بسم الله الرحمن الرحيم
أصبحت الشمس، التي تغنى بها البعض أكثر من القمر، وبالا على البشر رغم ما توفره من دفء وخصب وجمال لسكان الأرض، فكثرة التعرض لأشعة الشمس يمكن أن يسبب سرطان الجلد للبعض، لكن نقص أشعتها، أو لنقل نقص فيتامنين «دي»، يمكن أن يعزز مخاطر أمراض أخرى مثل الزهايمر والسكري وجلطات القلب.
وطبيعي فإن سكان بلدان وسط أوروبا القليلة الشمس، وخصوصا ألمانيا وبريطانيا، أكثر عرضة من غيرهم لحالة نقص فيتامين دي الناجم عن قلة الشمس، وهذا يعني أن العرب أو المهاجرين، الذين يعانون في بلدانهم من ضربة الشمس، صاروا في أوروبا يعانون من نقص الشمس أيضا.
وتشير آخر إحصائية أوروبية حول الأيام الماطرة في أوروبا إلى أن لندن خرجت من قائمة أكثر المدن مطرا تاركة محلها إلى مدينة هالة الألمانية (شرق) التي سجلت عام 2024 نحو 266 يوما ماطرا.
وتقول دراسة جديدة أجراها علماء جامعتي لودفيغسبورغ وغراتز، إن نقص فيتامين دي الناجم عن قلة التعرض للشمس، يمكن أن يسبب أمراضا سرطانية أخرى ويزيد مخطر السكري والجلطات القلبية ومرض الزهايمر.
دراسة طويلة
وهذه الدراسة طويلة المدى شملت 3200 شخصا طوال 8 سنوات تتراوح أعمارهم حول 62 سنة، تم اختيارهم من بين متطوعين، أثبتت الفحوصات أن فيتامين دي يقل في أجسامهم بمقدر الضعف عن المعدل المطلوب.
وكانت النتيجة الأولى، من متابعة أوضاعهم الصحية طوال 8 سنوات، هي أن خطر الموت المبكر يهددهم ضعف ما يهدد الآخرين الذين يتمتعون بمستوى طبيعي من فيتامين دي في دمائهم، وكان المرضى عرضة بنفس الدرجة للجلطات القلبية والسكتات الدماغية ومرض السكري وبعض أنواع الأمراض السرطانية.
وسبق لدراسات سابقة أن توصلت إلى نتائج مماثلة، إلا أن الدراسة الأخيرة تفوقت على غيرها من ناحية عدد المرضى وتغطية الفترة الزمنية التي تم خلالها متابعتهم.
ويرى البروفيسور نيكولا فورم، أستاذ علم التغذية من جامعة ميونخ، أن اهتمام العلماء بفيتامين دي في السنوات القليلة الماضية قد ارتفع منذ الكشف عن وجود مستقبلات عصبية خاصة بفيتامين دي في كل نسيج وعضو تقريبا من جسم الإنسان، إذ أصبح من الواضح أن هذا الفيتامين أهم بكثير مما كان المعتقد فيه حتى الآن ويلعب دورا أساسيا في العديد من الوظائف الحيوية في جسم الإنسان.
نقص فيتامين دي
ويمكن لجسم الإنسان، بمساعدة عملية تركيب تجري بمساعدة أشعة الشمس، أن يحصل على 90 في المائة من حاجته، لكن قلة التعرض للشمس تؤدي إلى نقص هذا الفيتامين، ولهذا فإن البروفيسور فورم يتعامل مع فيتامين دي كـ«هرمون» يمكن أن يخل أو أن يعزز الكثير من عمليات الاستقلاب.
وأشار فروم إلى أن الزيادة في التعرض لأشعة الشمس لا تختلف عن نقص التعرض لها. ويكفي الإنسان 14 دقيقة يوميا، حسب نوع بشرته، للاكتفاء بما يبنيه الجسم من هذا الفيتامين، وتبين عند تحليل أشعة الشمس أن أفضل فترة لـ«شحن» الجسم من الشمس بفيتامين دي هي الفترة الممتدة بين العاشرة صباحا والثانية بعد الظهر.
وهناك آلية خاصة في الجسم للوقاية من فرط التعرض للشمس، ويعمل هذا النظام على وقف التزود بالمزيد من فيتامين دي بعد 20 ـ 30 دقيقة من تعريض الجسم العاري للشمس القوية.
ويؤكد معهد روبرت كوخ الألماني تحذيرات الأطباء من نقص تعرض الألمان لأشعة الشمس، فتحدث عن دراسة تثبت أن 63 في المائة من الأطفال و58 في المائة من البالغين يعانون من انخفاض معدلات فيتامين دي في دمائهم. وتوصلت الدراسة إلى هذه النتائج بعد فحص 10 آلاف طفل و4 آلاف بالغ من مختلف الولايات والأعمار.
وحذرت الدكتورة بريتا هنتزبيتر من مخاطر هذا النقص على عظام الأطفال رغم معرفتها بأن كمية 20 ميكروغرام/لتر، المحددة كأقل حد ممكن لفيتامين دي في الجسم، يمكن أن تكون نسبية من منطقة إلى أخرى.
المشكلة هي أن النقص القليل في فيتامين دي يمكن أن يترك آثاره بعد مرور وقت طويل، بشكل تنخر عظام عند المسنين أو بشكل سكته دماغية أو قلبية حسب رأي أستاذ التغذية في جامعة هوهنبيرغ البروفيسور كونراد بيزالكي. ويقارن بيزالكي جسم الإنسان بالسيارة الحديثة التي تستهلك زيتا أقل، لكنها ستتقوض يوما فجأة ما لم يستبدل زيتها بين فترة وأخرى.
وينطبق نفس الوصف عند الحديث عن مخاطر نقص فيتامين دي على الأطفال والشيوخ، لأن من لا تنبني عظامه بشكل متين في مرحلة الطفولة، سيعاني بالتأكيد في الشيخوخة من تنخر العظام والتهابات المفاصل.
وتزداد المخاطر في الكبر لأن بشرة الإنسان بعد سن 65 سنة تفقد20% من قدرتها على تركيب فيتامين دي بمساعدة أشعة الشمس ويؤكد بيزالكي أن على أصحاب البشرة الغامقة، أي المهاجرين في شمال أوروبا، الاستحمام شمسيا أكثر من غيرهم لأن الصبغة في الجلد تحتاج إلى وقت تشمس أطول كي تنتج نفس الكمية من فيتامين دي.
ولهذا فإن ذوي البشرة الأغمق أكثر عرضة من غيرهم للأمراض الناجمة عن نقص فيتامين دي.