*سلسله علم القلوب في التربيه الاسلاميه لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي
درس الاول : الحكمه1
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
أيها الأخوات الكرام:
كلما تأملنا في كتاب الله, ازدنا علماً, هذه الآية الكريمة التي يقول الله عز وجل:
يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً
[سورة البقرة الآية:269]
لو قابلت هذه الآية بقوله تعالى:
قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ
[سورة النساء الآية:77]
إنسان: أوتي الدنيا, أوتي الملك, أوتي الغنى, أوتي الحظوظ كلها, استمتع بكل قواه في الدنيا, هذا عند الله أوتي قليلاً؛ لأن الموت سوف ينهي هذا كله, لكن: حينما يؤتى الحكمة, يؤتى خيراً كثيراً.
لعلنا نقف دروساً عديدة في موضوع الحكمة؛ بالحكمة: تسعد بزوجة من الدرجة الخامسة, ومن دون حكمة: تشقى بزوجة من الدرجة الأولى,
بالحكمة: تسعد بدخل محدود, ومن دون حكمة: تشقى بدخل غير محدود,
بالحكمة: تسعد بأولاد عديمين, ومن دون حكمة: تشقى بأولاد نجباء.
-يعني- لما الإله يقول:
وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً
[سورة البقرة الآية:269]
وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آَتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً
[سورة يوسف الآية:22]
فالإنسان: حينما يؤتى الحكمة, فقد أوتي خيراً كثيراً؛ لأن هذا الخير لا ينقطع بالموت, هذا الخير الذي يُؤتاه الإنسان من خلال الحكمة, يسعده إلى الآبد؛ فشتان بين شيء ينتهي عند الموت, وبين شيء يبدأ عند الموت.
قال بعض العلماء: ((إن الله عز وجل أعطى النبوة, والرسالة للخصو من أهل الصفوة)):
إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحاً وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ
[سورة آل عمران الآية:33]
النبوة اختص بها صفوته من خلقه, وفي بحث طويل: جعل النبوة –طبعاً- وهبية, لكنها وهبية للمتفوقين من خلقه, (-هو- التفوق: كسبي)
-يعني- تماماً: كما لو أردنا أن نعين إنساناً, يمثل بلداً؛ فطالبناه بدكتوراه في العلوم, دكتوراه في الآداب, دكتوراه في الحقوق, وطالبناه بخمس لغات يتقنها, وطالبناه بفطنة وذكاء, بعد أن اخترناه من بين كل الناس, -وهذا من تفوقه, وكسبه-؛ أعطيناه خصائص, أعطيناه حقيبة دبلوماسية, أعطيناه أجهزة, أعطيناه شيكات مفتوحة, القسم الثاني: وهبي, لكنه مبني على الكسبي:
إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحاً وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ
[سورة آل عمران الآية:33]هذه وهبية, لكن بحسب الاصطفاء, والاصطفاء بحسب التفوق, والتفوق بحسب الصدق.
هذا موضوع آخر: باب النبوة مغلق, لكن باب الحكمة مفتوح إلى يوم القيامة, الله عز وجل أعطاها للقمان الحكيم:
وَلَقَدْ آَتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ
[سورة لقمان الآية:12] يبدو أن الحكمة: ثمنها المجاهدة, أما العلم: ثمنه المدارسة, -يعني- أي إنسان ذكي ممكن أن يقرأ الإسلام كله, ويحفظه, وهو يهودي, ممكن العلم متعلق بالدماغ؛ إذا في رغبة, في طلب علم, وفي دماغ قوي, ذاكرة قوية, قوة محاكمة.
كثير من المسلمين معهم دكتوراه في السوربون بالشريعة, الذي منحهم هذه الدكتوراه: إنسان يهودي؛ فالعلم: يأتي من المدارسة, أما الحكمة: تأتي من المجاهدة:
وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً
[سورة البقرة الآية:269]
وباب الحكمة مفتوح إلى يوم القيامة؛ بلا توقيت, ولا تحديد.
درس اليوم: هناك عشرة أشياء من فضل الله عز وجل يؤتيها من يشاء, علينا أن نطلبها, –طبعاً- وأول شيء: الحكمة:
يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ
[سورة البقرة الآية:269]
فاطلبوها بالمجاهدة؛ -يعني- الصلاة, غض البصر, ضبط اللسان, إنفاق المال, كثرة الذكر والدعاء, هي سبب الحكمة؛ لأن الحكمة تؤتى لمن يشاء الله أن يؤتيه الحكمة, ومشيئة الله: متعلقة بالتفوق, بصفوته من الخلق:
يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً
[سورة البقرة الآية:269]
هذه عشرة أشياء ثمينة جداً:
يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ
[سورة البقرة الآية:269]
يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ
[سورة البقرة الآية:105]
ورحمة الله عز وجل: مطلقُ عطاء الله لكن:
إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ
[سورة الأعراف الآية:56]
وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ
[سورة الحجرات الآية:10]
هذا بحث مستقل, نبحثه -إن شاء الله
-يعني- ما ثمن رحمة الله؟ تكون سعيداً, تكون مطمئناً, تكون متفوقاً, تكون تعمل عملاً طيباً.
-يعني- أحياناً: الذي يرحمه الله عز وجل, يمشي كالملك, وهو من عامة الناس, في بالقلب شيء؛ المظهر موظف, المظهر ضارب آلة كاتبة, المظهر عامل, المظهر إنسان مدرس من بين مئة ألف مدرس, لكن المخبر: هذا معه رحمة الله, رحمة الله؛ جعلته متفوقاً, جعلته مطمئناً, جعلته سعيداً, جعلته قوياً, جعلته صابراً, جعلته فقيهاً عالماً:
يخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ
[سورة البقرة الآية:105]
يجب أن نبحث في دروس قادمة عن أسباب رحمة الله:
وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ
[سورة البقرة الآية:247]
أحياناً: يملك الله, إذا أعطى أدهش؛ تكون لا شيء, لا يوجد عندك شيء, تملك شيئاً, وشيئاً كثيراً, وشيئاً ثميناً, وشيئاً مهماً:
وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاء
[سورة البقرة الآية:247]
قال: فاطلبوه بالتواضع والحياء:
رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً
[سورة الشعراء الآية:83]
لأجد من بعدي, ويؤتي الغنى؛ أحياناً: الغنى ليس له علاقة بالسعي وبالذكاء, إذا الله عز وجل: أعطى أدهش, أحياناً: من دون –يعني- قدرات عالمية بالإنسان, قد يكون غنياً كبيراً, وأحياناً: يكون عنده المعية, يفوق حد الخيال, لا يملك ثمن رغيف خبز, قال تعالى:
وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ
[سورة التوبة الآية:28]
فالتجارة: لا تحتاج إلى ذكاء, إلى توفيق من الله, والتوفيق: يحتاج إلى استقامة؛ وفي أصعب الظروف, وفي أصعب الأحوال, في أيام الكساد الشديد, المستقيم: له معاملة خاصة, المستقيم: موفق, والتوفيق: أساس النجاح, في التجارة –أيضاً- الإجابة:
فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ
[سورة الأنعام الآية:41]
إنسان: يكون مستجاب الدعوة, شيء ثمين جداً, أن تدعو فيستجيب الله لك, إذا كنت مستجاب الدعوة؛ فأنت أقوى الناس, أنت أغنى الناس, أنت أسعد الناس….
فلذلك الحديث: ((إن أردت أن تكون أقوى الناس, فتوكل على الله)) نعم
فيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ
[سورة الأنعام الآية:41]
أنت أقوى من خصمك بالدعاء, (إذا كان الله معك, فمن عليك)
ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ
[سورة التوبة الآية:27]
إذا الله منحك التوبة, ألغى لك كل الماضي.
إنسان: عليه ملاين, بيته مرهون, بكلمة: كله يُمحى:
ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ
[سورة التوبة الآية:27]
وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ
[سورة البقرة الآية:212]
الرزق: أنواع, الغنى: قد يكون مادياً, أما الرزق: الاتصال بالله (رزق), أن تفهم كلام الله (رزق):
وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ
[سورة الواقعة الآية:82]
-يعني- نصيبك من الرزق: أنك كذبت بهذا الكتاب, بدلاً من أن تصدقه, والهداية:
يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ
[سورة البقرة الآية:213]
نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ
[سورة الأنعام الآية:83]
رفع الدرجات, والهداية, والمغفرة:
يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ
[سورة الفتح الآية:14]
وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ
[سورة البقرة الآية:212]
ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ
[سورة التوبة الآية:27]
فيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ
[سورة الأنعام الآية:41]
وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ
[سورة التوبة الآية:28]
يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ
[سورة البقرة الآية:247]
يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ
[سورة البقرة الآية:105]
يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ
[سورة البقرة الآية:269]
-يعني- كملخص لهذه الآيات: يوجد في الدين ثمرة يانعة, هذه الثمرة اليانعة: ثمنها المجاهدة, أما إذا جعلته اختصاص؛ كلية حقوق, كلية شريعة, كلية طب, كلية آداب, والدين أحد هذه الكليات, تحتاج إلى كتب, ودراسة, ودوام, إن جعلته معلومات, هذا خطأ كبير, اتجاه الدين في معلومات, لكن المعلومات وحدها: لا تقدم ولا تؤخر, المعلومات وحدها: اختصاص, أما الدين: ثمرة يانعة, ثمنها المجاهدة.
والإمام الغزالي يقول: ((جاهد تشاهد))
-يعني- الإنسان: حينما يقرأ القرآن؛ قراءة تأمل, قراءة تبصر, قراءة تفهم, قراءة تدبر, ويتحرك وفق هذه الآية, يكون أسعد الناس.
-يعني: أنا- هناك آلاف القصص: إنسان بحكمته التي آتاه الله إياها سعيد, كل شيء بين يديه, والذي بين يديه دون الوسط, قد يكون بكل شيء, لكن سعيد, وفي إنسان يشقى, وبين يديه الدنيا بأكملها, -يعني- مستحيل الله عز وجل -دقق بالفكرة- مستحيل الله عز وجل: أن يعطي الحكمة للكافر, والكافر: لا بد من أن يتحامق, والدليل:
الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُم
[سورة محمد الآية:1]
في حمق, في مواقف حمقاء, في مواقف خرقاء قاسية جداً:
يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ
[سورة الحشر الآية:2]
لو كان ممكن أن تعطى الحكمة للكافر, الدين: ليس له فائدة؛ لأنه أعلى ثمرة بالدين: الحكمة, إذا ممكن أن نعطيها لكافر, أصبح الدين ليس له قيمة, أما الحكمة: خاصة بالمؤمنين:
وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً
[سورة البقرة الآية:269]
أما الدنيا: يعطيها للكافر, ويعطيه؛ المال, والذكاء, والجمال, والقوة, لكنه: لا يعطيه الحكمة, فتجد الكافر أحمقاً, أرعناً, يقع في إشكالات كبيرة جداً, يخطئ خطأ فاحشاً.
(والأنبياء: أعطوا الحكمة, والطغاة: أعطوا القوة)
فأنت نصيبك ممن؟ من نوع نصيب الأنبياء, أم من نوع نصيب الأقوياء؟
على كلٍ؛ القوة تنتهي عند الموت.
-يعني- إنسان مخيف, لما تتعطل أجهزته كلها, لم يعد مخيفاً.
-يعني- في أخبار مؤثرة جداً, بحكم الميت, الأجهزة كلها معطلة, في أي لحظة: تتوقف الأجهزة, يعلن وفاته. معناها: الإنسان ضعيف, أما المؤمن له اتصال بالله عز وجل.
فالقوي: رأس ماله قوته, والقوة تنتهي عند الموت, أما الحكيم: رأس ماله اتصاله بالله, وهذا الاتصال يستثمره بعد الموت إلى ما شاء الله.
بارك الله فيك
وجزاكي الله خيرا
تقبلي مروري وردي
اختك ام ورد