا
مَن لِضَيفٍ يَحِلُّ بِالحَيِّ عانٍ .. بَعدَ صَخرٍ إِذا دَعاهُ صُياحا
وَعَلَيهِ أَرامِلُ الحَيِّ وَالسَف .. رُ وَمُعتَرُّهُم بِهِ قَد أَلاحا
وَعَطايا يَهُزُها بِسَماحٍ .. وَطِماحٍ لِمَن أَرادَ طِماحا
ظَفِرٌ بِالأُمورِ جَلدٌ نَجيبٌ .. وَإِذا ما سَما لِحَربٍ أَباحا
وَبِحِلمٍ إِذا الجَهولُ اِعتَراهُ .. يَردَعُ الجَهلَ بَعدَما قَد أَشاحا
إِنَّني قَد عَلِمتُ وَجدَكَ بِالحَم .. دِ وَإِطلاقَكَ العُناةَ سَماحاَ
فارِسٌ يَضرِبُ الكَتيبَةَ بِالسَي .. فِ إِذا أَردَفَ العَويلُ الصُياحا
يُقبِلُ الطَعنَ لِلنُحورِ بِشَزرٍ .. حينَ يَسمو حَتّى يُلينَ الجِراحا
مُقبِلاتٌ حَتّى يُوَلَّينَ عَنهُ .. مُدبِراتٌ وَما يُرِدنَ كِفاحا
كَم طَريدٍ قَد سَكَّنَ الجَأشَ مِنهُ .. كانَ يَدعو بِصَفِّهِنَّ صُراحا
فارِسُ الحَربِ وَالمُعَمَّمُ فيها .. مِدرَهُ الحَربِ حينَ يَلقى نِطاحا
أَعَينَيَّ جودا وَلا تَجمُدا .. أَلا تَبكِيانِ لِصَخرِ النَدى
أَلا تَبكِيانِ الجَريءَ الجَميلَ .. أَلا تَبكِيانِ الفَتى السَيِّدا
طَويلَ النِجادِ رَفيعَ العِمادِ .. سادَ عَشيرَتَهُ أَمرَدا
إِذا القَومُ مَدّوا بِأَيديهِمِ .. إِلى المَجدِ مَدَّ إِلَيهِ يَدا
فَنالَ الَّذي فَوقَ أَيديهِمِ .. مِنَ المَجدِ ثُمَّ مَضى مُصعِدا
يُكَلِّفُهُ القَومُ ما عالُهُم .. وَإِن كانَ أَصغَرَهُم مَولِدا
تَرى المَجدَ يَهوي إِلى بَيتِهِ .. يَرى أَفضَلَ الكَسبِ أَن يُحمَدا
وَإِن ذُكِرَ المَجدُ أَلفَيتَهُ .. تَأَزَّرَ بِالمَجدِ ثُمَّ اِرتَدى

بَني سُلَيمٍ أَلا تَبكونَ فارِسَكُم .. خَلّى عَلَيكُم أُموراً ذاتَ أَمراسِ
ما لِلمَنايا تُغادينا وَتَطرُقُنا .. كَأَنَّنا أَبَداً نُحتَزُّ بِالفاسِ
تَغدو عَلَينا فَتَأبى أَن تُزايِلَنا .. لِلخَيرِ فَالخَيرُ مِنّا رَهنُ أَرماسِ
وَلا يَزالُ حَديثُ السِنِّ مُقتَبَلاً .. وَفارِساً لا يُرى مِثلٌ لَهُ راسِ
مِنّا يُغافِصنَهُ لَو كانَ يَمنَعُهُ .. بَأسٌ لَصادَفَنا حَيّاً أُلي باسِ

أَبى طولُ لَيلِيَ لا أَهجَعُ .. وَقَد عالَني الخَبَرُ الأَشنَعُ
نَعِيُّ اِبنِ عَمروٍ أَتى موهِناً .. قَتيلاً فَما لِيَ لا أَجزَعُ
وَفَجَّعَني رَيبُ هَذا الزَمانِ .. بِهِ وَالمَصائِبُ قَد تُفجِعُ
فَمِثلُ حَبيبِيَ أَبكى العُيونَ .. وَأَوجَعَ مَن كانَ لا يوجَعُ
أَخٌ لِيَ لا يَشتَكيهِ الرَفيقُ .. وَلا الرَكبُ في الحاجَةِ الجُوَّعُ
وَيَهتَزُّ في الحَربِ عِندَ النِزالِ .. كَما اِهتَزَّ ذو الرَونَقِ المِقطَعُ
فَما لي وَلِلدَهرِ ذي النائِباتِ .. أَكُلُّ الوُزوعِ بِنا توزَعُ

يا أُمُّ عَمروٍ أَلا تَبكينَ مُعوِلَةً .. عَلى أَخيكِ وَقَد أَعلى بِهِ الناعي
فَاِبكي وَلا تَسأَمي نَوحاً مُسَلِّبَةً .. عَلى أَخيكِ رَفيعِ الهَمِّ وَالباعِ
فَقَد فُجِعتِ بِمَيمونٍ نَقيبَتُهُ .. جَمِّ المَخارِجِ ضَرّارٍ وَنَفّاعِ
فَمَن لَنا إِن رُزِئناهُ وَفارَقَنا .. بِسَيِّدٍ مِن وَراءِ القَومِ دَفّاعِ
قَد كانَ سَيِّدَنا الداعي عَشيرَتَهُ .. لا تَبعَدَنَّ فَنِعمَ السَيِّدُ الداعي

أَقسَمتُ لا أَنفَكُّ أُهدي قَصيدَةً .. لِصَخرٍ أَخي المِفضالِ في كُلِّ مَجمَعِ
فَدَتكَ سُلَيمٌ كَهلُها وَغُلامُها .. وَجُدَّعَ مِنها كُلُّ أَنفٍ وَمِسمَعِ

يا لَهفَ نَفسي عَلى صَخرٍ وَقَد لَهِفَت .. وَهَل يَرُدَّنَّ خَبلَ القَلبِ تَلهيفي
اِبكي أَخاكِ إِذا جاوَرتِهِم سَحَراً .. جودي عَلَيهِ بِدَمعٍ غَيرِ مَنزوفِ
اِبكي المُهينَ تِلادَ المالِ إِن نَزَلَت .. شَهباءُ تَرزَحُ بِالقَومِ المَتاريفِ
وَاِبكي أَخاكِ لِدَهرٍ صارَ مُؤتَلِفاً .. وَالدَهرُ وَيحَكِ ذو فَجعٍ وَتَجليفِ

أَلا لَيتَ أُمّي لَم تَلِدني سَوِيَّةً .. وَكُنتُ تُراباً بَينَ أَيدي القَوابِلِ
وَخَرَّت عَلى الأَرضِ السَماءُ فَطَبَّقَت .. وَماتَ جَميعاً كُلُّ حافٍ وَناعِلِ
غَداةَ غَدا ناعٍ لِصَخرٍ فَراعَني .. وَأَورَثَني حُزناً طَويلَ البَلابِلِ
فَقُلتُ لَهُ ماذا تَقولُ فَقالَ لي .. نَعى ما اِبنِ عَمروٍ أَثكَلَتهُ هَوابِلي
فَأَصبَحتُ لا أَلتَذُّ بَعدَكَ نِعمَةً .. حَياتي وَلا أَبكي لِدَعوَةِ ثاكِلِ
فَشَأنَ المَنايا بِالأَقارِبِ بَعدَهُ لِتُعلِل عَلَيهِم عَلَّةٌ بَعدَ ناهِلِ

مَن حَسَّ لي الأَخَوَينِ .. كَالغُصنَينِ أَو مَن راهُما
أَخَوَينِ كَالصَقرَينِ لَم .. يَرَ ناظِرٌ شَرواهُما
قَرمَينِ لا يَتَظالَمانِ .. وَلا يُرامُ حِماهُما
أَبكي عَلى أَخَوَيَّ .. وَالقَبرِ الَّذي واراهُما
لا مِثلَ كَهلِيَ في الكُهولِ .. وَلا فَتىً كَفَتاهُما
رُمحَينِ خَطِّيَّينِ في .. كَبِدِ السَماءِ سَناهُما
ما خَلَّفا إِذ وَدَّعا .. في سُؤدُدٍ شَرواهُما
سادا بِغَيرِ تَكَلُّفٍ .. عَفواً بِفَيضِ نَداهُما

أَلا لا أَرى في الناسِ مِثلَ مُعاوِيَه .. إِذا طَرَقَت إِحدى اللَيالي بِداهِيَه
بِداهِيَةٍ يَصغى الكِلابُ حَسيسَها .. وَتَخرُجُ مِن سِرِّ النَجِيِّ عَلانِيَه
أَلا لا أَرى كَالفارِسِ الوَردِ فارِساً .. إِذا ما عَلَتهُ جُرأَةٌ وَعَلانِيَه
وَكانَ لِزازَ الحَربِ عِندَ شُبوبِها .. إِذا شَمَّرَت عَن ساقِها وَهيَ ذاكِيَه
وَقَوّادَ خَيلٍ نَحوَ أُخرى كَأَنَّها .. سَعالٍ وَعِقبانٌ عَلَيها زَبانِيَه
بَلَينا وَما تَبلى تِعارٌ وَما تُرى .. عَلى حَدَثِ الأَيّامِ إِلّا كَما هِيَه
فَأَقسَمتُ لا يَنفَكُّ دَمعي وَعَولَتي .. عَلَيكَ بِحُزنٍ ما دَعا اللَهَ داعِيَه

أَرى الدَهرَ أَفنى مَعشَري وَبَني أَبي .. فَأَمسَيتُ عَبرى لا يَجِفَّ بُكائِيا
أَيا صَخرُ هَل يُغني البُكاءُ أَوِ الأَسى .. عَلى مَيِّتٍ بِالقَبرِ أَصبَحَ ثاوِيا
فَلا يُبعِدَنَّ اللَهُ صَخراً وَعَهدَهُ .. وَلا يُبعِدَنَّ اللَهُ رَبّي مُعاوِيا
وَلا يُبعِدَنَّ اللَهُ صَخراً فَإِنَّهُ .. أَخو الجودِ يَبني لِلفَعالِ العَوالِيا
سَأَبكِيهِما وَاللَهِ ما حَنَّ والِهٌ .. وَما أَثبَتَ اللَهُ الجِبالَ الرَواسِيا
سَقى اللَهُ أَرضاً أَصبَحَت قَد حَوَتهُما .. مِنَ المُستَهِلّاتِ السَحابَ الغَوادِيا

تَقولُ نِساءٌ شِبتِ مِن غَيرِ كَبرَةٍ .. وَأَيسَرُ مِمّا قَد لَقيتُ يُشيبُ
أَقولُ أَبا حَسّانَ لا العَيشُ طَيِّبٌ .. وَكَيفَ وَقَد أُفرِدتُ مِنكَ يَطيبُ
فَتى السِنِّ كَهلُ الحِلمِ لا مُتَسَرِّعٌ .. وَلا جامِدٌ جَعدُ اليَدَينِ جَديبُ
أَخو الفَضلِ لا باغٍ عَلَيهِ لِفَضلِهِ .. وَلا هُوَ خَرقٌ في الوُجوهِ قَطوبُ
إِذا ذَكَرَ الناسُ السَماحَ مِنِ اِمرِئٍ .. وَأَكرَمَ أَو قالَ الصَوابَ خَطيبُ
ذَكَرتُكَ فَاِستَعبَرتُ وَالصَدرُ كاظِمٌ .. عَلى غُصَّةٍ مِنها الفُؤادُ يَذوبُ
لَعَمري لَقَد أَوهَيتَ قَلبي عَنِ العَزا .. وَطَأطَأتَ رَأسي وَالفُؤادُ كَئيبُ
لَقَد قُصِمَت مِنّي قَناةٌ صَليبَةٌ .. وَيُقصَمُ عودُ النَبعِ وَهُوَ صَليبُ

أَرِقتُ وَنامَ عَن سَهَري صِحابي .. كَأَنَّ النارَ مُشعِلَةٌ ثِيابي
إِذا نَجمٌ تَغَوَّرَ كَلَّفَتني .. خَوالِدَ ما تَؤوبُ إِلى مَآبِ
فَقَد خَلّى أَبو أَوفى خِلالاً .. عَلَيَّ فَكُلُّها دَخَلَت شِعابي

ما بالُ عَينَيكِ مِنها دَمعُها سَرَبُ .. أَراعَها حَزَنٌ أَم عادَها طَرَبُ
أَم ذِكرُ صَخرٍ بُعَيدَ النَومِ هَيَّجَها .. فَالدَمعُ مِنها عَلَيهِ الدَهرَ يَنسَكِبُ
يالَهفَ نَفسي عَلى صَخرٍ إِذا رَكِبَت .. خَيلٌ لِخَيلٍ تُنادي ثُمَّ تَضطَرِبُ
قَد كانَ حِصناً شَديدَ الرُكنِ مُمتَنِعاً .. لَيثاً إِذا نَزَلَ الفِتيانُ أَو رَكِبوا
أَغَرُّ أَزهَرُ مِثلُ البَدرِ صورَتُهُ .. صافٍ عَتيقٌ فَما في وَجهِهِ نَدَبُ
خليجية خليجية خليجية

يافارِسَ الخَيلِ إِذ شُدَّت رَحائِلُها .. وَمُطعِمَ الجُوَّعِ الهَلكى إِذا سَغَبوا
كَم مِن ضِرائِكَ هُلّاكٍ وَأَرمَلَةٍ .. حَلّوا لَدَيكَ فَزالَت عَنهُمُ الكُرَبُ
سَقياً لِقَبرِكَ مِن قَبرٍ وَلا بَرِحَت .. جَودُ الرَواعِدِ تَسقيهِ وَتَحتَلِبُ
ماذا تَضَمَّنَ مِن جودٍ وَمِن كَرَمٍ .. وَمِن خَلائِقَ ما فيهِنَّ مُقتَضَبُ
خليجية خليجية خليجية

أُبَكِّ أَبي عَمراً بِعَينٍ غَزيرَةٍ .. قَليلٍ إِذا نامَ الخَلِيُّ هُجودُها
وَصِنوَيَّ لا أَنسى مُعاوِيَةَ الَّذي .. لَهُ مِن سَراةِ الحَرَّتَينِ وُفودُها
وَصَخراً وَمَن ذا مِثلُ صَخرٍ إِذا غَدا .. بِساحَتِهِ الأَبطالُ قَزمٌ يَقودُها
فَذَلِكَ يا هِندُ الرَزِيَّةُ فَاِعلَمي .. وَنيرانُ حَربٍ حينَ شُبَّ وَقودُها خليجية خليجية

أَسَدانِ مُحمَرّا المَخالِبِ نَجدَةً .. بَحرانِ في الزَمَنِ الغَضوبِ الأَنمَرِ
قَمَرانِ في النادي رَفيعا مَحتِدٍ .. في المَجدِ فَرعا سُؤدُدٍ مُتَخَيَّرِ

عنترة بن شداد العبسي —-هو عنترة بن عمرو بن شداد وشداد جده غلب على اسم أبيه ، وإنما أدعاه أبوه بعد الكبر وذلك أنه كان لأمة سوداء يقال لها زبيبة وكانت العرب في الجاهلية إذا كان للرجل منهم ولد من أمة أستعبده ، كان بعض أحياء العرب قد أغاروا على بني عبس فأصابوا منهم فتبعهم العبسيون فلحقوهم فقاتلوهم عمّا معهم وعنترة فيهم ، فقال له أبوه : كر يا عنترة قال : العبد لا يحسن الكر ، إنما يحسن الحلاب والصَّر، فقال : كر وأنت حر فكرَّ وهو يقول :
أنا الهجين عنترة * كل امرئ يحمي حره
أسـودة وأحمرة * والواردات مشفـرة
فقاتل وأبلى واستنقذ ما كان بأيدي عدوهم من الغنيمة فادّعاه أبوه وألحق به نسبه وكان لا يقول من الشعر إلا بيتين أو ثلاثة حتى سابه رجل من بني عبس فرد عليه وافتخر بأفعاله في الغزوات والغارات وكان أول ما قال : هل غادر الشعراء من متردم

وهي بعض قصائده:
بمهندي نلت العلاحـكم سـيوفك فـي رقاب iiالعذل

وإذا نـزلت بـدار ذل iiفـارحل

وإذا بـليت بـظالم كـن iiظـالماً

وإذا لـقيت ذوي الـجهالة iiفاجهل

وإذا الـجبان نـهاك يـوم iiكريهة

خـوفاً عليك من ازدحام iiالجحفل

فـاعص مـقالته ولا تـجفل بها

وأقـدم إذا حـق الـلقا في iiالأول

واخـتر لـنفسك مـنزلا تعلو iiبه

أو مـت كريماً تحت ظل iiالقسطل

فـالموت لا يـنجيك مـن iiآفاته

حـصنُ ولـو شـيدته iiبـالجندل

مـوت في الفتى في عزه خير iiله

مـن أن يبيت أسيرّ طرفٍ أكحل

إن كـنت فـي عدد العبيد iiفهمتي

فـوق الـثريا والـسماك iiالأعزل

أو أنـكرت فرسان عبس iiنسبتي

فـسنان رمـحي والحسام يقر iiلي

وبـذابلي وبـمهندي نـلت العلا

لا بـالـقرابة والـعديد الأجـزل

ورميت رمحي في العجاج فخاضة

والـنار تـقدح من شفار iiالأنصل

خـاض الـعجاج محجلاً حتى iiإذا

شـهد الـوقيعة عاد غير iiمحجل

ولـقد نـكبت بـني حريقه iiنكبة

لـما طـعنت صميم قلب الأخيل

وقـتلت فـارسهم ربـيعة iiعنوة

والـهيذبان وجـابر بـن iiمهلهل

وابـني ربـيعة والحريش iiومالكاً

والـزربقانُ غـدا طريح iiالجندل

وأنـا ابـن سـوداء الجبينِ iiكأنَّها

ضـبع ترعرع في رسوم iiالمنزل

الـساق مـنها مـثل ساق iiنعامة

والـشعر مـنها مثل حب iiالفلفل

والـثغر مـن تـحت اللثام iiكأنه

بـرق تـلألأ في الظلام iiالمسدل

يـا نـازلين على الحمى iiوديارهِ

هـلا رأيـتم في الديار تقلقلي ii؟

قـد طـال عزكم وذلي في الهوى

ومـن الـعجائب عـزكم iiوتذللي

لا تـسقني مـاء الـحياة بذلة iiبل

فـاسقني بـالعز كـأس iiالحنظلِ

مــاء الـحـياة بـذلة iiكـجهنم

وجـهنم بـالعز أطـيب مـنزل

………………………… ……………….. ………

إذا كشف الزمان لك القناعا :

إذا كـشـفَ الـزمـانُ لـك iiالقناعا ومـدّ إلـيـك صـرفُ الـدهـرِ iiبـاعـا

فـلا تـخـشَ الـمـنـيـةَ iiوالـتـقيها ودافـعْ مـا اسـتـطعتَ لها دِفاعا

ولا تــخــتـرْ فِـراشـاً مـن iiحـريـرٍ ولا تــبــكِ الـمـنـازلَ iiوالـبِـقـاعـا

وحَــولـكَ نِـسـوةٌ يَـنـدبـنَ iiحُـزنـاً ويَــهْـتِـكـنَ الـبـراقـع والـلِّـفـاعـا

يـقـول لـك الـطبيب دواك عندي إذا مــا جــس كــفـك والـذراعـا

ولــو عــرفَ الــطـبـيـبُ دواءَ iiداءٍ يَـرُدُّ الـمـوتَ مـا قـاسى iiالنزاعا

وفـي يـوم الـمـصـانـع قـد تـركنا لَــنـا بِـفـعـالـنـا خـبـراً مُـشـاعـا

أقـمـنـا بـالـذوابـلِ سـوقَ حـربٍ وصَـيـرنـا الـنـفـوسَ لـهـا مـتـاعا

حِــصــانـي كـان دَلّال iiالـمـنـايـا فـخـاضَ غُـبـارهـا وشـرى وباعا

وسـيفي كان في الهيجا طبيباً يُـداوي رأسَ من يشكو الصُداعا

أنــا الـعـبـدُ الـذي خُـبـرتَ عـنـه وقـد عـايـنـتـنـي فدعِ iiالسماعا

ولـو أرسـلـتُ رُمـحـيَ مع جَبانٍ لـكـان بـهـيـبتي يَلقى السباعا

مَلأتُ الأرضَ خوفاً من حُسامي وخَـصـمي لم يجدْ فيها iiاتساعا

إذا الأبـطـال فـرَّتْ خـوفَ بأسي تــرى الأقــطــارَ بــاعـاً أو ذِراعـا

ابن الرومي
221 – 283 هـ / 836 – 896 م
*********************
علي بن العباس بن جريج أو جورجيس، الرومي.
شاعر كبير، من طبقة بشار والمتنبي، رومي الأصل، كان جده من موالي بني العباس.
ولد ونشأ ببغداد، ومات فيها مسموماً قيل: دس له السمَّ القاسم بن عبيد الله -وزير المعتضد- وكان ابن الرومي قد هجاه.
قال المرزباني: لا أعلم أنه مدح أحداً من رئيس أو مرؤوس إلا وعاد إليه فهجاه، ولذلك قلّت فائدته من قول الشعر وتحاماه الرؤساء وكان سبباً لوفاته.
وقال أيضاً: وأخطأ محمد بن داود فيما رواه لمثقال (الوسطي) من أشعار ابن الرومي التي ليس في طاقة مثقال ولا أحد من شعراء زمانه أن يقول مثلها إلا ابن الرومي.

****************************
و من قصائده :

قولا لسُمَّانَة كَهْفِ الزنا .. سبحانَ من وسَّع أحْشاكِ
يغيبُ ماءُ الناس عن أسْرهم .. فيكِ ولا تُبْسطُ أَثناكِ
يا أرضُ هل حُمِّلْتِ في وُسْعها .. باللَّه مذ حُمِّلْتِ أَعباكِ
كأنما يُوحى إلى رِحْمها .. وقيل يا أرضُ ابلعي ماكِ
************************
سَلَوْتُ شَبابي والرّضاعَ كليهما .. فكيف تُراني سالياً ما سِواهُما
وما أحدثَ العَصْران شيئاً نكرْتُه .. هما الواهبان السالبان هما هُما
رأيت احتسابَ الأمرِ قبل وقوعه .. حَمَى مُقْلَتَيَّ أنْ يطولَ بُكَاهُما
***************************
أحمدُ اللّه حمدَ شاكرِ نُعْمَى .. قابلٍ شُكر ربِّه غيرِ آبِ
طار قومٌ بخفَّة الوزن حتى .. لحقوا رفْعَةً بقاب العُقابِ
ورسا الراجحون من جِلَّةِ النا .. س رسوَّ الجبال ذات الهضابِ
وَلَما ذاك للِّئامِ بفَخْرٍ .. لا ولا ذاك للكرام بعابِ
هكذا الصخرُ راجحُ الوزن راسٍ .. وكذا الذرُّ شائُل الوزنِ هابِ
فليَطِرْ معشرٌ ويعلوا فإني .. لا أراهم إلا بأسفل قابِ
لا أعدُّ العلوَّ منهم عُلوَّاً .. بل طُفُوّاً يمينَ غيرِ كِذابِ
ورعاعٌ تغلَّبوا بزمانٍ .. أنا فيه وفيهُم ذو اغترابِ
غلبوني به على كل حظٍّ .. غيرَ حظٍّ يفوتُ كلَّ اغتصابِ
إنني مؤمنٌ وإني أخو الحقـ .. ـقِ عليمٌ بفَرْعهِ والنِّصابِ
قلت إن تغلبوا بغالِب مغلو .. بٍ فحسبي بغالبِ الغَلّابِ
وبِخلٍّ إذا اختللتُ رعاني .. بالذي بيننا من الأسبابِ
كأبي سهلٍ المُسَهِّلِ مأتَى .. كلِّ عُرْفٍ وفاتحِ الأبوابِ
أنا شاكٍ إليك بعضَ ثِقاتي .. فافهم اللحنَ فهو كالإعرابِ
لي صديقٌ إذا رأى لي طعاماً .. لم يكد أن يجودَ لي بالشرابِ
فإذا ما رآهما لي جميعاً .. كفياني لديه لُبسَ الثيابِ
فمتى ما رأى الثلاثة عندي .. فهْي حسبي لديه من آرابي
لا يراني أهلاً لِملْكِ الظَّهاريـ .. يِ ولا موضعَ العطايا الرِّغابِ
وكأني في ظَنهِ ليس شأني .. لَهْوُ ذي نُهيَةٍ ولا مُتصابِ
فيَّ طبعٌ ملائكيٌّ لديهِ .. عازفٌ صادفٌ عن الإطرابِ
أو حماريَّةٌ فمقدارُ حظّي .. شَبعةٌ عندهُ بلا إتعابِ
إنما حظيَ اللَّفاءُ لديهِ .. مَع ما فيهِ بي مِنَ الإعجابِ
ليس ينفكُّ شاهداً لي بفهمٍ .. وبيانٍ وحكمةٍ وصوابِ
ومتى كان فتحُ بابٍ من اللَّـ .. ه توقعتُ منهُ إغلاق بابِ
كاتبٌ حاسبٌ فقد عامل الخل .. لَةَ بيني وبينهُ بالحسابِ
ليس ينفكّ من قِصاصي إذا أحـ .. سنَ دهرٌ إليَّ أو من عقابي
كلما أحسن الزمانُ أبَى الإحـ .. سانَ يا للعُجابِ كلِّ العجابِ
أحمدُ اللَّه يا أبا سهلٍ السهـ .. ـلَ مرامِ النوال للطُلّابِ
والفتى المُرتجَى لفصل القَضايا .. عند إشكالها وفصلِ الخطابِ
أترى الدهرَ ليس يُعجب من هَيْـ .. ـجك عتبي إذا نوى إعتابي
أفلا إذا رأيتَ دهري سقاني .. بِذَنوبٍ سقيتني بِذنابِ
أين منك المنافساتُ اللواتي .. عَهِدَ الناسُ من ذوي الأحسابِ
أين منك المقايساتُ اللواتي .. عَهِدَ الناسُ من ذوي الألبابِ
أمن العدلِ أن تعُدَّ كثيراً .. ليَ ما تستقلُّ للأوقابِ
أتُراني دون الأُلى بلغوا الآ .. مالَ من شُرطةٍ ومن كُتّابِ
وتِجارٍ مثل البهائمِ فازوا .. بالمنى في النفوس والأحبابِ
فيهمُ لُكنةُ النَّبيط ولكنْ .. تحتها جاهليَّةُ الأعرابِ
أصبحوا يلعبون في ظلِّ دهرٍ .. ظاهِر السُّخْف مثلهم لَعَّابِ
غيرَ مُغنين بالسيوف ولا الأقْـ .. لامِ في موطنٍ غَنَاءَ ذُبابِ
ليس فيهم مُدافعٌ عن حريمٍ .. لا ولا قائمٌ بصدر كتابِ
مُتَسمّين بالأمانة زوراً .. والمَناتينُ أخربُ الخُرَّابِ
كاذبي المادحين يعلمُه اللَّـ .. هُ عُدول الهُجاة والعُيَّابِ
شَغَلتْ موضعَ الكُنى لا بلِ الأسْـ .. ماء منهم قبائحُ الألقابِ
خيرُ ما فيهُم ولا خيرَ فيهم .. أنهم غيرُ آثمي المُغتابِ
ويظلون في المنَاعم واللذ .. ذاتِ بين الكواعب الأَترابِ
لَهُمُ المُسمِعَاتُ ما يُطربُ السا .. معَ والطائفاتُ بالأكوابِ
نَعَمٌ ألبستهُمُ نِعَمُ اللَّـ .. ه ظلالَ الغصون منها الرِّطابِ
حين لا يشكرونها وهي تَنمي .. لا ولا يكفرونها بارتقابِ
إن تلك الغصونَ عندي لتُضحي .. ظالماتٍ فهل لها من متابِ
ما أُبالي أأثمرتْ لاجتناءٍ .. بعد هذا أم أيبستْ لاحتطابِ
كم لديهم لِلَهوِهِم من كَعابٍ .. وعجوزٍ شبيهةٍ بالكَعابِ
دُرُّ صهباءَ قد حكى دُرَّ بيضا .. ءَ عَروبٍ كَدمْيةِ المحرابِ
تحملُ الكأس والحُلِيَّ فتبدو .. فتنة الناظرين والشُرَّابِ
لَذةُ الطَّعمِ في يَدَيْ لذّةِ الملْـ .. ثَمِ تدعو الهوى دعاءَ مُجابِ
حولَها مِنْ نِجَارِها عينُ رملٍ .. ليس ينفكُّ صَيدُها أُسدَ غابِ
يُونقُ العينَ حسنُ ما في أَكُفٍّ .. ثَمَّ تَسقي وحُسْنُ ما في رقابِ
ففمٌ شاربٌ رحيقاً وطَرفٌ .. شاربٌ ماءَ لَبّةٍ وسِخابِ
وَمزاجُ الشَّراب إن حاولوا المز .. جَ رُضابٌ يا طيبَ ذاك الرُّضابِ
من جَوارٍ كأنهنَّ جَوارٍ .. يتسلسلنَ من مياهٍ عِذابِ
لابساتٍ من الشفوف لَبوساً .. كالهواء الرّقيق أو كالشرابِ
ومن الجوهرِ المضيءِ سناهُ .. شُعلاً يلتهبنَ أيَّ الْتهابِ
فترى الماءَ ثَمَّ والنارَ والآ .. لَ بتلك الأبشارِ والأسلابِ
يوجسُ الليلُ رِكزَهُنَّ فينجا .. بُ وإن كان حالِكَ الجِلبابِ
عن وجوهٍ كأَنهنَّ شموسٌ .. وبدورٌ طلعنَ غبَّ سحابِ
سالمتْها الأَندابُ وهي من الرِّقـ .. ـقَةِ أَوْلى الوجوهِ بالأندابِ
أوجهٌ لا تزال تُرمَى ولا تَدْ .. مَى على كثرةِ السّهام الصِّيابِ
بل تَرُدُّ السَهام مُنكفئاتٍ .. فتصيبُ القلوبَ غيرَ نوابِ
جُعِلَ النُّبْلُ والرَّشاقةُ حظَّيْ .. نِ لتلك الأكفالِ والأقرابِ
ناهداتٍ مطرّفاتٍ يمانعـ .. ـنك رُمَّانَهُنَّ بالعُنَّابِ
لو تَرى القومَ بينهنّ لأجبر .. تَ صُراحاً ولم تقلْ باكتسابِ
من أناسٍ لا يُرْتَضون عبيداً .. وهمُ في مراتبِ الأربابِ
حالُهُمْ حالُ من له دارتِ الأفـ .. لاكُ واستوسقتْ على الأقطابِ
سوءةً سوءةً لصُحبة دنيا .. أسخطتْ مثلَه من الأصحابِ
لهفَ نفسي على مَناكيرَ للنُّكـ .. ـرِ غضابٍ ذوي سيوف عِضابِ
تغسِلُ الأرضَ بالدماء فتُضحى .. ذاتَ طُهرٍ تُرابُها كالمَلابِ
من كلابٍ نأى بها كلَّ نأْيٍ .. عن وفاءِ الكلابِ غدرُ الذئابِ
واثباتٍ على الظِّباء ضِعافٍ .. عن وثابِ الأسود يومَ الوِثابِ
عندهم كلُّ ما اشتهوْهُ من الآ .. كال والأَشْرِبات والأشوابِ
والغوالي وعَنبرِ الهندِ والمسـ .. ك على الهام واللِّحَى كالخضابِ
لم أكُن دون مالكي هذه الأمـ .. لاكِ لو أنصفَ الزمانُ المُحابي
آتياً ما أتى الزمانُ من الظلـ .. مِ وهاتيك منك سوطُ عذابِ
قاتَل اللَّه دهرَنا أو رماهُ .. باستواءٍ فقد غدا ذا انقلابِ
فمتى ما رأى له قوتَ شهرٍ .. عدَّهُ المَلْكَ في اقتبال الشبابِ
لا تُصَمِّمْ على عقابك إيَّا .. يَ إذا أحسن الزمانُ ثوابي
كم نوالٍ مباركٍ لك قد قا .. د نوالاً إليَّ طوعَ الجنابِ
وأُمورٍ تيسّرت وأُمورٍ .. بالمفاتيح منك والأسبابِ
لا تُقابِلْ تَيَمُّني بك بالرد .. دِ ولا الظنَّ فيك بالإكذابِ
واجبي أن أرى جوابيَ عُتبا .. كَ فلا تجعلِ السكوتَ جوابي
إن في أنْ تَعُقُّني بعضَ إغضا .. بي وفي أن تُهينَني إغضابي
كنتَ تأتي الجميلَ ثم تنكَّرْ .. تَ فعاتبتُ مُجملاً في العتابِ
فأتَنِفْ توبةً وراجعْ فعالاً .. ترتضيهِ الأسلافُ للأعقابِ

******************************

طَرِبْتُ ولم تَطْربْ على حين مَطْرَبِ .. وكيف التصابي بابن ستَّينَ أشيبِ
ومما حداك الشوقَ نوحُ حمامة .. أرنَّتْ على خُوطٍ من البانِ أهدبِ
مطوَّقةٍ تبكي ولم أرَ قبلها .. بدا ما بدا من شجوها لم تسلَّبِ

****************************** **********

وشاعرٍ أَجوْعَ من ذيبِ .. معشِّشٍ بين أَعاريبِ
سَلَّتُهُ أقفرُ من سبسبٍ .. فيها طِرازٌ للعناكيبِ
لا مستهِلٌّ فيه يُكْنى به .. غير سُلاحٍ كالمَيازِيبِ

****************************** *********

وكم عائبٍ قد عابني وهو صادقٌ .. وأدبرَ عنّي والذي فيه أَعيَبُ
رماني بسوءٍ لستُ أُعديه صاحبي .. ولا هُو ممّا يُستفادُ ويُكسَبُ
وباءَ بسوءٍ فيه يُعديهِ غيرَه .. ويجلبُهُ والسوءُ يُعدي ويُجلبُ
وما ذاك إلا ثلبُهُ الناسَ طائعاً .. وما بَرِحَ الثُّلَّابُ للناس تُثلَبُ
وكم بين ذي سوءٍ تعدَّاهُ سُوؤُهُ .. مُريداً لما يأتيه يبغي ويَشغَبُ
وآخرَ لا يعدوه ما فيه طالبٍ .. زوالَ التي تُنعَى عليه وتُندَبُ
لن تنالَ العلا بشكرٍ عَريبِ .. مثلَ شكرِ الحرِّ الشريفِ الأديبِ
إنما تُبذَلُ اللُّهى لابتغاء الـ .. حمدِ في سدِّ خَلَّةِ المنكوبِ
ليس في الباذلات مُكتسبَ الأم .. والِ في كسبِ موبقاتِ الذُّنوبِ
كلُّ وَفْرٍ يفنى ويبقى من الصَّا .. حبِ حسنُ الثناءِ للمصحوبِ

****************************** ***********

هَبُوا أبا يوسفٍ هجاني .. فالشاعرُ العالم الأديبُ
ولابنِ بورانَ وجهُ عذرٍ .. لأنه مُطرِبٌ مُصيبُ
وخالدٌ فهو قَحْطبيٌّ .. مثلهما هاهَ أو قريبُ
ورَّاقُ ساباطَ لِم هجاني .. عُثنونُهُ في استه خضيبُ

****************************** ******

ولما رأيتُ الدهرَ يؤذنُ صرفُهُ .. بتفريق ما بيني وبين الحبائبِ
رجعت إلى نفسي فوطنتُها على .. ركوب جميل الصبر عند النوائبِ
ومن صحِبَ الدنيا على جَوْرِ حُكمها .. فأيّامُهُ محفوفةٌ بالمصائبِ
فخذ خُلسةً من كلّ يومٍ تعيشُهُ .. وكن حذراً من كامناتِ العواقبِ
ودع عنك ذكَر الفألِ والزجر واطَّرح .. تَطيُّر جارٍ أو تفاؤلَ صاحبِ

****************************** ***************

يا غائباً عني بعيدَ الإيابْ .. نَغَّصني فقدُك بَرْدَ الشرابْ
لهفي على لُبسك ثوبَ البِلى .. من قبل إخلاقِك ثوبَ الشبابْ

****************************** ****

ياصاحباً أعضلَ في كيدِهِ .. لستَ خبيراً أيها الصاحبُ
فَهِمتُ أبياتَك تلك التي .. أَثقبَ فيها كيدُك الثاقبُ
بيتٌ وبيتٌ عقربٌ تُتَّقَى .. وأرْيُ نحلٍ في اللَّها ذائبُ
جرَّحتَني فيها وداويتني .. فأنت أنت الصادعُ الشاعبُ

****************************** ***********

عدوُّكَ من صديقك مستفادٌ .. فلا تستكثرنَّ من الصِّحابَ
فإن الداءَ أكثرَ ما تراهُ .. يحولُ من الطعام أو الشرابِ
إذا انقلبَ الصديقُ غدا عدواً .. مُبيناً والأمورُ إلى انقلابِ
ولو كان الكثيرُ يَطيبُ كانتْ .. مُصاحبةُ الكثير من الصوابِ
ولكن قلَّ ما استكثرتَ إلّا .. سقطتَ على ذئابٍ في ثيابِ
فدعْ عنك الكثير فكم كثيرٍ .. يُعافُ وكم قليلٍ مُستطابِ
وما اللُّجَجُ المِلاحُ بمُروياتٍ .. وتلقى الرِّيّ في النُّطَفِ العِذابِ

****************************** *********

إذ لم يكن درهمي دِرْهميـ .. ـن عندك لم يزكُ عند الغريبِ
فَزِدنيَ فوق الذي استحقـ .. ـقُ ما تستحقُّ بحقِّ الأديبِ
وحقِّ الأريب وحقِّ اللبيب .. وحق الحسيب وحق النجيبِ
وإلا فلا فرقَ فيما لديْـ .. ـكَ بين البغِيض وبين الحبيبِ

****************************** *********
لَحظاتُ أجفانِ الحبيبْ .. رُسُل القلوب إلى القلوبْ
والشوقُ يفعل بالعزاء .. فعلَ الإنابة بالذنوبْ
لا والذي بجفائهِ .. وَصَلَ المدامعَ بالنحيبْ
ما شفَّ جسمي في الهوى .. إلا مراقبةُ الرقيبْ

****************************** ********

هي سوداءُ غيرَ أنَّ عليها .. ظُلمةً تَدْلهمُّ منها القلوبُ
فتراها كأنها حين تبدو .. عِظْلِمٌ فوق صَدرها مَصبوبُ
أشربُ الماءَ إذا ما التهبَتْ .. نار أحشائي لإطفاء اللَّهَبْ
فأَراهُ زائداً في حُرقتي .. فكأن الماء للنار حَطَبْ

****************************** *********
قِدِم الأميرُ أخو الأميـ .. ـرِ أبو الحسين المُصْعَبُ
فالأهلُ والسهلُ المرَيـ .. ـعُ لوجهه والمَرْحَبُ
مَلِكٌ أغرٌّ مُحجَّبٌ .. معروفُهُ لا يُحجَبُ
يغدو بِعرْضٍ وافرٍ .. يحميهِ مالٌ مُنْهَبُ
بدرٌ كأن البدرَ مقـ .. ـروناً إليه كوكبُ
بحرٌ كأن البحر مقـ .. ـروناً إليه مِذْنَبُ
سيفٌ له من كلّ نا .. حيةٍ ووجهٍ مَضْربُ
ليثٌ لَهُ في كلِّ جا .. رحةٍ وعضوٍ مخْلبُ
وَهَبَتْ له كفٌّ وَهُو .. بٌ كلَّ ما لا يُوهَبُ
عَضُدٌ لسيّدِنا وغيـ .. ـثٌ للورى يَتصبّبُ

************************

وامتناعُ النفسِ مما تشتهي .. خشيةَ الإنفاق نقصٌ في النسَبْ

****************************** *****

قالوا اشتكتْ عينُه فقلتُ لهم .. من كثرة القتل مسَّها الوَصَبُ
حُمرتُها من دماءِ من قَتَّلَتْ .. والدمُ في النَّصلِ شاهدٌ عَجَبُ

***************************
دعوا الأُسدَ تربِضُ في غابِها .. ولا تدخلوا بين أنيابِها

**********************

فتحتُ أبوابَ مدحٍ لا انغلاقَ لها .. من إخوة لك جاؤوا بالأعاجيبِ
فجازِني بمديحي أو مديحِهِمُ .. إن المسبِّبَ محقوقٌ بِتثويبِ
سبِّبْ أو افعل بل اسمح لي بجمعهما .. فعلاً بفعلٍ وتسبيباً بتسبيبِ
يا من يقولُ بما فيه مُقَرِّظُهُ .. ولا يَمُتُّ إليه بالأكاذيبِ
أما يستديمُ المرءُ نعمةَ ربّهِ .. بإكرامِ أحرارِ الرجالِ ببابِهِ
ويعلم أنَّ الحمدَ والذمَّ للفتى .. حذيَّتُهُ في إذنه وحجابِهِ

**************************

أيسيرُ مدحي في الأمير وكلُّهُ .. يا للرجال مُؤرَّجٌ بعتابِ
ما قلت قافيةً تخبِّر أنهُ .. فيما يُثيب أثابني بثوابِ
ظنِّي لئن أنا دام لي حرمانُهُ .. لألقَّبَنَّ بشاعرٍ كذابِ
يا بؤسَ للشعراءِ يسهرُ ليلُهمْ .. ويُلقَّبون بأسوَأِ الألقابِ

***************************

اللَّه يعلمُ أنني .. يا سيدي أحيا بِقربِكْ
كَمِدٌ على ما فات منْكـ .. ك فلا بُليتَ بيوم عَتبِكْ
وهواك شغلي عن سوا .. كَ فليتني من شغل قلبِكْ

**************************

طرِبتُ إلى المِرَاةِ فروَّعتْني .. طوالعُ شَيبتينِ ألمَّتا بي
وأما شَيبةٌ فصفحتُ عنها .. لتشهَدَ بالبراءَة من خضابي
فأعجِبْ بالدليلِ على مَشيبي .. أقمتُ به الدليلَ على شبابي

*********************
كيف يرجو الحياءَ منه صديقٌ .. ومكانُ الحياء منه خرابُ

***************************
أيها الواعدُ الذي .. برقُهُ الدهرَ خُلَّبُ
لستُ أدري أأنتَ أمْ .. ظنُّ راجيك أكذَبُ

**********************

شَهَد اللَّهُ وهو عدلٌ رضيُّ .. أنَّ عبدَ القويِّ عبدٌ قويُّ
آخَذُ الناسِ كلهم لكتَابٍ .. أَخْذَ يَحيى لكنَّ يحيى نبيُّ
وهو يحيى لولا النجاسةُ والجهْـ .. لُ وإن لم يَجِئْ به زكريُّ

**************************

رأيتُك تدّعى رمضانَ دعوى .. وأنت نظيرُ يومِ الشك فيهِ
إنما ألبَسُ العمامةَ في الصيـ .. ـفِ لأنِّي أروقُ أختَكَ فيها
ليَ رأسٌ يُقرُّها لا كرأسٍ .. لك ما زال قرنُه ينفيها

****************************** *****

هنيئاً يا أبا حسن هنيئاً .. بلغتَ من الفضائل كلَّ غايهْ
شركتَ القِردَ في سُخْفٍ وقبح .. وما قصَّرْتَ عنه في الحكايهْ
وكنتَ إذا جريتَ إلى المخازي .. إلى أبويكَ جاوزتَ النهايهْ
شَهدتُ بأنَّ من تَنْمَى إليه .. خلافُ أبيك لكنْ كان دايهْ
صَححتَ من الخمولِ ألا فصبراً .. ستُرفع رايةٌ لك بعد رايهْ

****************************** ***

رَمِدتْ مُقلتي اشتياقاً إليكا .. واكتسى الذُّلَّ وجهُ حِرصي عليكا
وانقضتْ كلُّ حسرةٍ لك إلا .. حسرتي للمغيب عن ناظريكا
أيها السيدُ المُحَجَّب عني .. أنت لي واقفٌ على حالتيكا
حين أبهجتَ بي الصديقَ وأشجيـ .. تَ عدوّي قذفتني منْ يديكا

*****************************

ما فيهِ معنىً لمشتهيهِ .. عجبْتُ من جهلِ عاشقيه
لأيِّ معنىً تخيَّرُوه .. وكلُّ عيب له وفيهِ

****************************** ******

أبصرت باقةَ نرجسٍ .. في كف من أهواه غضَّهْ
فكأنها قصبُ الزُمر .. رُد أنبتتْ ذهباً وفضّهْ

****************************** **

رُبَّ أُناسٍ فرضوا فافترضُوا .. فعُرِّضوا فاعترضوا فقبّضوا
فقبضُوا فقُبّضوا فانْقرضوا

****************************** ***

رُبَّ هيفاءَ رَدَاحٍ .. ذاتِ بُدنٍ وبياضِ
بعلُها شيخٌ جليلٌ .. لو تراهُ قُلتَ قاضي
لم يُبالِ الشيخُ عاراً .. وهو عن يومين ماضي
بكَ عرَّضتُ وإن كنـ .. تَ قليل الامتعاض
ثم صرَّحتُ وما معـ .. نى احتشامي وانقباضي
ليس مثلي يترك القصْـ .. ـدَ ويمشي في العِراض

****************************** *********

أتيتُك شاعراً فهجَوْتَ شعري .. وكانت هفوةً مني وغلطَهْ
لقد أذكرتني مثلاً قديماً .. جزاءُ مُقبِّلِ الوجعاءِ ضرطَهْ

****************************** ***

بكيتَ فلم تترك لعينك مدمعا .. زماناً طوى شرخ الشباب فودَّعا
سقى الله أوطاراً لنا ومآرباً .. تقطَّع من أقرانها ما تقطعا
إذا ما قضيت اليوم لم أبك عهده .. وأخلفت أدنى منه ظلّاً وأفنعا
فأصبحت أقتص العهود التي خلت .. بآهة محقوق بأن يتفجَّعا
لأحسنت الأيام بيني وبينها .. بديئاً وإن عفت على ذاك مرجعا
ليالي لو نازعته رجع أمسه .. ثنى جيده طوعاً إلي ليرجعا
تُجلِّي عيون الناظرين فُجاءةً .. لنا منظراً مُروىً من الحسن مُشبعا
كمنطقة الجوزاء لاحت بسحرة .. بعقب غمام لائح ثم أقشعا
وقد ضربت في خضرة الروض صُفرةٌ .. من الشمس فاخضر اخضراراً مشعشعا
فلله عينا من رآهم وقد غدوا .. مُزيِّين مشهوراً من الزِّيِّ أروعا
هنالك تغدو الطير ترتاد مصرعاً .. وحسبانُها المكذوب يرتاد مرتعا
ولله عينا من رآهم إذا انتهوا .. إلى موقف المرمى فأقبلن نُزَّعا
وقد وقفوا للحائنات وشمَّروا .. لهنَّ إلى الأنصاف سوقاً وأذرعا
وجدَّت قسيُّ القوم في الطير جدَّها .. فظلت سجوداً للرماة وركَّعا
فظل صحابي ناعمين ببؤسها .. وظلت على حوض المنية شُرَّعا
فلو أبصرت عيناك يوماً مقامنا .. رأيت له من حلة الطير أمرعا
طرائح من سودٍ وبيضٍ نواصعٍ .. تخال أديم الأرض منهن أبقعا

****************************** ******

إذا كنت لا تستطيع الجماعَ .. وأنت لأهل الزنا مَجمعُ
فإنك في ذاك مثل المسنِّ .. يحدُّ الحديد ولا يقطعُ

****************************** *

وقع الفراق وما يزال يروعني .. فكأن واقع شره متوقعُ

****************************** ***

نزا بعضُ المجانين .. على شيخٍ له مالُ
وقد ضمَّهما الحِمَّا .. مُ والمجنون صوّالُ
وكان الشيخُ رجراجاً .. له لحمٌ وأوصالُ
فأوعى جوفه المجنو .. ن جُردانا له حالُ
فصاح الشيخ بالناسِ .. وفي الحمَّامِ أجيالُ
فلما كثُر القيل .. على المجنونِ والقالُ
إذا المجنونُ قد قامَ .. وللغُرمولِ دِلدالُ
يُعيد القولَ مرَّاتٍ .. يرَونا نشتهي قالوا

****************************** *********

أين من يشتري حِماراً ضليعاً .. ليس في مشيه دنيَّةُ رَيْثِ
يحمل الدِّينَ والأمانةَ والمَنـ .. نَ اضطلاعاً ويحمل ابنَ حُريثِ

*************************
يا ربِّ لا تبعثْ بغيثٍ عَيْثا .. فإنه إن حَثَّ غيثٌ غيثا
عادت لَبونُ المُمْطراتِ لَيثا .. وأنتَ أهدَى عَجَلاً ورَيْثا
بني المشرف جذَّ الله دابِرَكم .. ما ضَرَّ مُعقِبَكم لو أنه دَرَجَا

****************************** **
عيني إلى من أحبُّ تَخْتَلِجُ .. والصبر عن حسن وجهه سَمِجُ
طال اشتياقي إلى مُنَعَّمَةٍ .. يستعبد القلبَ طرفُها الغَنِجُ
لو طلعتْ في الظلام غُرَّتُها .. ظلت سُتُورُ الظلام تنفرجُ
متى أرى خَلْوةً يظلُّ بها .. ريقِي بريق الخليل يمتزجُ
يا حُورُ ما للحبيب يفعل بي .. أشياء لا يستحلُّها الحَرَجُ

****************************** ***

لك الطائر الميمونُ والطَّالع السَّعْدُ وطولُ بقاء ليس من بعده بَعْدُ
تأمَّلْ وأنتَ المرءُ ينظر نظرة فلا غَوْرَ إلا وهو في عينه نجْدُ
ذكاءً وإشرافاً على كل غامضٍ يقصِّرُ قِدْماً دون عفوهما الجُهْد
وتكميل معروف الكريم بِحشده وأسديْتَ معروفاً وقد بقي الحشْدُ
ولستُ براضٍ منك ما لستَ راضياً ولستَ براضٍ غير ما يرتضي المجدُ
وما العينُ عيناً حين تفقد أختَها ولا الأذنُ أذُناً ما طوى أختَها الفقْدُ
وما اليدُ لو لا أختُها بقويَّةٍ ولا الرِّجل لو لا الرجل تمشي ولا تعدو
ولا كلُّ محتاج إلى ما يشدُّه يُسَفْسِفُ إلا والوهاءُ له وكْدُ
فعزِّزْ كتاباً منك وِتْراً بَشْفعه فما عزَّ إلا اللَّه مُسْتَنْجَدٌ فرْدُ

****************************** *****

كفاك من ذلّتي للشيب حين أتى أني تَوَلَّيْتُ نتفاً لحيتي بيدي

سيرة الشاعر
السياب – النص الأخير قبل القبر
البداية السريعة على امتداد شط العرب إلى الجنوب الشرقي من البصرة، وعلى مسافة تقطعها السيارة في خمس و أربعين دقيقة تقع أبو الخصيب التي تمثل مركز قضاء تابع للواء البصرة يضم عددا من القرى من بينها قرية لا يتجاوز عدد سكانها ألفا ومائتي نسمة

تقع على ما يسمى نهر أبو فلوس من شط العرب تدعى جيكور تسير إليها في طريق ملتوية تمتد بالماشي مدى ثلاثة أرباع الساعة من أبي الخصيب وهي الزاوية الشمالية من مثلث يضم أيضا قريتين أخريين هما بكيع وكوت بازل، قرى ذات بيوت من اللبن و الطين، لا تتميز بشيء لافت للنظر عن سائر قرى العراق الجنوبي

فهي عامرة بأشجار النخيل التي تظلل المسارح المنبسطة ويحلو لأسراب الغربان أن تردد نعيبها فيها، و عند أطراف هذه القرى مسارح أخرى منكشفة تسمى البيادر، تصلح للعب الصبيان ولهوهم في الربيع والخريف، وتغدو مجالا للنوارج في فصل الصيف، فكل شخص يعمل في الزراعة ويشارك في الحصاد و الدراس، ويستعين على حياته بتربية الدجاج والأبقار، و يجد في سوق البصرة مجالا للبيع أو المقايضة، ويحصل على السكر و البن و الشاي وبعض الحاجات الضرورية الأخرى لكي ينعم في قريته بفضائل الحضارة المادية، وإذا كان من الطامحين إلى (الوجاهة) فلا بأس أن يفتح ديوانا يستقبل فيه الزائرين من أهل القرية أو من الغرباء ليشاركوه في فضائل تلك الحضارة المادية

السياب – دراسة في حياته وشعره

والبلدة التي ولد الشاعر في إحدى قراها و أكمل دراسته الأولى فيها والتي بقي يتردد إليها طيلة عمره القصير، برز فيها شعراء كثيرون، وان لم يشتهروا كشهرته، لضعف وسائل الأعلام ولخلود أكثرهم إلى السكينة ولعزوفهم عن النشر، نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر الشعراء محمد محمود من مشاهير المجددين في عالم الشعر و النقد الحديث، ومحمد علي إسماعيل، زميل السياب في العالية وصاحب الشعر الكثير، وأبوه شاعر مشهور أيضا و اسمه ملا علي إسماعيل، ينظم القريض والشعر العامي، و الشاعر خليل إسماعيل توفي في 1961 الذي ينظم المسرحيات الشعرية ويخرجها بنفسه ويصور ديكورها بريشته

و الشاعر مصطفي كامل الياسين الدكتور و الموظف الكبير في الخارجية وعبد الستار عبد الرزاق الجمعة، وعبد الباقي لفته و عبداللطيف الدليسي وعبدالحافظ الخصيبي ومؤيد العبدالواحد الشاعر الوجدان بالرقيق ومن رواة شعر السياب، والشاعر الأستاذ سعدي يوسف هو من أبناء أبي الخصيب، ظهرت له عدة دواوين شعرية، ونال شهرة واسعة بين شعراء البلاد العربية، اشتهر كالسياب بشعره الحر
ونذكر الشاعر الشعبي عبدالدايم السياب، من أقارب الشاعر ولشعره شهرة في المنطقة الجنوبية، والشاعر الشعبي كذلك عدنان دكسن وهو معلم

ولد السياب في منطقة (بكيع) بكاف فارسية وجيكور محلة صغيرة فيها وهي كلمة فارسية تعني (بيت العميان) وتبعد عن أبي الخصيب بما يقارب الكيلوين و تقع القرية على شط العرب، وأمامها جزيرة جميلة اسمها (الطويلة) كثيرا ما كان السياب يقضي الساعات الطوال فيها

و نهر (بويب) الذي تغنى به الشاعر كثيرا، يسيل في أملاك عائلة السياب وهو يتفرع من النهر الكبير إنها قرية صغيرة اسمها مأخوذ من العبارة الفارسية (جوي كور) أي الجدول الأعمى

و آل السياب يملكون أراضي مزروعة بالنخيل، وهم مسلمون سنيون عرفتهم جيكور لأجيال عدة. و على الرغم من أنهم لم يكونوا من كبار الملاكين في جنوب العراق، فانهم كانوا يحيون حياة لائقة محترمة حسب المعايير المحلية

إن أعضاء الأسرة من الذكور لا يزيدون على ثلاثين في الوقت الحاضر مصطفى السياب ، في رسالة إلى المؤلف، بيروت 32 نيسان 1966 لكن الأسرة كان أكبر مما هي اليوم في أوائل القرن التاسع عشر إذ كانت تصم عائلة المير

لكن كثيرين من أعضائها ماتوا في الطاعون الذي انتشر في العراق سنة 1831 وكان سياب بن محمد بن بدران المير أحد أعضائها، وكان قد فقد جميع أهله الأقربين

وكلمة سياب بتشديدها بضم السين أو فتحها : اسم يطلق على البلح أو البسر الأخضر. لكن قصة تروى في العائلة تزعم أنه دعي بهذا الاسم لأنه فقد جميع أقربائه وسيب وحيدا. وهي تلفظ سياب في اللهجة المحلية بتسكين السين

وفي عام تزوج شاكر بن عبدالجبار ابنة عمه كريمة،وكانت أمية في السابعة عشرة من عمرها. و أسكنها معه في دار والده على ما تقضي به العادات المرعية. وفي 1926 ولدت له ابنا دعاه (بدرا). وقد طار به فرحا وسجل تاريخ ميلاده حتى يتذكره، لكنه ما لبث أن فقده وبقي تاريخ ميلاد بدر مجهول

ولم تكن إدارة البلاد في ذلك الوقت متفرغة لتنظيم تسجيل المواليد، ولا سيما في النواحي النائية. وفي 1928 ولدت له ابنا ثانيا دعاه عبدالله، وفي 1930 ولدت له ابنا ثالثا دعاه مصطفى وكان فخورا بأبنائه الثلاثة، واثقا من أنهم سيكبرون ويساعدونه في عمله لكن أحدا منهم ما ساعده كما كان ينتظر ويأمل

أما في البيت فقد كان بدر يلعب مع أصدقائه فيشاركه أخواه الأصغران. وكان الأماكن المحببة للعبهم بيت واسع قديم مهجور يدعى (كوت المراجيح) باللهجة المحلية

وكان هذا البيت في العهد العثماني يؤوي عبيد الأسرة (مصطفى السياب، من مقابلة مع المؤلف، بيروت 41 حزيران 1966) و من هنا أسمه، إذا معنى (المراجيح) المراقيق أي الرقي أو العبيد

وقد دعاه بدر في شعره فيما بعد (منزل الأقنان) كانوا يلعبون في فنائه بالقفز على مربعات ودوائر تخطط على الأرض وما شابه ذلك من العاب القفز، واكن يلذ لهم كذلك أن يرووا عنه قصص الأشباح. وقد جعله بدر مقرا لجريدة خطية كان يصدرها مدة باسم (جيكور) تتناقلها أيدي صبيان القرية، ثم تعود في ختام المطاف لتجد محلها على الحائط في غرفة الإدارة
وتشمل ذكرياته أقاصيص جده – على نحو مبهم- وقصص العجائز من عمة وجدة وغيرهما، و من أقاصيصهما حكاية عبد الماء الذي اختطف زينب الفتاة القروية الجميلة، وهي تملأ جرتها من النهر، ومضى بها إلى أعماق البحر و تزوجها، و أنجبت له عددا من الأطفال، ثم رجته ذات يوم أن تزور أهلها، فأذن لها بذلك، بعد أن احتفظ بأبنائه ليضمن عودتها، و لكنها لم تعد, فأخذ يخرج من الماء ويناديها ويستثر عاطفتها نحو الأطفال، و لكنها أصرت على البقاء، و أخيرا أطلق أهلها النار على الوحش فقتلوه، أما الأطفال فتختلف روايات العجائز حول مصيرهم

كذلك تشمل ذكرياته لعبه على شاطئ بويب، وهو لا يفتأ يذكر بيتا في بقيع يختلف عن سائر البيوت، في أبهائه الرحبة، وحدائقه الغناء، ولكن اشد ما يجذب نظره في ذلك المنزل الإقطاعي تلك الشناشيل، وهي شرفة مغلقة مزينة بالخشب المزخرف و الزجاج الملون

غير أن الشاعر حين يتحدث من بعد عن بيت العائلة في جيكور فإنما يعني البيت الذي ولد فيه وعاش فيه سنوات طويلة في ظل أمه، وقضى فترات متقطعة من صباه وشبابه الباكر في جنباته، وهكذا ينبسط اسم (جيكور) على القريتين إذا ليست بقيع في واقع الحال الا حلة من جيكور

ولابد لنا من أن نشير إلى أن بعض الصحفيين زاروا هذا البيت في عام 1965 وكان مما قالوه في وصفه : البيت قديم جدا وعال، وقد تحللت جذور البيت حتى أصبحت كأسفل القبر، والبيت ذو باب كبير كباب حصن كتب عليه بالطباشير اسم ؛ عبدالمجيد السياب

وهو الذي يسكن الآن في الغرفة الوحيدة الباقية كان البيت قبل عشر سنين يموج بالحركة والحياة، أما سبب هجر عائلة السياب لهذا البيت أو بالأحرى لجيكور فهو بسبب ذهاب الشباب إلى المدن بعد توظيفه" جريدة الثورة العربية، بغداد عدد 184 – 12 شباط 1965

دخل السياب في أول مراحله الدراسية مدرسة باب سليمان الابتدائية في أبي الخصيب، ثم انتقل إلى المحمودية الابتدائية التي أسسها المرحوم محمود باشا العبدالواحد في سنة 1910 في العهد العثماني، وبقيت تحمل اسمه حتى الآن
و تخرج من هذه المدرسة في تاريخ 1-10-1938
ولدى مراجعة محمود العبطة سجلات المدرسة المحمودية ، عثر على معلومات خاصة بالشاعر نقلها من السجل رقم 6 وصفحة السجل 757 و المعلومات هي

معلومات خاصة بالشاعر:
التولد: قرية جيكور عام 1925

آخر مدرسة كان فيها قبل دخوله المحمودية مدرسة باب سليمان

تاريخ دخوله المدرسة 1- 10 – 1936

الصف الذي قبل فيه الصف الخامس أكمل الدراسة الابتدائية

وقد فصل من المدرسة بتاريخ 1- 10 – 1938

وسبب الانفصال أنه رسب في الصف السادس سنة 1937

ونجح من السادس سنة 1938

صفاته :

ابيض الوجه
– أسود العينين
أحواله الصحية جيدة

سيرته في المدرسة
درجات الصف السادس – البكالورية

العربي :76

الإنكليزي :88

الحساب:51

الهندسة:75

الجغرافية:83

التاريخ:65

الإنشاء و الصحة:85

المعلومات المدنية:85

أشعاره
ـــــــــــــــــــــ

أنشودة المطر

عيناك غابتا نخيل ساعة السحر
.أو شرفتان راح ينأى عنهما القمر
عيناك حين تبسمان تورق الكروم
وترقص الأضواء .. كالأقمار في نهر
يرجه المجداف وهنا ساعة السحر
… كأنما تنبض في غوريهما النجوم

وتغرقان في ضباب من أسى شفيف
كالبحر سرح اليدين فوقه المساء
دفء الشتاء فيه و ارتعاشة الخريف
و الموت و الميلاد و الظلام و الضياء
فتستفيق ملء روحي ، رعشة البكاء
.كنشوة الطفل إذا خاف من القمر

كأن أقواس السحاب تشرب الغيوم
.. وقطرة فقطرة تذوب في المطر
وكركر الأطفال في عرائش الكروم
ودغدغت صمت العصافير على الشجر
أنشودة المطر
مطر
مطر
مطر
تثاءبي المساء و الغيوم ما تزال
.تسح ما تسح من دموعها الثقال
:كأن طفلا بات يهذي قبل أن ينام
بأن أمه – التي أفاق منذ عام
فلم يجدها، ثم حين لج في السؤال
قالوا له : " بعد غد تعود" –
لابد أن تعود
و إن تهامس الرفاق أنها هناك
في جانب التل تنام نومة اللحود
،تسف من ترابها و تشربي المطر
كأن صيادا حزينا يجمع الشباك
ويلعن المياه و القدر
و ينثر الغناء حيث يأفل القمر
المطر
المطر
أتعلمين أي حزن يبعث المطر ؟
وكيف تنشج المزاريب إذا انهمر ؟
و كيف يشعر الوحيد فيه بالضياع؟
،بلا انتهاء_ كالدم المراق، كالجياع
كالحب كالأطفال كالموتى – هو المطر
ومقلتاك بي تطيفان مع المطر
وعبر أمواج الخليج تمسح البروق
سواحل العراق بالنجوم و المحار
كأنها تهم بالبروق
.فيسحب الليل عليها من دم دثار

اصح بالخيلج : " يا خليج
"يا واهب اللؤلؤ و المحار و الردى
فيرجع الصدى
:كأنه النشيج
يا خليج"
".. يا واهب المحار و الردى

أكاد أسمع العراق يذخر الرعود
و يخزن البروق في السهول و الجبال
حتى إذا ما فض عنها ختمها الرجال
لم تترك الرياح من ثمود
.في الواد من اثر
أكاد اسمع النخيل يشرب المطر
و اسمع القرى تئن ، و المهاجرين
،يصارعون بالمجاذيف و بالقلوع
:عواصف الخليج و الرعود ، منشدين
مطر"
مطر
مطر
وفي العراق جوع
وينثر الغلال فيه موسم الحصاد
لتشبع الغربان و الجراد
و تطحن الشوان و الحجر
رحى تدور في الحقول … حولها بشر
مطر
مطر
مطر
وكم ذرفنا ليلة الرحيل من دموع
ثم اعتللنا – خوف أن نلام – بالمطر
مطر
مطر
و منذ أن كنا صغارا، كانت السماء
تغيم في الشتاء
،و يهطل المطر
وكل عام – حين يعشب الثرى- نجوع
ما مر عام و العراق ليس فيه جوع
مطر
مطر
مطر
في كل قطرة من المطر
.حمراء أو صفراء من أجنة الزهر
و كل دمعة من الجياع و العراة
وكل قطرة تراق من دم العبيد
فهي ابتسام في انتظار مبسم جديد
أو حلمة توردت على ف الوليد
في عالم الغد الفتي واهب الحياة
مطر
مطر
مطر
".. سيعشب العراق بالمطر

أصيح بالخليج : " يا خليج
"يا واهب اللؤلؤ و المحار و الردى
فيرجع الصدى
:كأنه النشيج
يا خليج"
" يا واهب المحار و الردى

وينثر الخليج من هباته الكثار
على الرمال ، رغوه الاجاج ، و المحار
و ما تبقى ن عظام بائس غريق
من المهاجرين ظل يشرب الردى
من لجة الخليج و القرار
و في العراق ألف أفعى تشرب الرحيق
. من زهرة يربها الرفات بالندى
و اسمع الصدى
يرن في الخليج
مطر"
مطر
مطر
في كل قطرة من المطر
حمراء أو صفراء من أجنة الزهر
وكل دمعة من الجياع و العراة
وكل قطرة تراق من دم العبيد
فهي ابتسام في انتظار مبسم جديد
أو حلمة توردت على فم الوليد
في عالم الغد الفتي ، واهب الحياة "

ويهطل المطر

المسيح بعد الصلب

النهر و الموت

1
بويب
بويب
أجراس برج ضاع في قارة البحر
الماء في الجرار، و الغروب في الشجر
وتنضج الجرار أجراسا من المطر
بلورها يذوب في أنين
" بويب .. يا بويب"
فيدلهم في دمي حنين
إليك يا بويب
يا نهري الحزين كالمطر

أود لو عدوت في الظلام
أشد قبضتي تحملان شوق عام
في كل إصبع كأني أحمل النذور
إليك من قمح و من زهور
أود لو أطل من أسرة التلال
لألمح القمر
يخوض بين ضفتيك يزرع الظلال
و يملأ السلال
بالماء و الأسماك و الزهر
أود لو أخوض فيك أتبع القمر
و اسمع الحصى يصل منك في القرار
صليل آلاف العصافير على الشجر
أغابة من الدموع أنت أم نهر؟
و السمك الساهر هل ينام في السحر؟
و هذه النجوم هل تظل في انتظار
تطعم بالحرير آلاف من الإبر ؟

و أنت يا بويب
أود لو غرقت فيك ألقط المحار
أشيد منه دار
يضيء فيها خضرة المياه و الشجر
ما تنضح النجوم و القمر
و أغتدي فيك مع الجزر إلى البحر
فالموت عالم غريب يفتن الصغار
وبابه الخفي كان فيك يا بويب

2
بويب .. يا بويب
عشرون قد مضين كالدهور كل عام
و اليوم حين يطبق الظلام
و استقر في السرير دون أن أنام
و ارهف الضمير دوحة إلى السحر
مرهفة الغصون و الطيور و الثمر
أحس بالدماء و الدموع كالمطر
ينضحهن العالم الحزين
أجراس موتى في عروقي ترعش الرنين
فيدلهم في دمي حنين
إلى رصاصة يشق ثلجها الزؤام
أعماق ، كالجحيم يشعل العظام
أود لو عدوت أعضد المكافحين
اشد قبضتي ثم أصفع القدر
أود لو غرقت في دمي إلى القرار
لأحمل العبء مع البشر
.و أبعث الحياة ، إن موتي انتصار

غريب على الخليج
الريح تلهث بالهجيرة، كالجثام، على الأصيل
و على القلوع تظل تطوى أو تنشر للرحيل
زحم الخليج بهن مكتدحون جوابو بحار
.من كل حاف نصف عاري
و على الرمال ، على الخليج
جلس الغريب، يسرح البصر المحير في الخليج
: و يهد أعمدة الضياء بما يصعد من نشيج
أعلى من العباب يهدر رغوه و من الضجيج"
، صوت تفجر في قرارة نفسي الثكلى : عراق
.كالمد يصعد ، كالسحابة ، كالدموع إلى العيون
الريح تصرخ بي : عراق
و الموج يعول بي : عراق ، عراق ، ليس سوى عراق ‍‍
البحر أوسع ما يكون و أنت أبعد ما يكون
و البحر دونك يا عراق

.. بالأمس حين مررت بالمقهى ، سمعتك يا عراق
وكنت دورة أسطوانه
هي دورة الأفلاك في عمري، تكور لي زمانه
.في لحظتين من الأمان ، و إن تكن فقدت مكانه
هي وجه أمي في الظلام
، وصوتها، يتزلقان مع الرؤى حتى أنام
و هي النخيل أخاف منه إذا ادلهم مع الغروب
فاكتظ بالأشباح تخطف كل طفل لا يؤوب
،من الدروب وهي المفلية العجوز وما توشوش عن (حزام) 1
وكيف شق القبر عنه أمام عفراء الجميلة
.فاحتازها .. إلا جديله
زهراء أنت .. أتذكرين
تنورنا الوهاج تزحمه أكف المصطلين ؟
وحديث عمتي الخفيض عن الملوك الغابرين ؟
ووراء باب كالقضاء
قد أوصدته على النساء
أبد تطاع بما تشاء، لأنها أيدي الرجال
.كان الرجال يعربدون ويسمرون بلا كلال
أفتذكرين ؟ أتذكرين ؟
سعداء كنا قانعين
. بذلك القصص الحزين لأنه قصص النساء
،حشد من الحيوات و الأزمان، كنا عنفوانه
.كنا مداريه اللذين ينام بينهما كيانه
أفليس ذاك سوى هباء ؟
حلم ودورة أسطوانه ؟
ان كان هذا كل ما يبقى فأين هو العزاء ؟
،أحببت فيك عراق روحي أو حببتك أنت فيه
يا أنتما – مصباح روحي أنتما – و أتى المساء
.و الليل أطبق ، فلتشعا في دجاه فلا أتيه
لو جئت في البلد الغريب إلى ما كمل اللقاء
الملتقى بك و العراق على يدي .. هو اللقاء
شوق يخض دمي إليه ، كأن كل دمي اشتهاء
جوع إليه .. كجوع كل دم الغريق إلى الهواء
شوق الجنين إذا اشرأب من الظلام إلى الولاده
إني لأعجب كيف يمكن أن يخون الخائنون
أيخون إنسان بلاده؟
إن خان معنى أن يكون ، فكيف يمكن أن يكون ؟
الشمس أجمل في بلادي من سواها ، و الظلام
.حتى الظلام – هناك أجمل ، فهو يحتضن العراق
واحسرتاه ، متى أنام
فأحس أن على الوساده
ليلك الصيفي طلا فيه عطرك يا عراق ؟
بين القرى المتهيبات خطاي و المدن الغريبة
،غنيت تربتك الحبيبة
وحملتها فأنا المسيح يجر في المنفى صليبه ،
فسمعت وقع خطى الجياع تسير ، تدمي من عثار
.فتذر في عيني ، منك ومن مناسمها ، غبار
ما زلت اضرب مترب القدمين أشعث ، في الدروب
،تحت الشموس الأجنبيه
متخافق الأطمار ، أبسط بالسؤال يدا نديه
صفراء من ذل و حمى : ذل شحاذ غريب
،بين العيون الأجنبيه
بين احتقار ، و انتهار ، و ازورار .. أو ( خطيه) 2
(و الموت أهون من (خطيه
من ذلك الإشفاق تعصره العيون الأجنبيه
قطرات ماء ..معدنيه
،فلتنطفئ ، يا أنت ، يا قطرات ، يا دم ، يا .. نقود
يا ريح ، يا إبرا تخيط لي الشراع ، متى أعود
إلى العراق ؟ متى أعود ؟
يا لمعة الأمواج رنحهن مجداف يرود
.بي الخليج ، ويا كواكبه الكبيرة .. يا نقود

ليت السفائن لا تقاظي راكبيها من سفار
أو ليت أن الأرض كالأفق العريض ، بلا بحار
ما زلت أحسب يا نقود ، أعدكن و استزيد ،
ما زلت أنقض ، يا نقود ، بكن من مدد اغترابي
ما زلت أوقد بالتماعتكن نافذتي و بابي
في الضفة الأخرى هناك . فحدثيني يا نقود
متى أعود ، متى أعود ؟
أتراه يأزف ، قبل موتي ، ذلك اليوم السعيد ؟
سأفيق في ذاك الصباح ، و في السماء من السحاب
،كسر، وفي النسمات برد مشبع بعطور آب
و أزيح بالثوباء بقيا من نعاسي كالحجاب
:من الحرير ، يشف عما لا يبين وما يبين
.عما نسيت وكدت لا أنسى ، وشك في يقين
ويضئ لي _ وأنا أمد يدي لألبس من ثيابي-
ما كنت ابحث عنه في عتمات نفسي من جواب
لم يملأ الفرح الخفي شعاب نفسي كالضباب ؟
اليوم _ و اندفق السرور علي يفجأني- أعود

واحسرتاه .. فلن أعود إلى العراق
وهل يعود
من كان تعوزه النقود ؟ وكيف تدخر النقود
و أنت تأكل إذ تجوع ؟ و أنت تنفق ما تجود
به الكرام ، على الطعام ؟
لتبكين على العراق
فما لديك سوى الدموع
.وسوى انتظارك ، دون جدوى ، للرياح وللقلوع
الكويت 1953

آراء أقرانه به:

بدر شاكر السياب ذكريات الشعر والألم

(السياب – ع. الشيخلي)

عبد الوهاب الشيخلي

في نهاية الأربعينيات ومطلع الخمسينيات من القرن العشرين بدأ اسم الشاعر بدر شاكر السياب يتردد في المحافل الأدبية والفنية في بغداد. وشاءت الصدف أن نعمل معا في النهار بمديرية الأموال المستوردة ومساءً في جريدة الشعب ومجلة الأسبوع. وفي عام1957وعلى أثر عودته من لبنان أجريت معه حواراً نشر في مجلة الأسبوع قبل أن يعين سكرتيرًا لها ببضعة شهور جاء فيه: إذا قدر لك أن تلتقي الشاعر بدر شاكر السياب دون أن تعرفه من قبل, فستحسبه كاتباً بسيطاً في إحدى الدوائر, أو معلمًا خاب أمله في الترقية منذ زمن بعيد. جسم نحيل هزيل, بسيط في ملبسه, يسير بصورة مستعجلة متأبطًا كتابه. اكثر قراءاته بالإنجليزية. يكره الزيف والادعاء والعظمة.
وبعد أن التقطت له بعض الصور بالكاميرا التي كنت أحملها معي دائماً لأغراض صحفية سألته عن المهمة التي ذهب من أجلها إلى لبنان والأهداف التي حققها هناك فأجاب: اعتادت مجلة (شعر) اللبنانية تقديم أمسية شعرية مساء كل خميس يحضرها شعراء لبنانيون – وقد شاءت هذه المرة أن يشارك فيها شاعر من العراق فوقع الاختيار علي فذهبت وألقيت شيئًا من أشعاري. وفي تلك الجلسة قررت الجامعة الأمريكية (قسم اللغة العربية) الاعتراف بالشعر الحر و إدخاله في مناهج الدراسة للسنوات المقبلة. وقد استغرق إلقاء الشعر من قبلي ساعة من الزمن إلا أن الجمهور طالب المزيد فألقيت قصيدة أخرى. لكنهم لم يكتفوا بذلك وطلب أحدهم قصيدة (المومس العمياء) ولما أخبرتهم أن هذه القصيدة تستغرق ساعة من الزمن أجابوا جميعًا أنهم مستعدون لذلك! وهنا سألت الشاعر السياب – هل كنت تكتفي بإلقاء القصائد دون شرحها? فأجاب: كنت أشرح لهم الجو العام للقصيدة, وهذه طريقة جديدة لتذوق الشعر الحر وتقريبه إلى أذهان الجماهير. وهل خرج أحدهم برأي جديد خلال تلك الجلسة? – نعم. لقد صرح جورج صيدح الشاعر المهجري الكبير برأي جديد حيث صار يعتقد بوجود شعر جيد بغض النظر عن أسلوبه في التعبير.

الشعراء في مرآته

سألت السياب عن رأيه في بعض الشعراء الذين يزاولون نظم الشعر الحر في لبنان فأجاب قائلاً: هناك يوسف الخال وخليل حاوي والشاعر السوري (أدونيس) – ما النتائج التي توصلت إليها من خلال اشتراكك في تلك الأمسية? لقد ثبت لي أن الشعر العراقي الحر متقدم على الشعر الحر في الوطن العربي من حيث الكمية والجودة. وبعد أن انتهينا من الأسئلة والأجوبة الخاصة بسفره إلى لبنان, سألته عن رأيه بديوان (قرارة الموجة) للشاعرة نازك الملائكة فقال بعد أن أشعل سيجارة جديدة: نازك الملائكة أكبر من ديوانها!! ثم أردف قائلاً: لاحظت أن الشاعرة نازك الملائكة لم تدخل بعض قصائدها التي نشرت في الصحف والمجلات, في ذلك الديوان, مثل: النهر العاشر وشجرة القمر وسواهما. ومع ذلك فأنا أعتقد بأن القارئ لن يفهم بعض القصائد في ديوانها الأخير إلا بعد القراءة الثانية أو الثالثة! وهنا سألته عن أنواع الشعر المتداول في الوطن العربي فقال: هناك شعر تعجب به لأول وهله ويزداد إعجابك به على مر الزمن. وهذا هو أرفع أنواع الشعر وهو نادر الوجود. والنوع الثاني من الشعر هو الذي لا يعجبك للمرة الأولى ولكنك تعجب به عندما تقرأه في المرة الثانية أو الثالثة.. وشعر نازك الملائكة من هذا النوع, وهو الشعر المتوسط الجودة. وأردف قائلاً: وهناك نوع آخر من الشعر الذي يبهرك عند قراءته لأول مرة ثم يفقد بريقه وقيمته بمرور الزمن. وهذا هو الشعر المزوق البراق الفارغ الذي لا معنى له.. وبناء على طلب مني راح يستعرض بعض الشعراء المعروفين فقال عن عبد الوهاب البياتي: بعد أن قرأت ديوانه الأخير (المجد للأطفال والزيتون) وجدته يميل إلى التكرار ويلاحظ أن الكثير من قصائده عبارة عن شعارات سياسية تصلح مقالات افتتاحية للجرائد اليومية. ووجدت في عدد من قصائد الشاعر بلند الحيدري ما أثار في الرغبة لإعادة قراءتها. أما سعدي يوسف فيعجبني منه الطابع الريفي في شعره وأتوقع له الكثير من النجاح. أما الشاعر موسى النقدي فإنني أتوقع له بعد شئ من التوجيه أن يكون في طليعة الشعراء في العراق. وقال السياب عن الشاعر العظيم أحمد شوقي إنه أحيا الديباجة العربية المشرقة. ووضع الشاعر محمد مهدي الجواهري في مرتبة المتنبي وأبي تمام. واتهم بدر شاكر السياب الشاعر كاظم جواد بالهياج والتقليد فما كان من هذا الشاعر إلا الرد عليه بقسوة واتهمه بالعمالة والتذبذب فرد عليه السياب رداً مناسباً ورسمه بأسلوب كاريكاتوري وأجاد في رسمه . وبعد سنوات من رحيل السياب حظي بمكانة مرموقة في ميدان الشعر الحر. ووضعت عنه دراسات وكتب عديدة في كثير من أرجاء الوطن العربي ولكن تلك الدراسات لم تتمكن من الوصول إلى الحقيقة التي تقول إنه كان أول من كتب في الشعر الحر وأنه كان من اكتشافه. وهو شخصياً وفي حديث عن تجربته فشل في إثبات أنه المكتشف الأول للشعر الحر في الوطن العربي. وقد توفي بدر شاكر السياب في المستشفى الأميري بالكويت وكان فقيراً معدماً في سنواته الأخيرة. كما كان فاشلاً في حبه دائماً وأبداً. وفي عام 1958 عين مسئولاً عن مجلة الأسبوع التابعة لجريدة الشعب لصاحبها يحيى قاسم فصار يفحص ما نكتبه أسبوعياً بأسلوب رقيق حتى أنه لم يكن يعطينا أي ملاحظات سواء في اختيار المواضيع الصحفية أو الأسلوب الذي نتبعه في الكتابة.

تجربة السياب الشعرية

كان السياب يحمل كتاباً باللغة الإنجليزية للشاعر (ت. س. اليوت) فقلت له: ما هذا? فقال: هذا الكتاب يعود لشاعر عظيم تعلمنا منه الكثير في مجال الشعر الحر وقد حاول بعض الشعراء العرب تقليده ففشلوا لضعف في اللغة العربية أو الإنجليزية. وهنا طلبت من الشاعر بدر السياب أن يتحدث عن تجربته الشعرية فقال: كان الحافز الأول لكتابة الشعر الحر بعد أن قرأت الشعر في اللغة الإنجليزية فلاحظت تعدد التفعيلات في أبيات الشعر وعدم انقطاع المعاني من بيت لآخر كما هو الحال في القصيدة العربية. فبدأت الكتابة وفق نسق ٍ جديد من التفعيلات مع أجواء وأفكار جديدة تنسجم مع روح العصر. وأضاف السياب قائلاً: وللحقيقة والتاريخ لاحظت أيضا ً أن الموشحات الأندلسية تتسم بطابع خاص تجد في بعضه ملامح الشعر الحر. وفي عام 1940 وفي مجلة الرسالة المصرية قرأت للشاعر خليل شيبوب قصيدة عنوانها (القصر والحديقة المهجورة) وكانت في معانيها وألفاظها وتفعيلاتها قريبة من الشعر الحر. وفي عام 1947 وفي قصيدة (روميو وجولييت) للشاعر علي أحمد باكثير تجد هذا اللون من الشعر بشكل ملحوظ. وكنت قد كتبت في الشعر الحر عام 1946 قصيدة عنوانها (هل كان حبًا) وألقيتها أمام طلاب دار المعلمين العالية ببغداد فلاقت استحسانًا كبيرًا وكان عبد الوهاب البياتي وشاذل طاقة بين الحاضرين أما قصيدة (الكوليرا) للشاعرة نازك الملائكة فكانت أقرب ما تكون إلى الموشح. ولكنها أصدرت عام 1948 ديوان (عاشقة الليل) وفيه عدد لا يستهان به من الشعر الحر مع شرح وتحليل, أما أنا فقد أصدرت ديوان (أساطير) عام 1950 وقد تضمن عددًا من القصائد التي نشرتها في مجلة البيان والعقيدة عام 1948. وأعود فأكرر أنه كان لقراءتي للشعر الإنجليزي الأثر الكبير في التوجه نحو الشعر الحر.
وكان السياب قد بدأ العمل في الصحافة مترجمًا باعتباره يجيد اللغتين الانجليزية والعربية. وقبل غلق مجلة الأسبوع بسنة تقريباً عين سكرتيراً لها. ومن هنا بدأ يكتب القصص القصيرة وكان بعضها يدور حول أشخاص التقى بهم في قرية جيكور أو البصرة. ولم أقرأ حتى يومنا هذا من تناول هذه القصص بالنقد أو الدراسة وفيما إذا كان السياب يمكن أن يكون قصصيًا بمستوى تشيخوف الروسي أو موبا سان الفرنسي. ولا أستطيع الادعاء بأنني أتمكن من تقييم تلك القصص القصيرة. أما شعره فقد انتشر في أنحاء الوطن العربي وأصبح السياب من الأسماء المعروفة وكان النقاد إلى جانبه دائماً.. ومع ذلك فإن أحد العلماء الراحلين وعضو المجامع العلمية في العراق وبعض أقطار الوطن العربي أجاب عن سؤال وجهته له في لقاء إذاعي عن رأيه بالشعر الحر وبدر شاكر السياب فكانت إجابته وهو الشاعر التقليدي المحب للشاعر أحمد شوقي: إن الشعر الحر مؤامرة كبيرة على الشعر العمودي واللغة العربية!

في مجتمع بغداد

لم يكن الشاعر بدر شاكر السياب يشكو من المرض خلال السنوات التي عرفته فيها حتى 1958, ولكنه كان يبدو نحيلاً شاحباً.. ومع ذلك فهو سريع الخطى, وكنت أحس أنه يعاني هشاشة في العظام. وكان للسياب من يشتمه ويقلل من قيمة ما يكتب من شعر.. وربما كان الشاعر كاظم جواد من ألد أعدائه وقد سمعته وهو يسبه ويشتمه مدعياً أنه تسبب في فصله من الوظيفة.
كان السياب من رواد المقاهي البغدادية حيث يجتمع مع بعض الشعراء والأدباء.. وحدث ذات مرة أنه كان يكتب قصيدة جديدة فاقترب منه شاعر مغمور ومد عنقه متطفلاً وأشار عليه أن يستبدل كلمة بأخرى فنظر إليه بدر باستغراب وقام من محله وجلس في مكان بعيد دون أن يفوه بكلمة واحدة!
كان لقصيدة المومس العمياء وهي قصيدة طويلة يستغرق قراءتها ساعة كاملة أثرها العميق في نفوس القراء.. وكنت أعتقد أنها من بنات أفكاره وليس لها وجود إلا في مخيلته إلا أن الصحفي قاسم السماوي وهو من أصدقاء السياب أكد لي أن هذه الشخصية موجودة في بغداد وقد شاهداها معاً وهي التي أوحت له بتلك القصيدة الرائعة والتي طلبها الجمهور اللبناني واضطر السياب إلى قراءتها كما أشرنا في الحوار الذي أجريناه معه.. ويبدو لي من خلال معرفتي بالشاعر بدر أنه يميل إلى الصراحة أحياناً بدليل أنه كان يقول عن الشاعر محمود البريكان وهو من مدينة البصرة أيضاً: إنه شاعر أصيل ومقتدر وكان من الممكن أن يكون شاعراً كبيراً لولا انزواؤه في البيت وعدم مزاولته للشعر إلا في حالات نادرة, وهو خيرٌ منا جمعياً.

*****

حاول بعض الملحنين تلحين بعض قصائد السياب.. وكنت أتمنى لو أن ملحناً كبيراً كالموسيقار محمد عبد الوهاب أو بمستواه الفني قد أخذ بعض تلك القصائد بدلاً من الملحنين والمطربين الذين يفتقرون إلى الموهبة وأبسط قواعد الإبداع, لكان نصيب تلك القصائد مزيداً من الانتشار في جميع أنحاء الوطن العربي. كان السياب, قبل زواجه ينتقل من فشل إلى آخر في ميدان الحب.. وقد تبين له بعد حين أن كل من تعرف عليها كانت تأمل أن تجد نفسها في إحدى قصائده المتداولة بين الناس وخاصة في دار المعلمين العالية وبعض المجالس الأدبية. حتى تمنى أن يكون أحد الدواوين التي نشرها.

لم يكن الشاعر بدر شاكر السياب يعتني بهندامه. ولضيق ذات يده, شكا ذات يوم أمامنا قائلاً: إلى متى نبقى على هذه الحال? ثم اقترح علينا مشروعاً قد يدر علينا بعض المال. وكنا أربعة من المحررين, ولكننا وبعد أقل من شهر نبذنا تلك الفكرة وذلك المشروع لأسباب تتعلق بشخصية الإنسان النزيه الذي ينزع إلى النجاح والعيش بطرق مشروعة.. وقد لاحظت من خلال عملي معه أنه يميل أحياناً إلى الاعتداء على الآخرين والإيقاع بهم. كما أنه لم يكن مستقراً في موقفه السياسي فقد انتقل من اليسار إلى اليمين وأخذ يطعن بزملائه القدامى من الحزبيين على صفحات الصحف اليومية باسمه الصريح وكشف عن أسرارهم الحزبية بأسلوب جعله في موضع نقد كبير من معارفه وأصدقائه.
وكان آخر لقاء لي معه في بغداد في منطقة الأعظمية (ساحة عنتر) وبعد أن تبادلنا التحية نصحني ألا أنتمي لأي حزب من الأحزاب, قال ذلك بلهجة عراقية بغدادية!! واكتفيت بالصمت وعدم الرد عليه.

*****

كنت أتمشى ذات يوم في بغداد (شارع الرشيد) مع الشاعر عبد الوهاب البياتي في الخمسينيات من القرن العشرين. وقرب مقهى البرازيلية التقينا بالشاعر بدر السياب وتبادلنا التحية ثم ذهب السياب مسرعاً وكان كعادته يحمل كتاباً مع بعض الأوراق. وفي اليوم التالي سألني بدر: منذ متى تعرفت على البياتي وهل هو حقاً من المنطقة الشمالية للعراق وليس من بغداد? فأجبته: إني عرفت عبد الوهاب منذ كنا صغاراً في المدرسة الابتدائية وكان صديقاً لأخي الصغير الذي كان يدرس في مدرسة الشيخ رفيع في باب الشيخ, أما أنا فكنت في مدرسة العوينة التي تقع قرب دكان والده في منطقة سراج الدين وكان ينتظرني عند خروجي من المدرسة. وقد لاحظت أن البياتي كان من المولعين بكتابة الشعر منذ عهد الطفولة, فقد أخرج ذات يوم قصاصة من الورق وطلب مني أن أقرأها فإذا هي عبارة عن بيتين من الشعر في الغزل.. ولما كنت أهوى الموسيقى والغناء منذ العاشرة من العمر فقد لحنت ذلك الشعر وغنيته بصوتي ونحن في طريقنا إلى البيت.. كان ذلك حوالي عام 1937 واكتفى السياب عندما سمع ذلك بالقول: كلنا بدأنا في قرض الشعر منذ عهد الطفولة الأولى.

أعتقد أن صحة الشاعر بدر السياب بدأت تتدهور في السنوات الثلاث الأخيرة من حياته القصيرة. تقول بعض المصادر إنه زار بيروت عام1960 وهناك طبع أحد دواوينه الشعرية وزار بعض المجلات الأدبية مثل مجلة الآداب وحوار وشعر.. ولا شك أنه التقى ببعض الأدباء والشعراء في لبنان.. كما أنه لا بد وأنه كان يراجع بعض الأطباء لمعرفة سر مرضه والعلاج الذي قد يساعده على الحياة البائسة التي كان يحياها.. واستمر في كتابة الشعر الذي كان هاجسه الأول آناء الليل وأطراف النهار.
إن الشاعر بدر شاكر السياب المرهف الإحساس مات فقيراً معدماً في المستشفى الأميري في دولة الكويت التي قامت برعايته وأنفقت عليه خلال مدة علاجه.. وعاد جثمانه إلى قرية (جيكور) في البصرة في يوم من أيام الشتاء الباردة الممطرة. وقد شيعه عدد قليل من أهله وأبناء جلدته وبذلك انطفأت شعلة الإبداع.. وسكنت آلامه إلى الأبد.

أسلوب الشاعر:

بدر شاكر السياب – الشاعر الحديث

الشاعر الحديث لو أردت أن أتمثل الشاعر الحديث، لما وجدت أقرب إلى صورته من الصورة التي انطبعت في ذهني للقديس يوحنا، وقد افترست عينيه رؤياه، و هو يبصر الخطايا السبع تطبق على العالم كأنها أخطبوط هائل
و الحق أن اغلب الشعراء العظام كانوا طوال القرون، أنماطا من القديس يوحنا. من دانتي الى شكسبير إلى غوته إلى ت. ي. أليوت و أيديث ستويل

و إذا تذكرنا أن الدين والشعر نشأا توأمين، وأن الدين كان، وما يزال، وسيلة يستعين بها الإنسان لتفسير ظواهر الطبيعة و قواها الغامضة ولاسترضاء هذه القوى المجهولة من جهة، ثم لتنظيم العلاقات بين البشر من جهة أخرى، أدركنا أن تفسير الحياة و تنظيمها، أو تحسينها بالأحرى، ظلا، طوال أجيال عديدة، من أهم أغراض الشعر و أهدافه

وزكما تلاشت الحدود بين الغاية و الوسيلة في الدين، تلاشت هذه الحدود في الشعر أيضا. فنحن نؤمن ونتدين لا سعيا وراء فائدة دنيوي، و نحن نقرأ الشعر لا بحثا عن منفعة مادية، ولكننا نعلم أن للدين غاية نبيلة و كذلك الشعر

وقد حاول الشاعر، المرة تلو المرة، أن يتملص من الواجب الضخم الملقى على كتفيه : تفسير العالم وتغييره. ولكنها محاولات لم يكتب لها ولن يكتب لها أن تنجح أو أن تستمر. فتهاوت مدارس و حركات شعرية بكاملها، غير مخلفة سوى شاعر هنا و شاعر هناك، لعل لهما من القيمة التاريخية أكثر مما لهما من القيمة الفنية

من رأي الشاعر الناقد الإنكليزي الكبير ـ. س. أليوت أن الشاعر العظيم يزعج قارئه، أكثر مما يهج. إن قراء قصيدة عظيمة نوع من أنواع المخاض، من أنواع الميلاد. ولن نولد إلا من خلال الألم. انه ميلاد الروح

إننا نعيش في عالم قاتم ، كأنه الكابوس المرعب. و إذا كان الشعر انعكاسا من الحياة، فلا بد له من أن يكون قاتما مرعبا. لأنه يكشف للروح أذرع الأخطبوط الهائل، من الخطايا السبع، الذي يطبق عليها ويوشك أن يخنقها. ولكن مادامت الحياة مستمرة، فان الأمل في الخلاص باق مع الحياة. أنه الأمل في أن تستيقظ الروح، وهذه ما يحاوله الشعر الحديث

وهناك مظهر مهم من مظاهر الشعر الحديث، هو اللجوء إلى الخرافة و الأسطورة، إلى الرموز . ولم تكن الحاجة إلى الرمز ، إلى الأسطورة أمس مما هي اليوم. فنحن نعيش في عالم لا شعر فيه، أعني أن القيم التي تسوده قيم لا شعرية، و الكلمة العليا فيه للمادة لا للروح. وراحت الأشياء التي كان في وسع الشاعر أن يقولها، أن يحولها إلى جزء من نفسه، تتحطم واحدا واحدا ، أو تنسحب إلى هامش الحياة

إذن فالتعبير المباشر، عن اللاشعر، لن يكون شعرا فماذا يفعل الشاعر إذن عاد إلى الأساطير إلى الخرافات التي ما تزال تحتفظ بحرارتها لأنها ليست جزء من هذا العالم عاد إليها ليستعملها رموزا، وليبني منها عوالم يتحدى بها منطق الذهب و الحديد. كما أنه راح، من جهة أخرى، يخلق له أساطير جديدة، و إن كانت محاولاته في خلق هذا النوع من الأساطير قليلة حتى الآن

غير أن هناك فئة من النقاد و الشعراء، ما تزال ترى أن في الإمكان التعبير عن هذا العصر، تعبيرا مباشرا، وهناك الكثير من القصائد التي عبرت عنه بصورة مباشرة، دون أن تفقد ماهيتها كشعر

و قد تأثر الشاعر العربي بكل هذه التيارات، لأنه فتح نوافذ بيته جميعا، لكل الرياح وفي الوقت الذي فقد فيه التافهون من الشعراء شخصياتهم، و اصبحوا مجرد مقلدين لهذا الاتجاه أو ذاك، نجد نخبة طيبة من الشعراء المحدثين، تدرك أن الاقتباس غير التقليد، و إن العالم كله، لا قيمة له ، إذا ربحناه وخسرنا نفوسنا

وعلى كل حال، فما زلنا في بداية الطريق، ومت زلنا نحاول ونجرب، وقد ننجح في هذه المحاولة وقد لا ننجح ولكننا واثقون من شيء و آخر، أننا سنمهد الطريق لجيل جديد من الشعراء، سيجعل الشعر العربي مقروءا في العالم كله

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.