زأر الوحش بصوت كأنه الرعد وبرق الشرار بعينيه المظللة بالعباءة السوداء الطويلة التي يسدلها من قمة رأسه لأسفل قدميه ، وصرخ بها قائلاً :
أتظنين بأني أحمق؟ ولا أعرف ما تخفينه من كره ليّ أنتِ ووالدكِ؟ ـ لقد أعلمني والدك بأنكِ كنت ستتزوجين من أوسم شاب في قريتكم ذاك المتغطرس المتباهي بوسامته المدعى "غاستون" وأنا أكرهكِ وأكرهه .
و ذهلت الجميلة من كلام الوحش الذي كان يقذفه بوجهها بحنق وكره شديد !
وأخذت تبكي بألم وهي تحاول أن توضح للوحش بأن هذا المتغطرس"غاستون" هو الذي كان يشيع بالقرية بأنه يريد أن يتزوج بها أما هي فلا تكن له مشاعر حب أو حتى كره فقد كان كل اهتمامها بالقراءة والكتب لأنها تعشقهما بشدة . ولكن الوحش لم يستمع لها لأن الكره والغضب استبد به وقاطعها بصوت كأنه النصل قائلاً :
– إياكِ أن تحاولي خداعي أو حتى محادثتي فلا حديث بيننا لنقوله .
وانصرفت الجميلة لحجرتها وعيناها مغرقة بالدموع لأنها لا تستحق كل ما ألم بها ، فلم تحصد شراً لم تزرعه يداها ؟
وفي أثناء بكائها اقترب منها أصدقاؤها "الشمعدان والساعة والإبريق" محاولين أن يخففوا عنها أحزانها و شرعوا بالغناء من حولها ليطردوا شبح الحزن الذي ألم بها ..
وفعلاً نجح أصدقاؤها الجوامد بإخراجها من شبح الحزن وشرعت الجميلة تتأمل بهم وبالأشياء من حولها فدخل الأمل من جديد لقلبها وشرعت تغني هي الأخرى معهم من أجل "الأمل والحب والحياة" ، فيما أخذ الوحش ينصت لصوتها العذب وهو ينساب كخرير السواقي الهادئة……… !
وتعالى صوت الغناء وبدأ الأصدقاء يرقصون حول الجميلة وانطلقوا في ارجاء القصر يرقصون ويغنون فيما الوحش بحجرته ينصت لهم متعجباً من شعور جديد بدأ يدب في أطرافه وهو الوحش الذي لم يعهد أي نوع من المشاعر أو العواطف تزوره أو تعرف طريقها لقلبه !
وبدأ الوحش ينصت باهتمام للغناء ، ومن دون أن يدرك ما ألم به أخذ يتمايل مع غنائهم ويترنم بصوته المتوحش بأناشيدهم وتسلل على أطرافه لخارج حجرته ليشاهد لأول مرة بعينيه القاسية " الحياة والربيع يرقص ويغني في بهو قصره" متمثلاً بهذه الجميلة التي كلما ازداد هو إذلالاً وتعذيباً لها كلما ازدادت هي جمالاً وحباً للحياة كأن الأمل الذي جف في صدره لا يكف عن التدفق في قلب هذه الحسناء !
و مدت الحسناء يدها للوحش وشجعه بالغناء أصدقاؤها وتقدمت رويداً رويداً من الوحش ، ويدها ممدودة له وفمها الجميل لا يكف عن الغناء …
ووقفت أمامه تغرد بأجمل الأناشيد وتشجعه كي يغني معها من أجل ( محبة الآخرين ، والأمل ، والحياة ) .. و مد الوحش متردداً يده البشعة بأناملها التي تنتهي بمخالب مخيفة وشعر أجعد يكسو كفه الخشن ، ليلامس النعومة والصبا والجمال بكف هذه الجميلة التي احتضنت بيديها كفه ، فيما شعر الوحش لأول مرة بشعور غريب لملس يد هذه الجميلة ، بشعور سمع عنه كثيراً إنه ، أنه ، إنه …. …"الحنـان" الذي لم يذق طعمه قلبه النابض بالقسوة بين أضلاعه .. !
وشرع يغني بصوته الوحشي المنفر بنبرة منخفضة ، ويعود ليلزم الصمت ، والخجل مرتسماً بعينيه لبشاعة صوته ، فيما الجميلة أخذت تشجعه بعينيها الجميلتين على الغناء وملامحها البريئة تعكس ابتسامة ملؤها الحنان والمودة لهذا الوحش الضخم الذي تمسك بكفه الخشنة بيديها الناعمتين ..
وهكذا بدأت العلاقة بين الجميلة والوحش تأخذ منحى جديد ، وبدأ الوحش يستسيغ عشرة الجميلة والحياة الجديدة التي نقلتها لقصره ، وعرف لأول مرة معنى الربيع و الأمل .. وأخذ يخرج من عزلته يوماً بعد يوم ، ليتجاذب أطراف الحديث القصير مع الجميلة وهو متخفٍ وراء ردائه الطويل حتى لا ترى قبحه الذي يخفيه عنها .. فيما استمرت الجميلة تنثر الأمل والزهور بين زوايا قصر الوحش فجددت الحياة في كل ركن به ، حتى جاء اليوم الذي دخلت به غرفة مظلمة معزولة كان الوحش يدخلها من وقت لآخر ويمضي بها ساعات طويلة يعوي بألم وحزن ، ويعود ليخرج منها حزيناً كارهاً لكل ما حوله .
لم يكن يدفع الجميلة لدخول هذه الحجرة سوى الفضول الذي كان يسيطر عليها لتكتشف سر هذه الحجرة ..
واقتاد الفضول قدما الجميلة لتقتحم عتبة الحجرة .
وهناك وفي داخل هذه الحجرة المظلمة تبدا للجميلة أثاث قديم علته أكداس الغبار كأن صاحبها هجرها وارتحل بعيداً عنها !.. وجالت عيناها بالحجرة لتقع مندهشة ! على وردة حمراء جميلة بداخل غطاء زجاجي ..
كانت الوردة الحمراء تلمع وتومض بضوء خلاب ، كانت أجمل و أغرب وردة شاهدتها في حياتها ..!
وحين أوشكت أنامل الجميلة أن تلمس الغطاء الزجاجي الذي بداخله الوردة المشعة ، سمعت صوتاً هادراً يصرخ بها قائلاً:
"كيف تجرأتي على الدخول هنا ؟؟؟"
واستدارت الجميلة للخلف خائفة ، لتتلاقى وجهاً لوجه مع "الوحش" الذي كان ينفخ كالثور بخياشيمه غضباً فيما كانت أنيابه تلمع كالنصل واللعاب يقطر منها ، كأنها على أُهبت الاستعداد لتنقض على فريسة .. ! وتلعثمت الجميلة وبدأ الخوف يقطع أوصالها وهي ترتجف أمام وحش بشع غاضب يوشك أن يفتك بها بضربة واحدة من مخالبه الحادة ..! وبسرعة مخيفة رأت الوحش وقد قفز أمامها ليمسك بالغطاء الزجاجي الذي يحتوي وردته السحرية ويضمه لصدره ، صارخاً بغضب كأنه يقذف حمماً بركانية : " أخرجي أيتها اللصة ، كيف تجرأتي على الدخول هنا ومس وردتي ؟"
وبتلعثم وأسف شديد ، حاولت الجميلة أن تخرج من فمها كلمات الأسف والاعتذار للوحش لكنها عجزت وبقى هول المفاجأة مسيطراً عليها ! فيما توالت زمجرات الوحش الغاضبة وهو يهتف بحنق " أخرجي من قصري لا أريدك هنا ،أخرجي الآن" !
وانسلت الجميلة من الحجرة مهرولة نحو بوابة القصر لتمطي جوادها الذي أتت به للقصر لأول مرة ، وتطلق العنان لساقيه كي يحملها بعيداً عن قصر الوحش المسحور ، فيما ثلج الشتاء يندف بقوة كقصاصات الورق الصغيرة البيضاء فوق جسدها الصغير المتمسك بقوة بعنق الحصان الذي ما انفك يلهب طرقات الغابة الثلجية بحوافره وهو لا يهتدي لطريقه ، بسبب الظلام الدامس الذي خيم على ارجاء الغاب .. وبدأ يتناهى لمسامع الجميلة عواء الذئاب الجائعة التي بدأت تشكل حلقة حول الجميلة وحصانها المتعب ، وبدأ قطيع الذئاب يضيّق الحلقة على الجميلة ، وتبدت لعيني الجميلة عيون ذئاب الغاب الجائعة التي أضمرت أن تجعل من الجميلة وفرسها عشاءاً لهذه الليلة ! وأغمضت الجميلة عينيها صارخة كأنها تسلم آخر أنفاسها لنهش الذئاب التي انقضت على حصانها المتعب بعواء التوحش المخيف ! ولكن ماذا حدث؟ ! .. لم الذئاب لا تنهشها ؟؟ هل توقف الزمن عند قفزة الذئب الضخم في وجه حصانها؟
وأرهفت الجميلة السمع للعواء الذي ارتفع ليتحول لصراخ ممزوج بزئير ثائر ..!
وفتحت عينيها في العتمة بخوف قاتل لتدرك ماذا يحدث ..!
وفي العتمة التي كان يومض الثلج الأبيض بجوفها رأت الجميلة حشداً من الذئاب يطوق جثة ضخمة كانت ترفع يديها لتضرب بمخالبها أعناق الذئاب المقاتلة .. وحاولت الجميلة أن تستشف الصورة أكثر لتعرف ماذا حدث؟ …. يا إلهي ما هذا ؟!
إنها عباءة الوحش الزرقاء القاتمة !.. هل يعقل بأنه هو الذي يتعارك الآن مع الذئاب ؟ !
آه ! نعم إنه هو .. هو بزئيره ، بعباءته ، بضخامة جسده بأنفاسه المتصاعدة كأنها خوار ثور ، إنه هو.. الوحش .. الوحش
أتى ليدافع عنها ليخلصها من موت محتم !
"تابع"