أقَضَّ ذكرُ النارِ مضاجعَ الصالحين ، كيفَ لا وقد كان قدوتُهم وإمامُهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يتعوذ بالله من النار ؛ ففي الحديث الصحيح الذي رواه عدي بن حاتم رضي الله عنه : { أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر النار فأشاح بوجهه فتعوذ منها ثم ذكر النار فأشاح بوجهه فتعوذ منها ثم قال اتقوا النار ولو بشقِّ تمرةٍ فمَنْ لم يجدْ فبكلمةٍ طيبةٍ } .
وإن من المشاهد العظيمة المهولة التي أقضت مضاجع الصالحين مشهد المرور على الصراط الذي ورد في الآيات التالية من سورة مريم ؛ قال تعالى : {فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيّاً (68) ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيّاً (69) ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيّاً (70) وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً (71) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً (72) }.
ومما فسر به العلماء قوله تعالى : { وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا } أن ذلك هو المرور على الصراط يوم القيامة ، فالمؤمنون يمرون عليه ويسلَمون إلى الجنة، وبعض العصاة يسقط وبعض العصاة ينجو، والكفار لا يستطيعون المرور عليه بل يُساقون إلى النار.
إذاً فلنتنبه أيها الإخوة ولنحذر المعاصي والإصرار عليها فإنها هي التي تُسقط الناس من على الصراط ، وإن الكفار يُساقون إلى النار وإنما يمر على الصراطِ المؤمنون ؛ قال الشيخ ابن باز رحمه الله [فكل الناس الذين دخلوا في الإسلام يمرون على هذا الصراط، فالمؤمن السليم ينجو، وبعض العصاة ينجو، وبعض العصاة يخدش وينجو ] فكلما كان الإنسان حريصاً على تجنب المعاصي والذنوب كلما كان ذلك خيراً له وأعونَ على عبور الصراط ، نسأل الله أن يغفر لنا وللمسلمين وأن يوفقنا جميعاً لتوبةٍ نصوحٍ .
وكما هو دأب الصالحين في خوفهم من النار كان سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله فعندما سُئل رحمه الله عن تفسير قول الله تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا } لم يتمالك نفسه رحمه الله إذ تصوَّر ذلك الموقف العظيم فكان يدعو [اللهم سلِّم سلِّم ] يتمثل دعوة الأنبياء عليهم السلام في ذلك الموقف [اللهم سلِّم سلِّم ].
وأترككم الآن مع رابط إجابة الشيخ ابن باز رحمه الله من موقعه و سماعها بصوته رحمه الله أكثر تأثيراً من قراءتها ، نفعني الله وإياكم بما نقرأ ونسمع ، وأسأله سبحانه أن يحبب إلينا الإيمان وأن يكرِّه إلينا الفسوق والعصيان و أن يجعلنا ممن يخافون ربهم ويتقونه ويجتنبون المعاصي صغيرها وكبيرها .
اللهم وفقنا لتوبةٍ مما مضى و إحسانٍ فيما بقي ، وثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة.