الفكرة : هي سلسلة قصص يحكيها عدد من السجناء المحكوم عليهم بالإعدام ,، وسأقوم بتنزيل قصة كلما سنحت لي الفرصة أبتداء من القصة الأولى حتى الأخيرة .
مقدمة : هم مجموعة سجناء "قتلة" يقبعون في زنزانة واحدة حكم عليهم بالإعدام شنقا لأرتكابهم جرائم تقشعر من وحشيتها الأبدان , محتجزين في تلك الزنزانة ينتظرون ألتقاط أنفاسهم الأخيرة ولحظة موتهم التي نطق بها قاضي المحكمة بحقهم . ولشدة وحشيتهم وقسوتهم تقبلوا ذلك الحكم بصدر رحب وكأنهم يسخرون من القاضي ومن الموت معه , واعتبروها شهادة يكافئون عليها من المجتمع على ما اقترفت ايديهم .
ورغم ذلك ألا أن الملل تسلل بداخلهم لطول أنتظار فترة موعد تنفيذ الحكم بحقهم فهم بشرٌ اولا وأخيرا مهما كانت قلوبهم بعيدة عن الأنسانية ولا تمت لها باية صلة . فأقترحوا أن يقول كل واحدا فيهم قصة أثرت عليه في حياته ولو بشكلً ما "وهذا ما قد يبدو بعيدا عن طبيعتهم" التي تشبه الحيوانات في تصرفاتهم , وكان شرطهم الأساسي أن تكون تلك القصة غير الجريمة التي سجنوا بسببها وكأنهم يريدون بذلك معرفة من الأكثر عنفوان وصلافة بينهم .
راحوا يحكون قصصهم أو أحداثا مرة بهم وما أكثرها ,، فالبعض منهم قال حكاية حزينة أبكت القتلة رغم قسوتهم وبعضهم أخبر حكاية كانت لغزً بالنسبة لهم وآخرين تنوعت حكاياتهم بين القدر وسخريته والسيرالية وغموضها والأنتقام وما يفعله والفقر وحاجته .
يتبع ….
(شيئاً لم أره من قبل)
حيث بدأ "السجين عمر" حكايته وقال …
أتعرفون بأن الفتية الصغار في السن حين يكون لديهم شقيق كبير "ذو سوابق ومعتاد على السجون ويفتعل المشاكل ويتعاطى المخدرات" فهم يفتخرون بذلك ويتباهون به أمام رفاقهم لا أعلم ما السر في ذلك ؟ ولكن كان لدي شقيق هكذا , فقبل سنين طويلة ولكي أكون دقيقا أكثر حين كان يبلغ من العمر 11 سنة .. دائما ما كان ينتظرني وينتظر لحظة عودتي إلى المنزل لأنني لم أكن أعيش معهم بل كنت قليلا جدا ما أزورهم , وكان يفرح بشدة لحظة رؤيتي ولا يفارقني أبدا يأتي ويتحدث إلي ويمزح معي ويرجوني أن أظل معه في المنزل كان يعتبرني قدوة له في كل شيء ويضرب بي المثل في الشجاعة والجرأة وتحدي القانون . ولا أخفيكم ! لقد كنت أحبه كثيرا فهو الوحيد من عائلتي الذي أحسسته قريبا مني ومشاعره صادقة معي ولأنني لا أتكلم مع والدي وأيضا والدتي كانت مريضة ولا تغادر فراشها , فكان هو كل العائلة بالنسبة إلي .
توقف عمر للحظات بدا كأنه يفكر في شيئا مــا , دقائق ثم أكمل حكايته …
لكن ذات يوم عدت إلى المنزل وكنت في حالة غضب شديدة لأنني تشاجرت مع أحدهم وحين دخلت غرفتي وجدت شقيقي "يعبث في بضاعة المخدرات التي خبأتها تحت السرير"! فلم أتمالك نفسي وقمت بضربه ضربا مبرحا لو أنني ضربت أعتى الرجال هكذا لركع على ركبتيه وتوسل إلي شفقة ورحمة , صببت جام غضبي عليه حتى أكتفيت من ذلك وتوقفت .
– قاطعه سجين وسأله : ماذا جرى لشقيقك ؟ هل توفي ؟ هل سقط مغشيا عليه ؟
– قال عمر : حدث أمرا غريب ؟ أغرب أمر عشته ؟ شيئا لن تصدقه ؟
– قال السجين : هيا يا رجل أخبرنا ما الذي جرى ؟
ظل عمر في صمت لبرهة من الوقت مما جعل القتلة يزداد فضولهم , وقال بعدها : حين أبتعدت عنه .. قام وتوقف بهدوء شديد ولم يبدو عليه أي تأثر ولم يظهر أية مشاعر , فلم يتألم أو يصرخ أو يبكي , ولم تذرف له دمعه أو ترمش له عين .. "فقط ظل يرمقني بتلك النظرة" ؟
– سأله سجين : أية نظرة ؟
كان عمر منغمسا في تلك الذكرى وكأنه يشاهدها تحدث أمامه مرة أخرى ويرى نظرات شقيقه التي قلبت كيانه ذات لحظة , أكمل بعدها قصته وقال بصوتا خافت محير كحيرة نظرات شقيقه :
– في الحقيقة لا أعرف كيف أصفها ؟
– شيئا لم أره من قبل ؟
– شيئا أخافني لأول مرة ؟
لقد قضيت جل عمري بين القتلة والسفاحين وسفاكي الدماء والحثالة وقطاعي الطرق وكان الجميع يهابني ويرتعش من ذكر أسمي , لأنهم يعرفون بأن قلبي كزبر الحديد يذيب ولا يذاب لا أخشى أحد , ولكن لا أخفيكم حين "رمقني شقيقي بتلك النظرة" أنتابني خوفا لم أحسه من قبل أرتعدت منه كل فرائسي , خوفا أقشعر منه بدني .. حتى أنني "ظننته قاتلي" .
غادرت المنزل بعدها ولم أره من حينها فلم أمتلك الشجاعة للعودة مرة أخرى , ظللت اعيش الأوهام والحيرة والغموض كل يوم .. لا أعرف ما سر تلك النظرة وما سببها وما تفسيرها ؟ تلك النظرة اللعينة رأيتها مرة ولم أعرف ما ورائها ؟ أرقتني في نومي وجعلتني أحلم بالكوابيس كل ليلة .
سكت عمر قليلا ونظر إلى السجناء وقال لهم : لو سألتموني هل لديك أمنية قبل الموت ؟ لقلت لكم : بأنني سأذهب وأقف على منصة الأعدام ولكنني سأختنق بتلك النظرة ولغزها وقسوتها قبل أن أختنق بالمشنقة ؟
أنتظروا قصة سجين آخر …