تخطى إلى المحتوى

|♥| في نقد الأُسس النظرية لبيداغوجيا الإدماج |♥| 2024.

  • بواسطة

جاء تبني بيداغوجيا الإدماج فيسياق دولي لا حديث فيه سوى عن الرأسمال والموارد، في ظل أزمة متنامية على المستوىالعالمي، وهذا يبدو جليا من خلال الميولات الاقتصاديةفي أدبيات هذه البيداغوجيا: حاجيات، موارد، تأهيل، إدماج، تنمية، رسملة… وما إلى ذلك. وقد جاءت، كما يرىأصحابها في ما يعرف بمكتب هندسة التربية والتكوين (Le BIEF)، تحديدا، كجواب علىالإقصاء الذي يعاني منه العديد من الأطفال البالغين سن التمدرس من ولوج التعليمالإلزامي إلى حدود 15 سنة، أي ما يوازي الابتدائي والإعدادي، مما قد يعتبر نقطةمضيئة تحسب لهذه البيداغوجيا.

كما هو معروف، يتحدث باسم هذا المكتب الدوليناشطون تربويون ومستثمرون في هذا المجال، أبرزهم كزافيي روجيرز، باعتباره مختصا فيتقديم خدمات في مجال التربية والتكوين وتدبير المشاريع للعديد من الدول، بموجبالتعاقدات المبرمة مع المكتب المشار إليه مثل: بلجيكا، سويسرا، لبنان… وللإشارة،فقد استفاد هذا الخبير، بشكل ملفت في الآونة الأخيرة، من تطويره لما راكمه زميلهجان ماري دوكيتيل في نفس المجال. ويعتبر المغرب من بين الدول التي اعتمدت منهجيةروجيرز، في إطار توطين بيداغوجيا الإدماج ضمن النظام التعليمي، وتحديدا في السلكينالابتدائي والإعدادي منه. باختصار شديد، تطلبت هذه العملية الاستعانة بـ10 خبراءدوليين من المكتب كُلِّفوا بتأطير وإعداد 35 خبيرا وطنيا في إطار مهام المركزالوطني للتجديد البيداغوجي والتجريب، (CNIPE بغية دمج هذه البيداغوجيا في السلكينالمذكورين، مع ما يعنيه كل ذلك من تمويل ونفقات.
أشرنا إلى أن هذه البيداغوجياتستهدف، تحديدا، تنمية الكفايات الأساسية المرتبطة بالتعليم الإلزامي، لذا يحق لناأن نتساءل عن جدوى هذا التوجه في الوقت الذي حققت دول أخرى إنجازات هائلة بتبنيهامقاربات ومشاريع أكثر إدماجا ومدى وتطورا منها، على سبيل المثال، التربية مدىالحياة (EAV) والتربية للجميع (EPT) . كما أن التركيز على توطين واستنبات (Implantation) هذه البيداغوجيا، بهذا الشكل وبهذا السقف، تحديدا، في دول جنوبالمتوسط، كتونس، الجزائر والمغرب وبعض دول إفريقيا (جيبوتي، غينيا بيساو…) يرسلالكثير من الإشارات المرتبطة بمفهوم السبق والتفوق التربوي والحضاري.
لقدوَجَّهت الدول الأوربية المجاورة لنا اهتمامها إلى تطوير تملك المتعلمين للكفاياتالمفاتيح (Les compétences clés)، فمثلا بالنسبة إلى التحكم في اللغات داخلالاتحاد، نشير إلى أن الإطار الأوربي المشترَك هو بمثابة مرجعية لتدريساللغات(CECRL) ، والذي يعتبر مؤشرا على وجود سياسة لغوية واضحة ضمن الرهاناتالسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتنافسية التي يسعى الاتحاد إلىتحقيقها. كما نجد في نفس الوقت أن كل بلد أوربي يتوفر على إطار مرجع خاص بالكفايات (Référentiel des compétences) المنشودة داخل كل دولة ضمن الاتحاد، حيث يتم التركيزعلى استعمال العقل وتعلم التعلم والتعرف على الذات وإبداء الرأي والاهتمام بالتعددالثقافي والبعد الهوياتي والتعاطي مع المفاهيم العلمية والتكنولوجيات الحديثةوتطبيق المفاهيم العلمية في الإبداع والاختراع… بينما ما نزال في الدول الناميةنبحث عن سبل اكتساب الكفايات الأساسية (Les compétences de ) في القراءةوالكتابة والحساب، وهي كفايات سبق أن أبانت المدرسة الوطنية، بالرغم منتقليدانيتها، على علو كعبها في القدرة على تحقيقها. وفقا لهذا التوجه الجديد فيأوربا، سنلاحظ أن التركيز على هذه الكفايات، بالتحديد، سيجعل من هذه البيداغوجياوسيلة لإقصاء المتفوقين من المتعلمين الذين هم في أمس الحاجة إلى كفايات أخرى أكثرتطورا.
وحتى إنْ كان الأمر يتعلق بالكفايات الأساسية، فإننا نلاحظ أن هذهالبيداغوجيا في حديثها عن الموارد(Ressources) انزلقت في تنظيراتها إلى مسلَّمةمفادها كون تلكالموارد، خارجية كانت أو داخلية، متوفرة لدى المتعلم، وبالتالي،فهي تحصيل حاصل وما عليه إلا تعبئتها وتجنيدها في سياقات ووضعيات مختلفة، بمساعدةالمُدرَّس أو أي طرف آخر. وإذا كان جميع المتعلمين، بالنظر إلى الفوارق الموجودةأصلا، ليسوا متملكين للموارد الداخلية، من استعدادات ومبادئ أولية للتعلم والتعلمالذاتي وقدرات ومهارات وما إلى ذلك، فكيف يمكن أن نطالبهم، بالنظر إلى الأوضاعالاجتماعية والاقتصادية لمعظم أسرهم، بتوفير الموارد الخارجية التكميلية والمساعدةعلى التعلم، كما يطلق عليها ستيفن سيسي؟ وهي عوامل مرتبطة ببيئة التعلملكنهامسؤولة، بدرجات متفاوتة، عن رفع القدرات التعلمية لدى المتمدرسين، وتتجلى في توفيربيئة ملائمة للدراسة داخل المنزل، مثل تخصيص غرفة خاصة للطفل ومكتبة ورواق مطالعة،دون أن نغفل الوسائل الحديثة للتعلم، والتي تدعو هذه البيداغوجيا إلى توظيفها: التكنولوجيات الحديثة للإعلام والاتصال (TICE) ، المعاجم الحديثة والموسوعاتوالبرامج الديداكتيكية المرقْمنة والمعدة خصيصا للتعلم الذاتي (Les logiciels didactiques) ومختلف الوسائط والمعينات الديداكتيكية الأخرى، بالإضافة إلى توفر قدركافٍ من التعلم للآباء والأمهات يسمح لهم بمساعدة أبنائهم في الدراسة.
الآن،يبقى أن نتساءل هل كل هذه العوامل متوفرة، ولو في الحد الأدنى لدى جميع الأُسرالمغربية وبنفس الوتيرة في كل المؤسسات التعليمية؟ نتساءل، أيضا، إذا كانت المواردالخارجية مسؤولة عن رفع التعلمات، في ظل حرمان الكثيرين منها، ألن نكون مرة أخرىأمام مدرسة منافية لتكافؤ الفرص ومنافية للحق في التربية للجميع؟ بعبارة أخرى، ألننكون أمام مدرسة قائمة على أساس إعادة الإنتاج وتأبيد نفس المواقع الاجتماعيةالسائدة، كما نبهنا إلى ذلك بورديو وباسرون وغيرهما من الدارسين وعلماء الاجتماع؟

م/ن
خليجية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.