تخطى إلى المحتوى

أعظم ما ينفع به المسلم أخاه المسلم 2024.

أعظم ما ينفع به المسلم أخاه المسلم

إن نبينا محمدًا -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (إن الله فرض فرائض فلا تضيِّعوها، وحدَّ حدودًا فلا تعتدوها، وحرم أشياءً فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياءٍ رحمةً لكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها)[1].

وإن مما فرض الله على عباده الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لما في ذلك من المصالح العامة والخاصة الدينية والدنيوية، ولما في ذلك من دفع الشرور والمفاسد ودفع العقوبات والنوازل التي تنزل بسبب الذنوب، قال الله –تعالى-: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران: 104]، وقال تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ} [آل عمران: 110]، وقال تبارك وتعالى في وصف المؤمنين: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 71].

والمعروف معناه: كل ما أمر به الإسلام وجوبًا أو استحبابًا، ولا يأمر القرآن أو السنة إلا بما فيه الخير المحقق في الدارين، ولا يأمر الله إلا بما جعله سببًا لدخول جنات النعيم وسببًا لخيري الدنيا والآخرة، والمنكر معناه: كل ما نهى عنه الإسلام تحريمًا أو كراهة، ولا ينهى الإسلام إلا عن كل شرٍّ محققٍ في الدنيا والآخرة، ولا ينهى إلا عما يكون من أسباب دخول النار ومن أسباب فساد الدنيا،عن حذيفة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (والذي نفسي بيده لتأمُرُنَّ بالمعروف ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عذابًا من عنده، ثم تدعونه فلا يستجيب لكم)[2]، وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (من رأى منكم منكرًا؛ فليغيره بيده، فإن لم يستطع؛ فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان)[3]، وروي أن الرجل يتعلق بالرجل يوم القيامة فيقول له: إليك عني فإني لن أظلمك في عرض ولا مال فيقول: كنت تراني على منكر ولا تنهاني، وقال بعض أهل العلم: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ركن من أركان الإسلام، ولابد لمن أمر بالمعروف أن يتحقق أنه معروف أمر به الشرع، وأن يتحقق أن المنكر الذي نهى عنه نهى عنه الشرع؛ ليكون متبعًا للدليل على بصيرة، ويجب أن يكون الآمر أو الناهي ذا حكمة بطبعه أو بالتعلم، وأن يفقه ما يأمر به أو ينهى عنه؛ لينزل الأدلة على مدلولاتها ويسترشد بقول الله وقول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- في جميع الأمور وتقلب أحوالها، قال الله -تبارك وتعالى-: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [النحل: 125].

والتغيير باليد هو للسلطان أو نائبه، والإنكار باللسان بالحكمة والترغيب لكل من يعلم حكم الله في المنكر، والإنكار بالقلب لكل أحد، وكلٌّ من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مقترنان معًا،لا ينفك بعضهما عن بعض، فمن أحب المعروف ولم ينكر المنكر؛ فقد فرَّط في واجب، وارتكب محرمًا وقصر تقصيرًا يؤاخذ به، ومن أمر بمعروف ولم ينه عن منكر؛ فقد ترك واجبًا، ومن نهى عن منكر ولم يحبَّ المعروف؛ فقد خالف هدي محمد -صلّى الله عليه وسلّم- فلا بد من الحب في الله والبغض في الله، وذلك أوثق عرى الإيمان.

والصبر واجبٌ على الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر؛ لأنّه سيتعرض للأذى بسبب أهواء النّاس كما هي سنة الله -تبارك وتعالى- بذلك، قال الله -تعالى- عن العبد الصالح لقمان، ذكر الله وصيته فقال عنه: {يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ * وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} [لقمان: 17 -18].

وثواب الله -تبارك وتعالى- للآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر عاجلٌ في الدنيا ومؤجلٌ في الآخرة، وفي الآخرة أعظم؛ ففي الدنيا يصلح الله للعبد أحواله كلها، قال -تبارك وتعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ} [الأحزاب: 70 – 71].

وفتنة الرجل في أهله وفي ولده تكفرها الصلاة والصيام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وينجي الله -تعالى- الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر من العقوبات على الذنوب مع ما له من الثواب العظيم، قال الله -تعالى-: {فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ} [هود: 116]، وقال -تبارك وتعالى-: {فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ} [الأعراف: 165].

ووعد الله من أمر بخيرٍ وحذَّر من شر وعده الله جنات النعيم والنجاة من العذاب الأليم، فقال -تبارك وتعالى-: {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} [التوبة: 112].

أعظم نعمة على العبد أن يمنَّ عليه بقلب سليم، يعرف المعروف ويحبه ويأمر به ويحب أهله ويعرف المنكر ويبغضه ولا يقع معهم في محرم.

لقد تفشى الجهل بقلة المعرفة بالأعمال الصالحات والجهل بالمنكرات، وأعظم ما ينفع به المسلم أخاه المسلم أن يدلَّه على هدى، أو يحذِّره من ردى ومحرم، والمؤمنون ناصحون بررة يحبون الخير لإخوانهم المسلمين، كما في الحديث: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)[4]، وعن جرير -رضي الله عنه- قال: "بايعت الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- على النصح لكل مسلم"، والمنافق غاشٌّ منَّاعٌ للخير، قال الله -تعالى-: {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُواْ اللّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [التوبة: 67].

فتحابوا بينكم وتآخوا بإخوة الإسلام، وتناصحوا بالرفق والمودة والاحتساب، علِّموا الجاهل أمور دينه، علموه التوحيد وأنواع الشرك بالله -تعالى- وأحكام الصلاة ومسائل أركان الإسلام، عن علي -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (لأن يهدي الله بك رجلًا واحدًا خيرٌ لك من حمر النَّعم)، ذكِّروا الغافل عن الله -تعالى- ليعمل للآخرة ولا يغتر بالدنيا، خوِّفوا المتمرد على الله الجريء على المعاصي بأن بطش الله شديد، رغِّبوا الكسول عن الخيرات بالجد والاجتهاد في الطاعات، أيقِظوا الهمم الضعيفة بالقرآن والسنة ليزداد الإيمان في القلوب.

فاذكروا نعمة الله عليكم بظهور شعائر الدين التي ارتضاها الله -عزّ وجل-، واذكروا ما منّ الله به عليكم من الأمن والإيمان والاستقرار؛ فاشكروا الله على نعمه، داوموا على طاعة الله، ومُرُوا بالمعروف، وانهوا عن المنكر؛ لتستديموا ما أنعم الله به -تبارك وتعالى- عليكم، لا تجعلوا لله عليكم سلطانًا بارتكاب الذنوب وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فإن الله -تبارك وتعالى- يحب من عباده الاستقامة ويحب من عباده الشكر على طاعته، قال -تبارك وتعالى-: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم: 7].

للشيخ: عبد الرحمن الحذيفي –حفظه الله

جزاكى الله كل خير

خليجية[/IMG]

خليجية
خليجية
خليجية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.