السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قَالَ شَيْخُ الإِسْلاَمِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللهُ :
مَنْ لَزِمَ مَا يُرْضِي اللهَ مِنَ امْتِثَالِ أَوَامِرِهِ وَاجْتِنَابِ نَوَاهِيهِ
لاَ سِيَّمَا إِذَا قَامَ بِوَاجِبِهَا وَمُسْتَحَبِّهَا فَإِنَّ اللهَ يَرْضَى عَنْهُ،
كَمَا أَنَّ مَنْ لَزِمَ مَحْبُوبَاتِ الحَقِّ أَحَبَّهُ اللهُ.
كَمَا قَالَ فِي الحَدِيثِ الصَّحِيحِ الَّذِي فِي البُخَارِيِّ:
(( مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ بَارَزَنِي بِالْمُحَارَبَةِ،وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِمِثْلِ
أَدَاءِ مَا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَلاَ يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ … ))
الحَدِيثَ .
وَذَلِكَ أَنَّ الرِّضَا نَوْعَانِ:
أَحَدُهُمَا: الرِّضَا بِفِعْلِ مَا أُمِرَ بِهِ وَتَرْكِ مَا نُهِيَ عَنْهُ. وَيَتَنَاوَلُ مَا أَبَاحَهُ اللهُ مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ مَحْظُورٍ .
{وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ سَيُؤْتِينَا اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللهِ رَاغِبُونَ }
(التوبة/59).
وَهَذَا الرِّضَا وَاجِبٌ. وَلِهَذَا ذَمَّ مَنْ تَرَكَهُ بِقَوْلِهِ:
{وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا
إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ * وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا أَتَاهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا
اللهُ سَيُؤْتِينَا اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ.}
(التوبة 58/59).
وَالنَّوْعُ الثَّانِي: الرِّضَا بِالْمَصَائِبِ: كَالفَقْرِ وَالْمَرَضِ وَالذُّلِّ .
فَهَذَا رِضًا مُسْتَحَبٌّ فِي أَحَدِ قَوْلَيِ العُلَمَاءِ، وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ،
وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهُ وَاجِبٌ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ الوَاجِبَ هُوَ الصَّبْرُ . كَمَا قَالَ
الحَسَنُ: الرِّضَا غَرِيزَةٌ، وَلَكِنَّ الصَّبْرَ مُعَوَّلُ الْمُؤْمِنِ.
وَقَدْ رُوِيَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم -قَالَ:
[ إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تُعَمَّ بِالرِّضَا مَعَ اليَقِينِ فَافْعَلْ، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَإِنَّ فِي الصَّبْرِ عَلَى مَا تَكْرَهُ خَيْرًا كَثِيرًا ].
وَأَمَّا الرِّضَا بِالكُفْرِ وَالفُسُوقِ وَالعِصْيَانِ:
فَالَّذِي عَلَيْهِ أَئِمَّةُ الدِّينِ أَنَّهُ لاَ يُرْضَى بِذَلِكَ، فَإِنَّ الله لاَيَرْضَاهُ كَمَا قَالَ:
{وَلاَ يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ }
(الزمر/7)
وَقَالَ:
{ وَاللهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ}
(البقرة/205)
وَقَالَ تَعَالَى:
{فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللهَ لاَ يَرْضَى عَنِ القَوْمِ الفَاسِقِينَ}
(التوبة/96)
الفتاوى لشيخ الإسلام