تخطى إلى المحتوى

وسائل الشريعة الإسلامية لحفظ النفس المعصومة 2024.

اهتم الدين الإسلامي الحنيف بحفظ النفس البشرية كما لم يهتم بذلك دين سماوي قبله، ولا فرقة أو مذهب أو قانون وضعي بعده، بل إن الحياة البشرية لم تشهد تشريعا وضع من الأحكام وشرع من الوسائل ما يحفظ النفس الإنسانية المعصومة كما فعلت الشريعة الإسلامية.

ورغم ادعاء المدنية الغربية المعاصرة الرقي والتقدم والتطور في شتى مجالات الحياة، وخاصة فيما يتعلق بسن القوانين الكفيلة بحفظ حياة الإنسان، ورغم التظاهر بالعناية والاهتمام بما يسمى "حقوق الإنسان"، والتي تعتبر الوثيقة الدولية التي تمثل الإعلان الذي تبته الأمم المتحدة في 10 من ديسمبر من عام 1948م، والذي يتألف من 30 مادة تتعلق بحقوق الإنسان المكفولة لجميع الناس، إلا أنها في الحقيقة لا تساوي الحبر الذي كتبت به، ولا يمكن أن تقارن من قريب أو بعيد بما شرعه الإسلام من وسائل لحفظ ورعاية النفس الإنسانية المعصومة.

إن الحقيقة أن العبرة في مجال حفظ النفس الإنسانية من الهلاك والإزهاق، ليس الأقوال والقوانين الوضعية المكتوبة فحسب، وإنما ما يترتب على تلك القوانين من نتائج ملموسة على أرض الواقع، وذلك من خلال سن التدابير الوقائية التي تمنع حدوث جريمة الاعتداء على النفس الإنسانية قتلا أو اعتداء، أو تشريع العقوبات الرادعة التي تمنع أي مستهتر أو مستهين بالروح البشرية من إزهاقها أو الإضرار بها، ناهيك عن الوسائل والأدوات الأخرى الناجعة، التي تساهم في حفظ النفس الإنسانية من كل سوء او مكروه.

وهنا يكمن الفرق الكبير بين التشريع الإسلامي الحنيف، والقوانين الوضعية الغربية على وجه الخصوص، فبينما اتسمت قوانين ما يسمى "حقوق الإنسان" الغربية بعدم وجود الوسائل الكفيلة بحفظ النفوس على الحقيقة، رغم وجود القوانين المكتوبة الكثيرة في هذا الخصوص، تميزت الشريعة الإسلامية بوجود الكثير من التشريعات والوسائل الكفيلة بحفظ النفس الإنسانية من أي ضرر او أذى، فضلا عن حفظها من الهلاك والإزهاق.

أهم وسائل الشريعة لحفظ النفس
بداية لا بد من التأكيد على أن الشريعة الإسلامية اعتبرت حفظ النفس الإنسانية المعصومة من أهم مقاصد الإسلام، وأحد الضروريات الخمس التي لا بد منها لقيام مصالح الناس الدينية والدنيوية.

كما أنه لا بد من التأكيد أيضا أن المقصود بالنفس المعصومة في الإسلام: تلك النفس التي عُنيت الشريعة الإسلامية بحفظها بسبب الإسلام أو الجزية أو العهد أو الأمان، وأما غير ذلك من الأنفس كنفس المحارب، أو من وجبت عليه عقوبة شرعية من قصاص أو رجم أو تعزير فليست من الأنفس المعصومة المقصودة. (1)

والحقيقة أن الوسائل والتشريعات الإسلامية التي حفظ الإسلام من خلالها النفس الإنسانية من الأذى والهلاك، منها ما هو وقائي يهدف إلى منع وقوع الأذى بالنفس المعصومة، ومنها ما هو علاجي يهدف إلى علاج آثار الجناية على هذه النفس، بما يعود على الأنفس الأخرى التي ما زالت على قيد الحياة بالحفظ.

وسائل الشريعة الوقائية لحفظ النفس المعصومة
تعتبر هذه الوسائل هي الأكثر في الشريعة الإسلامية، وذلك سدا لجميع الطرق التي قد تتسبب في إلحاق الأذى بالنفس المعصومة، بدءا بالإضرار بها وانتهاء بإزهاقها وإتلافها، ومن أهم هذه الوسائل والتدابير:
1- تحريم الجناية على النفس المعصومة: حيث وردت الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة الصحيحة الشديدة الوعيد لكل من يعتدي على نفس الغير المعصومة بالقتل، وهو ما يزجر كل من يحدث نفسه بارتكاب مثل هذا الفعل المشين.

ولعل من أشد الآيات وعيدا لمن يرتكب هذه الجريمة قوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} النساء/93.

قال ابن كثير: هذا تهديد شديد ووعيد أكيد لمن تعاطى هذا الذنب العظيم، الذي هو مقرون بالشرك بالله في غير ما آية في كتاب الله {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ} الفرقان/68. (2)

وإذا انتقلنا إلى السنة النبوية الشريفة، فإن الأحاديث الصحيحة التي تحذر وتنذر من اقتراف جريمة إزهاق النفس المعصومة أكثر من أن تذكر في هذا المقام، فبينما اعتبرت بعض الأحاديث القتل بغير حق من الموبقات وأكبر الكبائر، ففي الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ قَالَ الشِّرْكُ بِاللَّهِ وَالسِّحْرُ وَقَتْلُ النَّفْسِ…)(3)

أشارت أحاديث أخرى إلى هول وعظم جريمة قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وذلك من خلال التأكيد على أن الفسحة في الدين محصورة بمن لم يصب دما حراما، فقد ورد في الحديث الصحيح عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَنْ يَزَالَ الْمُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا) (4)

وقد ورد في شرح الحديث في فتح الباري أن المقصود من الفسحة في الدين الواردة في الحديث: "سعة الأعمال الصالحة حتى إذا جاء القتل ضاقت؛ لأنها لا تفي بوزره". (5)

كما ورد في شرح ابن بطال قول ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: " إِنَّ مِنْ وَرَطَاتِ الأمُورِ الَّتِى لا مَخْرَجَ لِمَنْ أَوْقَعَ نَفْسَهُ فِيهَا سَفْكَ الدَّمِ الْحَرَامِ بِغَيْرِ حِلِّهِ ". (6)

وقد اعتبر علماء السلف الصالح قتل النفس من أعظم مفاسد الدنيا، تماما كما الكفر أعظم مفاسد الدين، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " لفسادُ إما في الدِّينِ وإمّا في الدنيا، فأعظم فسادِ الدنيا قتلُ النفوس بغير الحقّ؛ ولهذا كان أكبرَ الكبائر بعدَ أعظمِ فسادِ الدِّين الذي هو الكفر" (7)

2- تحريم الانتحار والوعيد الشديد على ذلك: وفي ذلك حفظ للنفس من اعتداء صاحبها، حيث اعتبر الإسلام أن واهب الحياة سبحانه هو وحده من يملك النفس البشرية، وأن الإنسان لا يملك التصرف بحياته بالإزهاق والإتلاف.

جاء في الحديث الصحيح عن أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم- (مَنَ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِى يَدِهِ يَتَوَجَّأُ بِهَا فِى بَطْنِهِ فِى نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا وَمَنْ شَرِبَ سَمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَحَسَّاهُ فِى نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا وَمَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَرَدَّى فِى نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا) (8)

3- تحريم حمل المسلم السلاح على أخيه والنهي عن الإشارة بالسلاح عليه: وذلك سدا للذريعة المفضية إلى القتل أو الجرح أو التخويف، ودفعا للفتنة المتوقعة من حمل المسلم السلاح على أخيه أو الاشارة به في وجهه.

فقد ورد في الحديث الصحيح عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ فَلَيْسَ مِنَّا) (9)

كما ورد في حديث آخر عن هُرَيْرَةَ يَقُولُ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ -صلى الله عليه وسلم- (مَنْ أَشَارَ إِلَى أَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ فَإِنَّ الْمَلاَئِكَةَ تَلْعَنُهُ حَتَّى وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ لأَبِيهِ وَأُمِّهِ) (10)

قال النووي: " فيه تأكيد حرمة المسلم، والنهي الشديد عن ترويعه وتخويفه والتعرض له بما قد يؤذيه، وقوله صلى الله عليه وسلم: (وإن كان أخاه لأبيه وأمه) مبالغة في إيضاح عموم النهي في كل أحد، سواء من يتّهم فيه ومن لا يتّهم، وسواء كان هذا هزلا ولعبا أم لا؛ لأن ترويع المسلم حرام بكل حال؛ ولأنه قد يسبقه السلاح كما صرّح به في الرواية الأخرى، ولعن الملائكة له يدلّ على أنه حرام. (11)

وسائل الشريعة العلاجية لحفظ النفس
رغم كل السبل الوقائية الإسلامية السابقة – وغيرها – لحفظ النفس الإنسانية من الإتلاف والهلاك، إلا أنه قد يتجرأ البعض على انتهاك حرمة النفس المعصومة، وقد يتجاوز البعض في ساعة غضب أو غفلة وعيد الله الشديد لمن يقتل مؤمنا متعمدا، فيرتكب ما حرم الله وجعله من أكبر الكبائر، وحينها لا بد من وسيلة إسلامية علاجية لمثل هذه الحالات، المتمثلة بعقوبة القصاص.

قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ * وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} البقرة178-179

ولا شك أن فرض عقوبة القتل لمن يقتل نفسا معصومة بغير وجه حق، فيه من الردع ما يمنع من تكرار هذه الجريمة في المجتمع، وهو ما يساهم في حفظ النفوس وصيانة الأرواح.

ولعل في قوله سبحانه: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} ما يشير إلى مساهمة شرعة القصاص في حفظ النفوس وصيانتها، قال ابن كثير في تفسيره: وفي شَرْع القصاص لكم – وهو قتل القاتل – حكمة عظيمة لكم، وهي بقاء المُهَج وصَوْنها؛ لأنه إذا علم القاتلُ أنه يقتل انكفّ عن صنيعه، فكان في ذلك حياة النفوس… وفي الكتب المتقدمة: القتلُ أنفى للقتل. فجاءت هذه العبارة في القرآن أفصح، وأبلغ، وأوجز. (12)

كما أن قتل القاتل فقط في شريعة القصاص الإسلامية حفظ لكثير من النفوس التي كانت تُقتل في الجاهلية بغير وجه حق، من خلال تعسف أولياء المقتول في تجاوز حقهم إلى غير القاتل من أرحامه وقبيلته.

ولم يتوقف حرص الإسلام على حفظ النفس المعصومة على ما سبق من الوسائل الوقائية والعلاجية، بل تعداها إلى غير ذلك مما يعتبر رخصة ومنحة إلهية في بعض الحالات الاستثنائية.

فقد أباح الإسلام النطق بكلمة الكفر عند الإكراه بالقتل، مع اشتراط أن يبقى القلب مطمئنا بالإيمان، وفي ذلك يقول الله تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ…} النحل/106

كما أن من مظاهر حرص الشريعة الإسلامية على النفوس، ووسائلها في صيانتها من الإتلاف، منحها – من خلال – الاستتابة فرصة للمرتد عن الإسلام للحياة، حرصا منه على حياته التي أحلتها ردته، وذلك بمنحه ثلاثة أيام للتوبة قبل قتله، وهو مذهب جمهور الفقهاء والعلماء، قال ابن بطال: " اختلف العلماء فى استتابة المرتد، فروى عن عمر بن الخطاب وعثمان وعلى وابن مسعود أنه يستتاب؛ فإن تاب وإلا قتل، وهو قول أكثر العلماء" (13)

إن ما سبق من الوسائل والتدابير الإسلامية لحفظ النفس الإنسانية المعصومة من الأذى والهلاك… خير رد على الأبواق الغربية التي تحاول الترويج منذ زمن بأن الإسلام دين عنف وإرهاب واستهتار بالدماء، بينما الحقيقة التي بات يعلمها القاصي والداني أن الإسلام خير دين يحفظ نفس الإنسان، وأن الغرب أكثر من ينتهك الحرمات والدماء، ولعل ما يجري في بلاد المسلمين خير شاهد على ذلك.

___________________
(1) روضة الطالبين 9/148
(2) تفسير ابن كثير 2/376
(3) صحيح البخاري برقم /2766
(4) صحيح البخاري برقم 6862
(5) فتح الباري 19 /298
(6) شرح ابن بطال 16/30
(7) اقتضار الصراط المستقيم ص76
(8) صحيح مسلم برقم/313
(9) صحيح البخاري برقم/6874
(10) صحيح مسلم برقم/6832
(11) شرح صحيح مسلم 16/170
(12) تفسير ابن كثير 1/492
(13) شرح البخاري لابن بطال 16/119

جزاك الله خيرا
شكرلكم
مشكوره حبيبتي

جزاك الله خير

شكرلكم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.