في البداية تروي "خديجة" قصتها مع "الخرس الزوجي" قائلة: عجزت عن فصل زوجي عن حياة العزوبية السابقة؛ فهو منطلق مع أصحابه، ويرتاح لهم جداً، وعندما يعود للمنزل يجد جواً آخر غير الذي اعتاده طوال عمره.. يجد زوجة لها طريقة أخرى في التفكير والكلام، ولها اهتمامات أخرى غير اهتمامات أصحابه، ويجد بيتاً له احترام وزوجة لها ثقافة أخرى، فيلجأ إلى الصمت؛ لأنه لا يجيد التعامل مع هذه الأجواء ولم يعتدها.
من جانبها تقول "أم سامية": أعاني كثيراً من صمت زوجي؛ فنحن لا نكاد نتحدث أبداً سوى كلمات قليلة أو مجرد سؤال ورد جوابه فقط! فأنا لاحظت عليه الهدوء منذ أيام زواجنا الأولى، لكن هذا الهدوء تحوّل إلى صمت شيئاً فشيئاً مع مرور الوقت، فكنت أتمنى أن أنجب طفلاً يخرجني من الهامش الذي وضعني فيه صمت زوجي.
الأطفال ضحية
"أم جمال" علاقتها مع "الصمت الزوجي" تعود إلى سنوات بعيدة، حيث تقول: أعيش من خمس عشرة سنة مع زوجي في صمت رهيب؛ فلغة الحوار تعطلت منذ بداية حملي بطفلي الأول، حاولت النقاش معه بأساليب كثيرة عن هذا الوضع، لكن بدون فائدة،فلا هو يعلم السبب، ولا أنا أستطيع إيجاد حل! والآن إن كنت أريد شيئاً أجعل أحد الأبناء يخبره به، ونفس الحال معه أيضاً؛ فأبناؤنا هم اللغة المشتركة بيننا.
أما "أم ميسم" فتروي قصتها قائلة: الصمت هو سيد المنزل، وأكثر ما أخشاه هو تأثر أبني الوحيد بذلك، فهو على الرغم من عمره الصغير؛ إلاّ أنه بأشد الحاجة لأمه وأبيه وليس لأمه فقط، ولذا أعتقد أنه يشعر بفقدان لغة التواصل بيننا، فمن الطبيعي أن الأبناء يحتاجون إلى تماسك الأبوين مع بعضهما البعض؛ فكل منهما يكمّل الآخر، أما في حالة الصمت هذه فإن الطفل يحس بالضياع بين أبويه على الرغم من صغر سنه.
خجل ومشاحنات
في الجبهة المقابلة، فإن بعض الأزواج يلقي بمسؤولية غياب الحوار والتواصل داخل المنزل على الزوجة، حيث يقول "أحمد": حقيقة هي السبب؛ لأنها تخجل مني ولا تبادر بالكلام أو الملاطفة، ومع استمرار هذا الوضع الذي عجزت أن أغيره تعوّدت على الصمت في المنزل".
ويضيف: الأمر المزعج أن الزوجات يتهمننا بالصمت وهن أيضاً مثلنا، حيث أراها تتحدث مع إخوانها وأقربائها بكل أريحية وانطلاق؛ حتى إني لا أصدق أن زوجتي الصامتة هي التي أمامي، وعند خروجهم من المنزل تعود إلى صمتها".
أما بالنسبة لـ" سعد" فإن "الصمت الزوجي" يبدو أمراً طبيعياً بسبب طبيعة الزيجات التقليدية، التي لا يسبقها أي تعارف بين الزوجين، ويضيف: "هناك الكثير ممن لا يرى زوجته إلاّ ليلة الزفاف، فتبدأ علاقتهم كغريبين حُكم عليهما بالعيش سوية، ومنهم من يتحرّر من هذا القيد، وينجح في التواصل مع الطرف الآخر، ومن تستمر معه هذه الوحشة والغربة الذاتية، ومع مرور الوقت تستحكم عليهما فيعيشان غريبين وهما زوجان، ومن هنا لا وجود للغة ولا حضور للكلام، بل الصمت ولا غيره".
ومن زاوية أخرى، يوضح "شاهر" أن: المشاحنات الدائمة، خاصة إذا كانت الزوجة سليطة اللسان تؤدي بالزوج الذي يريد المحافظة على أسرته من التشتت إلى تجنب الاحتكاك بالزوجة وتجاهلها ليريح ويستريح. إضافة إلى أن هناك أزواجاً لا يوجد بينهما اهتمامات مشتركة، بل ربما يوجد هوة ثقافية كبيرة بينهما، مما يؤدي إلى تقطع التواصل إلاّ في حدود ضيقة جداً".
الداء والدواء
وفي محاولة لتشخيص الظاهرة ومعرفة أسبابها وكيفية علاجها، يشير الدكتور عبد الله الصبيح -اختصاصي علم النفس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية- إلى أن صمت الأزواج يُعدّ ظاهرة في بعض المنازل، سواء من الزوج أو الزوجة، وهذا مؤشر على اضطراب العلاقة".
ويضيف: "قد تكون الزوجة هي السبب بفشلها في الوصول إلى قلب زوجها، وأحيانا تبدأ هذه الظاهرة في الظهور بعد مرور عدة سنوات على الزواج، كما قد يكون هناك ضعف في القضايا المشتركة فيما بينهم، أو عدم الالتفات إليها كقضايا الأولاد والمنزل والمستقبل، ما يجعل هذا الجانب يضمر بين الزوجين.
ويوضح د. الصبيح أن الصمت لا يعني أن الزوجين لا يحبان بعضهما، ولكنهما لم يستطيعا التفاهم بشكل جيد، مما يجعل الحياة مملة، وربما يتكيفان مع الصمت، وتستمر الحياة بينهما هكذا، لافتاً إلى أن هذا الصمت يؤثر على الأطفال سلبياً؛ لأن اللغة وانتقال القيم والتنشئة الاجتماعية والتعليم تُكتسب من خلال الحديث.
ويقترح د. الصبيح عدداً من الحلول، من بينها سفر الزوجين أو الخروج للتنزه كنوع من التجديد، كذلك إثارة بعض القضايا الثقافية، أو القضايا التي تهم الزوجة كاللباس والطبخ، إضافة إلى تنويع الحديث وتجديد العلاقة بمثيرات جديدة، مما قد يثري الحديث بينهما، ويكسر حاجز الصمت".
وينتهي د. عبد الله الصبيح إلى أن اللوم في هذا الصمت الزوجي لا يقع على الزوج أو الزوجة بمفردها؛ فالقضية مشتركة بين الاثنين، وينبغي أن يكون هناك حديث مشترك، وتكون هناك شورى بينهم في جميع أمورهم حتى في موضوع الخروج من المنزل، وإن كان لابد من لوم؛ فأنا أوجهه للزوج لكونه ولي الأمر وصاحب المنزل والمسؤول الأول في الأسرة، وإن كان في تصوري أن الاثنين مشتركان في هذه القضية.