ينبغي القول، من الآن، إن حالات كشف نسب مرتفعة من الكوليسترول السيئ (أي النوع المسمى «LDL»، مختصر «Low Density Lipoprotein» ما يعني «ليپوپروتينات منخفضة الكثافة») تظل نادرة جداً، على العموم، لدى الأطفال الصغار جداً. لكنها تزداد عند الأولاد في نهاية مرحلة الطفولة، وبداية المراهقة. وطبعاً، تتزايد الحالات مع التقدم في السن. فتغير العادات الغذائية، السائد منذ عقود، والإكثار من تناول أغذية غنية بالشحوم والدهون الثلاثية (ما يسمى «تريغليسيرايد»)، عوامل مسؤولة عن تزايد نسب حالات السمنة المفرطة لدى الأطفال. وهذه مرتبطة بشكل وثيق بنسب الكوليسترول في الدم، التي يلاحظ أنها، في كثير من الحالات، تتناسب طردياً مع الوزن.
على الرغم من ذلك، ليس بالضرورة أن يكون الطفل، وحتى البالغ، بديناً لكي تظهر لديه حالة ارتفاع الكوليسترول في الدم. إذ أظهرت دراسات أن بعض الأولاد (وأيضاً بعض البالغين) يعانون ارتفاعاً في نسبة ال«LDL» من دون سمنة مفرطة أو وزن زائد. فكيف يمكن مواجهة حالات ارتفاع الكوليسترول عند الأولاد، سواء أكانت مصحوبة بوزن زائد أم لا؟
العامل الوراثي
في حال ارتفاع نسبة الكوليسترول السيئ بصورة طفيفة (من 131 إلى 159 ملليغرام كوليسترول في ليتر من الدم)، لا يجيز الأطباء أي دواء، إنما ينصحون بالاكتفاء بحمية غذائية بسيطة، تتيح خفض الكوليسترول السيئ. وفي الأحوال كلها، قبل المراهقة، لا يوصف سوى دواء «كوليسترامين Colestyramine»، بتسمياته المختلفة (المتباينة من بلد إلى آخر)، كوسيلة علاجية لخفض نسبة الكوليسترول السيئ. لكن، حال تعدي الصبي أو الصبية تلك المرحلة، يعمد الأطباء عادة إلى علاجهم بالطرق التقليدية نفسها المعتمدة لمعالجة الراشدين. وعلى العموم، حتى ذلك الدواء غير محبذ سوى عند تخطي نسبة الكوليسترول السيئ 160 ملليغراماً في كل ليتر من الدم.
أما في حالات ارتفاع الكوليسترول العالية جداً عند الأولاد، أي تلك التي تربو فيها نسبة الكوليسترول السيئ على 190 ملليغراماً في ليتر من الدم، فينبغي البحث عن المسببات في عوامل وراثية وجينية. إذ أثبت دراسات عديدة أن المعطيات المتعلقة بالكوليسترول، ونِسَبه في الدم، لها علاقة وطيدة بالوراثة. إذ ليس منطقياً، لدى طفل ما، أن تصل نسب الكوليسترول السيئ مثل تلك الحدود، حتى مع وجود عادات غذائية غير سليمة. ولاحظ المتخصصون أن تداعيات العوامل الوراثية تختلف باختلاف حالتين: عندما يكون أحد الوالدين فقط مصاباً (ما يدعى «heterozygous» بالإنجليزية، و«hétérozygote» بالفرنسية)، وعندما يكونان كلاهما مصابَين (أو «homozygous» و«homozygote»).
وفي الحالة الأولى، أي عندما يكون أحد الوالدين فقط مصاباً، يعمد الأطباء إلى معالجة الطفل بطرق تقليدية، تنصب على فرض حمية غذائية، مع احتمال تعزيزها، إن تطلب الأمر، بإعطاء بعض الأدوية الخافضة للكوليستر. أما في الحالة الأخرى، أي عندما يكون الوالدان كلاهما مصابَين، فلا تنفع الطرق التقليدية، إذ يتوجب الجوء إلى أحد حلين: إما عملية زرع كبد، وإما عمليات تنقية الدم بشكل دوري، لتخليصه من الكوليسترول السيئ. وهذه العمليات، المسماة «LDL Apheresis»، مكلفة ومضنية. وفي بعض الحالات، لا تغطيها مؤسسات الضمان الصحي (إن وجدت). لكنها، في غياب الحصول على كبد مناسبة لزرعها للطفل، تظل ضرورية لتفادي تفاقم حالة الأخير، وتردي وضعه إلى أمراض قلب في سن مبكرة للغاية. في أي حال، لحسن الحظ، ثبت إحصائياً أن حالات إصابة الوالدين كليهما نادرة للغاية.
مسؤولية ال«فاست فود»
على صعيد آخر، بما أن تزايد حالات ارتفاع الكوليسترول السيئ مشفوع بتزايد حالات الوزن الزائد والسمنة المفرطة، عمدت مؤسسات صحية عديدة، في أوروبا والولايات المتحدة، إلى دراسة العلاقة بين الأمرين. في فرنسا، مثلاً، أظهرت الإحصاءات أن نسبة عدد الأطفال والأولاد المصابين بالسمنة المفرطة، أو الوزن الزائد، ارتفعت من 11 في المئة في 1990، إلى 16 في المئة عام 2024، إلى 18.5 في المئة في 2024. ويعزو المتخصصون هذا الارتفاع المطرد إلى تبني العادات الغذائية الآتية من الجانب الآخر من المحيط الأطلسي (الإكثار من تناول وجبات مطاعم ال«فاست فود»، ومشروبات ال«كولا»، وأغذية أخرى غنية بالسعرات والسكريات، مثل أنواع البوظة الثقيلة، والبطاطا المقلية، مع إهمال الخضار والفواكه والأغذية الصحية الأخرى، في الوقت نفسه). وتشير تلك الدراسات إلى أن معدل أعمار أولئك الأطفال المصابين بالسمنة المفرطة، أو الوزن الزائد، سيقل بما مجموعه 13 إلى 18 سنة عن معدل أعمار أقرانهم ذوي البنية الطبيعية. كما أظهرت تلك الإحصاءات أن تزايد حالات ارتفاع الكوليسترول السيئ متناسبة طردياً، بشكل عام، مع تزايد نسب السمنة والوزن الزائد عند الأطفال والأولاد.
لكن، في المقابل، في الولايات المتحدة، أجرت مؤسسة «بوغال يو إس إيه» دراسة عن أمراض القلب والشرايين عند الأطفال. وأظهرت الدراسة أن موضوع التناسب الطردي بين الجانبين (نعني السمنة المفرطة، من جهة، ونسبة الكوليسترول السيئ، من جهة أخرى) ليست بتلك البساطة. إذ ظهر أن ذلك التناسب ملحوظ جداً عند الفتيات الصغيرات أكثر مما هو عليه عند الأولاد. فالدراسة قامت على متابعة عينة من الأطفال من الجنسين، في سن 5 و6 سنوات، كانوا كلهم في شروط وزن اعتيادية عند بدء الدراسة، أي لا يعانون ارتفاعاً في الوزن قياساً لأعمارهم. وتمت متابعتهم لمدة 6 سنوات، أي لحين بلوغهم سن 11 و12، مع تسجيل نسب الكوليسترول و«مؤشر الكتلة البدنية» (وهو مقياس يأخذ في الاعتبار عاملي الطول والوزن).
هكذا، لاحظ الباحثون في نهاية الدراسة، أي حين بلغ الأطفال سن 11 أو 12، أن 46 في المئة من الفتيات الصغيرات المصابات بالسمنة المفرطة، أو الوزن الزائد، يعانين أيضاً ارتفاع نسبة الكوليسترول السيئ، مقابل 22 في المئة من الأولاد فقط. هذا يعني أن حالة التناسب الطردي (بين السمنة ونسبة الكوليسترول) تتجلى أكثر عند البنات مما هي عليه عند الأولاد. كما استنتج الباحثون أيضاً أن العلاقة بين السمنة والكوليسترول ليست مثبتة بالضرورة، بعبارة أخرى يمكن أن يعاني طفل ما حالة وزن زائد، أو حتى بدانة، من دون أن ينعكس ذلك على معدلات الكوليسترول السيئ. وعلى العكس، يمكن أن يعاني طفل آخر نسبة كوليسترول مرتفعة، على الرغم من أنه في وزن طبيعي بالقياس إلى سنه وطوله. فآلية تكوين الأجسام الشحمية والدهنية في الجسد آلية معقدة، وتخضع لعوامل هورمونية كثيرة، ومتشعبة، ولا تتوقف فقط على مجرد كميات الشحوم الآتية من التغذية. لكن، ثبت بما لا يقبل الشك أن الوزن الزائد يسهم في إخلال التوازن الطبيعي، الذي لا غنى عنه، لمجمل عمليات تكوين الأجسام الدهنية في الجسد.
قياس كوليسترول الطفل ولو مرة
والاستنتاج الآخر: ليس جزافاً أن يعمد الوالدان، ولو مرة، إلى طلب إجراء فحص الدم لطفلهما، مثلاً أثناء مرحلة 10 سنوات إلى 12 سنة، للتأكد من سلامته في هذا الشأن، حتى إن كان وزنه سليماً وطبيعياً جداً. فالوقاية من أمراض القلب والشرايين يمكن أن تبدأ في سن مبكرة. وعند الأطفال، مثلما عند البالغين، تشمل تلك الوقاية المحورين نفسيهما: محاربة الوزن الزائد والكوليسترول السيئ الزائد معاً، وبصورة متزامنة. وفي هذا الإطار، عمدت السلطات الصحية في كثير من البلدان إلى توعية الأطباء أنفسهم، وتوزيع كراسات مجانية، وأدوات لقياس «مؤشر الكتلة البدنية» عند الأطفال، وحضتهم على إبداء اهتمام أكبر بهذا الجانب، المهمل نوعاً ما على أساس أن الأولاد «غير مشمولين» بتلك المصائب الصحية، في حين تثبت الدراسات أنها بدأت تطالهم أكثر وأكثر.