بإمكان كل واحد أن يقول: إن الأمة الإسلامية قد ابتعدت عن القرآن، وعليها أن تعود إلى كتاب ربها، لتستقيم أمورها.
وعندما سيقول أحدنا هذه الكلمة لن يجد من يرد عليه, أو يستنكر مقالته… إذ إن هذه المقالة أصبحت عند كثير من الناس من المسلّمات.
لكن إطلاق هذه الكلمة بهذا التعميم فيه كثير من المغالطات…
إذ يقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الصحيح الذي أخرجه البخاري وغيره: "لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين" وهذا يستلزم تمسكهم بالوحيين بلا شك…
إشكالنا الآن في محاولة توسيع هذه الدائرة، وتكثير هذا العدد، فبدل أن يكونوا طائفة، نطمح لأن يصبحوا أغلبية، وأول هذه الأغلبية هي أنت وأنا، فالسؤال الذي تستحضره وأنت تقرأ هذه الكلمات هو: هل أنا من هذه الطائفة؟
ولكي تعرف جواب هذا السؤال دعنا نتحدث عن حقيقة التمسك بالقرآن، إذ بضدها تتميز الأشياء.
ما هو التمسك بالقرآن؟
إن القرآن كتاب هداية وإرشاد، هذه حقيقة لا نشك فيها، لكن كيف أمتثل هذه الهداية، وأجعلها روحا تجري في عروقي، ونورا يلوح على وجهي، وأخلاقا تتخلق بها نفسي، وطابعا يطبع روحي ؟
يمكنك أن تلخص هذه العبارة في كلمة واحدة قالتها عائشة الصديقة رضي الله عنها عن زوجها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واصفة خلقه: "كان خلقه القرآن"[1].
لقد اختاره الله بشرا ولم يجعله ملكا لكي نقتدي به ونتأسى، فالقاسم المشترك بيننا أنه بشر مثلنا، يأكل الطعام ويمشي في الأسواق، يحب ويكره، يغضب ويسكن، يضحك ويمازح…
إن عنصر الاقتداء لا يتم لو كان هذا الرسول بخصائص مختلفة عن خصائصنا، ولكان من تكليفنا بما لا يطاق أن يقول لنا الله عز وجل: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (الأحزاب21)، والذي أريد أن أشير إليه في هذه الفقرة أن مسألة الاقتداء بهذا الرسول الكريم ممكنة، وبالتالي فإن الوصول إلى درجة من الرقي الأخلاقي والتزكية النفسية مما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصحابته الكرام، أمر متيسر لمن يسره الله عليه.
ومن الأخطاء الشائعة قول بعض الناس عندما تلزمه ببعض ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصحابته: "أين نحن من رسول الله وصحابته"، وهذه كلمة باطل أريد بها باطل.
إذا تقرر هذا, فإن القرآن هو مصدر هذا الرقي وهذه التزكية كما قال الله تعالى {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا} (الشورى:52).
إن المتأمل في هذه الآية يلاحظ أنها وصفت القرآن بأنه روح، والروح هي مصدر الحياة، ومعروف أن الروح الحقيقية التي يحيى بها البدن ليست هي المذكورة في هذه الآية، فما هي إذاً هذه الروح التي أوحاها الله إلى رسوله ؟!
لقد بين لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في إشارة واضحة طبيعة هذه الروح، حين قال: "إِنَّ الَّذِي لَيْسَ فِي جَوْفِهِ شَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ كَالْبَيْتِ الْخَرِبِ"[2]
وقال في حديث آخر: "مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لا يَذْكُرُ رَبَّهُ مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ"[3]
فهذه الحياة هي الحياة الحقيقية التي يحيى بها القلب وتتم بها السعادة، وهي التي قال عنها الله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً}النحل97, فكما أن حياة البدن لا تكون بدون روح، فحياة القلب لا تكون بدون روح أيضا, وروحها القرآن، وبهذا يظهر معنى قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا}…
قال الزمخشري في تفسيره لهذه الآية: (يريد: ما أوحي إليه, لأن الخلق يحيون به في دينهم كما يحيى الجسد بالروح)[4].
ولكي نحقق في أنفسنا التمسك بالقرآن لا بد لنا من أمور:
أولا: الإكثار من تلاوة القرآن وسماعه:
إن مادة التأثير في القرآن تكمن في التواصل الذي يحدث بينك وبين القرآن، وبما أن القرآن كلام، فلا طريق له إلى القلب إلا من طريق القراءة أو الاستماع.
إذاً فكلّما كانت القراءة والاستماع أكثر، كان الاتصال أكثر، وكان التأثير أكثر.
هذا أمر لا بد منه للتأثر بالقرآن، إلا أن هذا التأثير تختلف درجته حسب كثرة الاتصال وحسب جودته إن صح التعبير، فقد يتواصل الإنسان مع القرآن ويكثر من قراءته لكن يكون تأثّره أقل من غيره، وذلك راجع لأمور متعلقة بالقارئ ومدى إدراكه للغة القرآن من جهة، ومدى تدبره للقرآن، وأيضا مدى صفاء قلبه واستعداده من جهة أخرى.
لذا نجد الله أمرنا بقراءة القرآن وتلاوته في مواضع كثيرة من كتابه كقوله تعالى: {إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ * وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ} النمل91، وقوله: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ} (البقرة121) وأمرنا بالاستماع له وحسن الإنصات فقال تعالى: {وَإِذَا قُرِىءَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (الأعراف 204)؛ وأمرنا بتدبره وتعقل معانيه، فقال: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ}ص29؛ وكل هذه مراحل تضمن التأثر بنور القرآن، ووصول بركته ونوره إلى القلب، ويبقى مدى تأثر القلب بعد وصول النور إليه، مرتبطا بدرجة نقائه واستعداده، والله يهدي من يشاء.
ثانيا: حفظ ما تيسّر من القرآن:
فعَنْ أَبِى الأَحْوَصِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابن مسعود قَالَ: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ مَأْدُبَةُ اللَّهِ فَخُذُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ, فَإِنِّى لاَ أَعْلَمُ شَيْئاً أَصْفَرَ مِنْ خَيْرٍ مِنْ بَيْتٍ لَيْسَ فِيهِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ شَىْءٌ, وَإِنَّ الْقَلْبَ الَّذِى لَيْسَ فِيهِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ شَىْءٌ خَرِبٌ كَخَرَابِ الْبَيْتِ الَّذِى لاَ سَاكِنَ لَهُ[5].
وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من استظهر القرآن, وأحل حلاله وحرم حرامه أدخله الله الجنة وشفع فيه"[6]
وعن عقبة بن عامر قال: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في الصفة فقال: "أيّكم يحبّ أن يغدو كل يوم إلى بطحان أو إلى العقيق فيأتي منه بناقتين كوماوين في غير إثم ولا قطع رحم" فقلنا يا رسول الله نحب ذلك، قال: "أفلا يغدو أحدكم إلى المسجد فيعلم أو يقرأ آيتين من كتاب الله عز وجل خير له من ناقتين، وثلاث خير له من ثلاث، وأربع خير له من أربع، ومن أعدادهن من الإبل".
ثالثا: فهمه وتدبر معانيه:
إن الفهم نتيجة التدبر ونتيجة التدبر التذكر، وإن من نعم الله علينا أن يسر القرآن للذكر، قال تعالى: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} (القمر 17)، إذاً فإن كل ما علينا لكي يحصل لنا التذكر أن نتذكر، إذ إن معنى {فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} هو الأمر بالتذكر والتدبر.
لو فتح كل إنسان يفهم اللغة العربية القرآن، لفهم منه أغلبه واستطاع بلغة بسيطة، أن يفهم المقصد الأساسي والمعنى الإجمالي الذي تدل عليه الآية، ولحصل له من العلم ما يكفي لكي يتعبد الله عز وجل بتلك الآية التي قرأ.
وهذه قضية مهمة جداً، وهي أنّ فهم القرآن ميسّر لكل الناس، بشرط أن يُعمِلوا فكرهم ويتدبروا معانيه، إلا أن هنا قيداً ضروريا لا بد من ذكره حتى يتسق الكلام في هذه المسألة, وهو أن القرآن مراتب: أخرج ابن جرير, وابن المنذر, عن ابن عباس قال: "تفسير القرآن على أربعة وجوه: تفسير يعلمه العلماء, وتفسير لا يعذر الناس بجهالته من حلال, أو حرام, وتفسير تعرفه العرب بلغتها, وتفسير لا يعلم تأويله إلا الله, من ادعى علمه, فهو كذاب"[7].
وأغلب القرآن هو من الصنف الأول الذي لا يعذر الناس بجهله، وكونهم لا يعذرون لأنه واضح جلي سهل ميسر, اختار الله لبيانه أفصح اللغات، وكلف بإلقائه أعذب الناس فصاحة، وحفظه حرفا ومعنىً؛ ولو كان الأمر على غير هذا، لما صح تكليفهم العمل بشيء لا يفهموه، ولما قامت عليهم الحجة البالغة.
ولست أريد أن أطيل في هذه القضية، لكني أعطيك دليلا عمليا تمارسه ليظهر لك أن كلام الله واضح وسهل؛ افتح الآن المصحف على أي صفحة، واقرأ بتدبر، ستجد أنك تفهم المعنى العام للآية، وتتأثر بالخطاب، وتدرك المقصد العام؛ أما استنباط المعاني وأوجه البلاغة والإعجاز وغيرها مما هو من اختصاص العلماء، فلست مطالبا به، ولست مطالبا بسوى ما أمرتك الآية به من تقوى الله أو إقامة الصلاة أو إيتاء الزكاة أو البر أو الصلة أو الاعتبار بمثال أو الاتعاظ بقصة…
إن المسلم إذا حدد لنفسه ورداً من القرآن يقرأه مياومة، ثم ألزم نفسه بحفظ ما تيسر من كلام الله, وقام بواجب التدبر فيما يقرؤه، يكون قد حقق قدراً من التمسك بالقرآن، يمكن أن يكون به قائما بما يجب عليه تجاه هذه الرسالة العظيمة، وهذا النور الخالد، ويكون قد ضمن بحول الله وتوفيقه وعونه، أن الله يحفظه ويهديه، ويريه الحق حقا والباطل باطلاً.
إن الرجوع إلى القرآن, هو السبيل الوحيد، لينجوَ الإنسان من هذه الأمواج المتلاطمة، والأحزاب المتضاربة، كل يدعو إلى مذهبه، وينتصر لطائفته، وكل يزعم أنه على الحق، في زمن تفرقت فيه الكلمة واختلطت على الناس الأمور، فلا نجاة إلا بالتمسك بهذا الحبل الذي طرفه بأيدينا وطرفه بيد الله عز وجل.
بوضع الفتن التي لايشك احد في مصدرهااااااااااا وحنااا تلقين شبابنااا ملهيتهم الدنياااا
[COLOR="Blue"]ولكن تبقى أمة محمد خير أمة خرجت للناس تامر بالمعروف وتنهى عن المنكر[/
COLOR]
وهذا الشي الوحيد اللي يطمنا ان لابد يوم يظهر الاسلام بقوته كما عهدناه
مشكوره qz2 على هذا الموضووووووووع الطيب
تقبلي مروووووووووووووووري
وينعاد عليكم بالخير والصحة والسعادة
جزاكى الله خيرا حبيبتى
موضوع جدا رائع