تتوالى نفحات الله تعالى ورحماته على جميع المؤمنين، فمنذ حوالي الشهرين كان رمضان، وها هي الأيام الفضيلة تهل علينا: أيام العشر من ذي الحجة. إن رمضان شهر وحيد في العام، وعرفة أيضا هو يوم وحيد في العام، فهل من مُغتنم؟ وهل من مشمر؟، وهل من داعي؟؛ حيث يتوجب على الحاج أن يتلمس الأسباب التي يرجو بها العتق والمغفرة، وأن يحرص على أن يعود كما ولدته أمه.
حكم الوقوف بعرفة
إن الوقوف بعرفة هو أحد الأركان الأربعة للحج، قال تعالى: {…فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ الّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ…} (البقرة: من الآية 198).
ومن أدلة السنة قوله صلى الله عليه وسلم: (الحج عرفة). (أخرجه أبو داود في كتاب المناسك، 2/468). ويسن إذا وصل الحاج لعرفة استحباب النزول بنمرة إن تيسر ذلك لفعل النبي صلى الله عليه وسلم (مسلم 2/889)، وإن لم يتمكن في أي مكان من عرفة لقوله صلى الله عليه وسلم: (… وعرفة كلها موقف وارتفعوا عن بطن عرنة). (صحيح ابن ماجة 1/172، صحيح أبو داود 1/165، وأصله في مسلم1/893، وأحمد 4/82).
فضل يوم عرفة
– إن يوم عرفة هو يوم إتمام الدين الحنيف، في الحديث، جاء رجل من اليهود إلى عمر بن الخطاب، فقال: يا أمير المؤمنين إنكم تقرأون آية في كتابكم لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدا، قال: وأي آية؟، قال: قوله: {…الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا…} (المائدة: من الآية 3)، فقال عمر: والله إني لأعلم اليوم الذي نزلت على رسول الله، والساعة التي نزلت فيها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، عشية عرفة في يوم جمعة. رواه أحمد، والبخاري بلفظه.
– إن يوم عرفة أحد الأيام العشرة المفضلة على غيرها من أيام العام، قال صلى الله عليه وسلم: (ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام) – يعني أيام العشر -، قالوا: يا رسول الله: ولا الجهاد في سبيل الله، قال: (ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله ولم يرجع من ذلك بشيء). (رواه البخاري والترمذي ومسلم وابن ماجه).
– إن يوم عرفة من الأيام العظيمة عند الله حيث أقسم بهن: {وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ * وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ} (الفجر: 1-3)، فالعشر عشر الأضحى، والوتر يوم عرفة، والشفع يوم النحر، كما قال صلى الله عليه وسلم ( كتاب فضائل الأوقات للبيهق حديث 170)، وقال ابن عباس رضي الله عنهما إنها عشر ذي الحجة، قال ابن كثير: وهو الصحيح.
– إن يوم عرفة يوم مغفرة من الذنوب والتجاوز عنها وكثرة العتق من النار، قال صلى الله عليه وسلم: (ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة وإنه ليدنو، ثم يباهي الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء). (صحيح مسلم).
– يُستحب لغير الحاج صيام يوم عرفة ويشرع لأهل الموقف الإفطار، فهم في ضيافة الرحمن عز وجل، وقد ثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان مفطرا في يوم عرفة، قال صلى الله عليه وسلم: (صيام يوم عرفة إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي بعده والسنة التي قبله) (صحيح مسلم).
– إن يوم عرفه هو يوم العيد لأهل الموقف، قال صلى الله عليه وسلم: (يوم عرفة ويوم النحر وأيام منى عيدنا أهل الإسلام). (رواه أبو داود وصحه الألباني).
– مباهاة الله بأهل عرفة أهل السماء، قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله يباهي بأهل عرفات أهل السماء). (رواه أحمد وصح إسناده).
إن أفضال هذا اليوم متعددة أكتفي بما ذكرته.
آداب ومستحبات يوم عرفة
– يجب على الحاج أن يحفظ جوارحه عن المحرمات: فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان الفضل بن عباس رديف النبي صلى الله عليه وسلم من عرفة، فجعل الفتى يلاحظ النساء وينظر لهن، وجعل النبي يصرف وجهه من خلفه، وجعل الفتى يلاحظ إليهن، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (ابن أخي إن هذا يوم من ملك فيه سمعه وبصره ولسانه غُفر له). (مسند الإمام أحمد).
– ينبغي الإكثار من التهليل والتسبيح والتكبير في هذا اليوم: فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (كنا مع الرسول صلى الله عليه وسلم في غداة عرفة فمنا المُكبر ومنا المُهل). (رواه مسلم).
وقال صلى الله عليه وسلم: (خير الدعاء دعاء عرفة). (رواه الترمذي).
– الاستعانة بالله وإظهار الافتقار والإخلاص له سبحانه وتعالى في ذلك اليوم وتلك الساعات والدقائق والحظات الثمينة.
– الإكثار من الدعاء بالمغفرة والعتق: وليجتهد المضطرون وأصحاب الهموم وأصحاب الحاجات وحاملي الذنوب، فإنه يُرجى قبول الدعاء في هذا اليوم، قال صلى الله عليه وسلم: (خير الدعاء دعاء عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير). (رواه الترمذي وحسنه الألباني).
– حسن الظن بالله والثقة في استجابته والطمع في رحمته: قال بن المبارك: "جئت إلى سفيان الثوري عشية عرفة وهو جاسم على ركبتيه وعيناه تذرفان، قلت له: من أسوأ هذا الجمع حالا؟ قال: الذي يظن أن الله لا يغفر له"، وقال صلى الله عليه وسلم: (لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بربه). (صحيح مسلم).
– الانكسار والشعور بالضعف والاستكانة، واستحضار الخشوع والبكاء رجاء مغفرته.
كان بكر بن عبد الله بن مذري ينظر للناس يوم عرفة بين خاشعٍ وباكٍ وداعٍ وشاكٍ، فقال: "لا إله إلا الله لولا لو إني فيهم لقلت: غفر الله لهم"، وقال مُطرف بن عبدالله: "اللهم لا ترد أهل الموقف من أجلي".
– جدد نيتك وطهر قلبك ونفسك، ولا تحسن الظن بنفسك، وأحسن الظن بخالقك، قال ابن القيم رحمه الله: "من أحسن الظن بنفسه، فهو من أجهل الناس بنفسه".
– كن بين الخوف والرجاء، رُويَّ أن زين العابدين علي بن الحسين رضي الله عنهما لما أحرم واستوى على راحلته، اصفر لونه وارتعدت فرائصه، ولم يستطع أن يُلبي، فقيل له: ما لك لا تلبي؟ قال: "أخشى أن يُقال لي لا لبيك ولا سعديك" فلما لبى غُشي عليه.
– لا تضيع تلك الساعات المعدودة الكثيرة الخير، وألح في الدعاء، فقد وعد الله سبحانه وتعالى بالإجابة في ذلك اليوم، وكل لحظة: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ…} (البقرة: من الآية 186). قال أحد الصالحين: "والله ما دعوت في يوم عرفة دعوة، فدار عليَّ العام إلا وجاءت مثل فلق الصبح".
– الحرص على عدم التدافع والهدوء والسكينة والرفق بكبار السن والصغار.
– عدم الغيبة والتكلم بفضول الكلام فمن ملك فيه سمعه وبصره ولسانه غفر له، قال صلى الله عليه وسلم: (من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه). (البخاري ومسلم).
يوم عرفة لغير الحاج
إن هذا الموسم الفضيل يشترك فيه كافة المسلمين، فمن لم يُكتب له الحج، أو عجز لسبب ما، أو سبق له الحج، فلينكب على الأعمال الصالحة في تلك الأيام، ولُيكثر من العبادات في الأيام العشر، وأهمها الصوم وخاصة يوم عرفة، فمن سعة رحمة الله تعالى أن جعل صيام يوم واحد سببا لمغفرة الذنوب، والحرص على أعمال البر والخير من الصدقات، وصلة الأرحام، والدعاء، وزيارة الأقارب والأصدقاء، وترك التباغض، وتطهير القلب من كل ما يشوبه من حسد وكراهية وغل، والعطف على المساكين والفقراء واليتامى، والاستغفار، وإدخال السرور والبهجة على أفراد الأسرة خاصة الأطفال ليحبون اليوم ويعرفون قيمته، والتكبير وهو للحاج وغير الحاج، يشرع التكبير في فجر يوم عرفة إلى عصر آخر أيام التشريق وهو الثالث عشر من ذي الحجة {وَاذْكُرُواْ الّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ…} (البقرة: من الآية 203).
أيها الحاج.. إن وقوفك اليوم بعرفات يُذكرك بوقوفك بين يدي الله يوم الحشر، تساءل: هل تُقبل مع الأبرار؟ وأنت في لبس الإحرام تذكر حالك في كفن الموت فغدا لا ينفعك سوى عملك ورجائك وتقواك، تذكر {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ}(عبس: 34-36)، تذكر يوم يُنادى باسمك بين الخلائق، تذكر يوم تتطاير الصحف!
أشجان وحنين
أيها الأخوة بعرفات لا تنسون القلوب والأرواح التي تحن لموقفكم في تلك الحظات، لا تنسون أشجانهم وحنينهم وشوقهم الجارف، في كتاب "أنوار الحج في أسرار الحج": "خرجت أم أيمن امرأة الشيخ أبي على اليزرابي من مصر وقت خروج الحاج إلى الصحراء وترى الجمال تتجه إلى مكة وتقطع نفسها وتقول: واضعفاه واعجزاه واحسرتاه، ثم تقول: يا حسرة من انقطع عن البيت فكيف تكون حسرة من انقطع عن رب البيت؟".
فيا من أخلص النية لله وتمنى الحج بكل جوارحه ولم يتيسر لك لسبب ما، أو حبسك حابس، أعلم أن الأجر قد وقع على الله إنشاء الله وإنما الأعمال بالنيات، ولا تنس قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئٍ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله وَرَسُولهِ فهجرته إلى الله ورسُولِهِ، ومن كانت هجرته لدنيا يُصيِبُها أو امرأةٍ ينكحُهَا فَهِجرَتُهُ إلى ما هاجر إليه). (رواه البخاري ومسلم في الصحيحين).
فها هي الأكف تُرفع، والعيون تدمع، ولا تنسوا في الحظات الأخيرة – لحظات ما قبل الغروب وانقضاء خير الأيام – أحبائكم وجميع المسلمين من دعائكم، وابشروا بفضل الله تعالى ورحمته: (حج مبرور ليس له جزاء إلا الجنة).
اللهم وبحنانيتك، وبعطفك، وفيض جودك تقبل منا جميعا صالح الأعمال، وأهدنا لأحسن الأخلاق، واصرف عنا سيئها، فلا يُصرف سيئها إلا أنت، اللهم وفقنا لما تحب وترضى، واجعلنا ممن عمل في تلك الأيام عملا صالحا خالصا لوجهك الكريم. اللهم آمين.
حكم الوقوف بعرفة
إن الوقوف بعرفة هو أحد الأركان الأربعة للحج، قال تعالى: {…فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ الّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ…} (البقرة: من الآية 198).
ومن أدلة السنة قوله صلى الله عليه وسلم: (الحج عرفة). (أخرجه أبو داود في كتاب المناسك، 2/468). ويسن إذا وصل الحاج لعرفة استحباب النزول بنمرة إن تيسر ذلك لفعل النبي صلى الله عليه وسلم (مسلم 2/889)، وإن لم يتمكن في أي مكان من عرفة لقوله صلى الله عليه وسلم: (… وعرفة كلها موقف وارتفعوا عن بطن عرنة). (صحيح ابن ماجة 1/172، صحيح أبو داود 1/165، وأصله في مسلم1/893، وأحمد 4/82).
فضل يوم عرفة
– إن يوم عرفة هو يوم إتمام الدين الحنيف، في الحديث، جاء رجل من اليهود إلى عمر بن الخطاب، فقال: يا أمير المؤمنين إنكم تقرأون آية في كتابكم لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدا، قال: وأي آية؟، قال: قوله: {…الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا…} (المائدة: من الآية 3)، فقال عمر: والله إني لأعلم اليوم الذي نزلت على رسول الله، والساعة التي نزلت فيها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، عشية عرفة في يوم جمعة. رواه أحمد، والبخاري بلفظه.
– إن يوم عرفة أحد الأيام العشرة المفضلة على غيرها من أيام العام، قال صلى الله عليه وسلم: (ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام) – يعني أيام العشر -، قالوا: يا رسول الله: ولا الجهاد في سبيل الله، قال: (ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله ولم يرجع من ذلك بشيء). (رواه البخاري والترمذي ومسلم وابن ماجه).
– إن يوم عرفة من الأيام العظيمة عند الله حيث أقسم بهن: {وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ * وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ} (الفجر: 1-3)، فالعشر عشر الأضحى، والوتر يوم عرفة، والشفع يوم النحر، كما قال صلى الله عليه وسلم ( كتاب فضائل الأوقات للبيهق حديث 170)، وقال ابن عباس رضي الله عنهما إنها عشر ذي الحجة، قال ابن كثير: وهو الصحيح.
– إن يوم عرفة يوم مغفرة من الذنوب والتجاوز عنها وكثرة العتق من النار، قال صلى الله عليه وسلم: (ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة وإنه ليدنو، ثم يباهي الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء). (صحيح مسلم).
– يُستحب لغير الحاج صيام يوم عرفة ويشرع لأهل الموقف الإفطار، فهم في ضيافة الرحمن عز وجل، وقد ثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان مفطرا في يوم عرفة، قال صلى الله عليه وسلم: (صيام يوم عرفة إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي بعده والسنة التي قبله) (صحيح مسلم).
– إن يوم عرفه هو يوم العيد لأهل الموقف، قال صلى الله عليه وسلم: (يوم عرفة ويوم النحر وأيام منى عيدنا أهل الإسلام). (رواه أبو داود وصحه الألباني).
– مباهاة الله بأهل عرفة أهل السماء، قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله يباهي بأهل عرفات أهل السماء). (رواه أحمد وصح إسناده).
إن أفضال هذا اليوم متعددة أكتفي بما ذكرته.
آداب ومستحبات يوم عرفة
– يجب على الحاج أن يحفظ جوارحه عن المحرمات: فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان الفضل بن عباس رديف النبي صلى الله عليه وسلم من عرفة، فجعل الفتى يلاحظ النساء وينظر لهن، وجعل النبي يصرف وجهه من خلفه، وجعل الفتى يلاحظ إليهن، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (ابن أخي إن هذا يوم من ملك فيه سمعه وبصره ولسانه غُفر له). (مسند الإمام أحمد).
– ينبغي الإكثار من التهليل والتسبيح والتكبير في هذا اليوم: فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (كنا مع الرسول صلى الله عليه وسلم في غداة عرفة فمنا المُكبر ومنا المُهل). (رواه مسلم).
وقال صلى الله عليه وسلم: (خير الدعاء دعاء عرفة). (رواه الترمذي).
– الاستعانة بالله وإظهار الافتقار والإخلاص له سبحانه وتعالى في ذلك اليوم وتلك الساعات والدقائق والحظات الثمينة.
– الإكثار من الدعاء بالمغفرة والعتق: وليجتهد المضطرون وأصحاب الهموم وأصحاب الحاجات وحاملي الذنوب، فإنه يُرجى قبول الدعاء في هذا اليوم، قال صلى الله عليه وسلم: (خير الدعاء دعاء عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير). (رواه الترمذي وحسنه الألباني).
– حسن الظن بالله والثقة في استجابته والطمع في رحمته: قال بن المبارك: "جئت إلى سفيان الثوري عشية عرفة وهو جاسم على ركبتيه وعيناه تذرفان، قلت له: من أسوأ هذا الجمع حالا؟ قال: الذي يظن أن الله لا يغفر له"، وقال صلى الله عليه وسلم: (لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بربه). (صحيح مسلم).
– الانكسار والشعور بالضعف والاستكانة، واستحضار الخشوع والبكاء رجاء مغفرته.
كان بكر بن عبد الله بن مذري ينظر للناس يوم عرفة بين خاشعٍ وباكٍ وداعٍ وشاكٍ، فقال: "لا إله إلا الله لولا لو إني فيهم لقلت: غفر الله لهم"، وقال مُطرف بن عبدالله: "اللهم لا ترد أهل الموقف من أجلي".
– جدد نيتك وطهر قلبك ونفسك، ولا تحسن الظن بنفسك، وأحسن الظن بخالقك، قال ابن القيم رحمه الله: "من أحسن الظن بنفسه، فهو من أجهل الناس بنفسه".
– كن بين الخوف والرجاء، رُويَّ أن زين العابدين علي بن الحسين رضي الله عنهما لما أحرم واستوى على راحلته، اصفر لونه وارتعدت فرائصه، ولم يستطع أن يُلبي، فقيل له: ما لك لا تلبي؟ قال: "أخشى أن يُقال لي لا لبيك ولا سعديك" فلما لبى غُشي عليه.
– لا تضيع تلك الساعات المعدودة الكثيرة الخير، وألح في الدعاء، فقد وعد الله سبحانه وتعالى بالإجابة في ذلك اليوم، وكل لحظة: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ…} (البقرة: من الآية 186). قال أحد الصالحين: "والله ما دعوت في يوم عرفة دعوة، فدار عليَّ العام إلا وجاءت مثل فلق الصبح".
– الحرص على عدم التدافع والهدوء والسكينة والرفق بكبار السن والصغار.
– عدم الغيبة والتكلم بفضول الكلام فمن ملك فيه سمعه وبصره ولسانه غفر له، قال صلى الله عليه وسلم: (من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه). (البخاري ومسلم).
يوم عرفة لغير الحاج
إن هذا الموسم الفضيل يشترك فيه كافة المسلمين، فمن لم يُكتب له الحج، أو عجز لسبب ما، أو سبق له الحج، فلينكب على الأعمال الصالحة في تلك الأيام، ولُيكثر من العبادات في الأيام العشر، وأهمها الصوم وخاصة يوم عرفة، فمن سعة رحمة الله تعالى أن جعل صيام يوم واحد سببا لمغفرة الذنوب، والحرص على أعمال البر والخير من الصدقات، وصلة الأرحام، والدعاء، وزيارة الأقارب والأصدقاء، وترك التباغض، وتطهير القلب من كل ما يشوبه من حسد وكراهية وغل، والعطف على المساكين والفقراء واليتامى، والاستغفار، وإدخال السرور والبهجة على أفراد الأسرة خاصة الأطفال ليحبون اليوم ويعرفون قيمته، والتكبير وهو للحاج وغير الحاج، يشرع التكبير في فجر يوم عرفة إلى عصر آخر أيام التشريق وهو الثالث عشر من ذي الحجة {وَاذْكُرُواْ الّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ…} (البقرة: من الآية 203).
أيها الحاج.. إن وقوفك اليوم بعرفات يُذكرك بوقوفك بين يدي الله يوم الحشر، تساءل: هل تُقبل مع الأبرار؟ وأنت في لبس الإحرام تذكر حالك في كفن الموت فغدا لا ينفعك سوى عملك ورجائك وتقواك، تذكر {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ}(عبس: 34-36)، تذكر يوم يُنادى باسمك بين الخلائق، تذكر يوم تتطاير الصحف!
أشجان وحنين
أيها الأخوة بعرفات لا تنسون القلوب والأرواح التي تحن لموقفكم في تلك الحظات، لا تنسون أشجانهم وحنينهم وشوقهم الجارف، في كتاب "أنوار الحج في أسرار الحج": "خرجت أم أيمن امرأة الشيخ أبي على اليزرابي من مصر وقت خروج الحاج إلى الصحراء وترى الجمال تتجه إلى مكة وتقطع نفسها وتقول: واضعفاه واعجزاه واحسرتاه، ثم تقول: يا حسرة من انقطع عن البيت فكيف تكون حسرة من انقطع عن رب البيت؟".
فيا من أخلص النية لله وتمنى الحج بكل جوارحه ولم يتيسر لك لسبب ما، أو حبسك حابس، أعلم أن الأجر قد وقع على الله إنشاء الله وإنما الأعمال بالنيات، ولا تنس قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئٍ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله وَرَسُولهِ فهجرته إلى الله ورسُولِهِ، ومن كانت هجرته لدنيا يُصيِبُها أو امرأةٍ ينكحُهَا فَهِجرَتُهُ إلى ما هاجر إليه). (رواه البخاري ومسلم في الصحيحين).
فها هي الأكف تُرفع، والعيون تدمع، ولا تنسوا في الحظات الأخيرة – لحظات ما قبل الغروب وانقضاء خير الأيام – أحبائكم وجميع المسلمين من دعائكم، وابشروا بفضل الله تعالى ورحمته: (حج مبرور ليس له جزاء إلا الجنة).
اللهم وبحنانيتك، وبعطفك، وفيض جودك تقبل منا جميعا صالح الأعمال، وأهدنا لأحسن الأخلاق، واصرف عنا سيئها، فلا يُصرف سيئها إلا أنت، اللهم وفقنا لما تحب وترضى، واجعلنا ممن عمل في تلك الأيام عملا صالحا خالصا لوجهك الكريم. اللهم آمين.