الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فإن يومكم هذا يوم عظيم، بل عند بعض العلماء أفضل أيام الدنيا وأفضل من يوم عرفة؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إِنَّ أَعْظَمَ الأَيَّامِ عِنْدَ الَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَوْمُ النَّحْرِ ثُمَّ يَوْمُ الْقَرِّ) (رواه أبو داود، وصحه الألباني).
– وأقسم الله -عز وجل- به فقال: (وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ) (الفجر:3)، قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "الشفع يوم الأضحى، والوتر يوم عرفة".
– وهو يوم الحج الأكبر؛ لأن أكثر أعمال الحج فيه، فالحجاج فيه يدفعون من مزدلفة إلى منى يرمون الجمرة الكبرى، ثم يحلقون رؤوسهم، ويذبحون هديهم، ويطوفون طواف الإفاضة، ثم يدفعون إلى منى للاستقرار بها أيام التشريق.
– وهو يوم عيد المسلمين ومعه أيام التشريق التي قال الله -تعالى- عنها: (وَاذْكُرُوا الَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ) (البقرة:203)، قال ابن عباس: "الأيام المعلومات هي العشرة، والأيام المعدودات هي أيام التشريق".
وقال -صلى الله عليه وسلم-: إِنَّ أَعْظَمَ الأَيَّامِ عِنْدَ الَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَوْمُ النَّحْرِ ثُمَّ يَوْمُ الْقَرِّ) (رواه أبو داود، وصحه الألباني)، ويوم القر هو اليوم الحادي عشر, أي: اليوم الأول من أيام التشريق التي يستقر فيها الحجيج بمنى.
وقال -صلى الله عليه وسلم-: (أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرٍ لِلَّهِ) (رواه مسلم).
وقال -صلى الله عليه وسلم-: (يَوْمُ عَرَفَةَ وَيَوْمُ النَّحْرِ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ عِيدُنَا أَهْلَ الإِسْلاَمِ، وَهِيَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ) (رواه أبو داود والترمذي والنسائي، وصحه الألباني).
– وفى مثل هذا اليوم من سنه تسع أرسل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عليًّا إلى أبي بكر أمير الحج ليتلو على الناس في موسم الحج قوله -تعالى-: (وَأَذَانٌ مِنَ الَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ الَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ) (التوبة:3)، أي: ورسوله بريء أيضًا من المشركين، فتلاها علي وأبو هريرة على الناس في منى: "أَنْ لا يَحُجَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ وَلا يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ" (متفق عليه).
فيجب علينا نحن أن نتبرأ من المشركين كما تبرأ الله ورسوله منهم، ويكون بذلك بغضهم وبغض كفرهم ومعبوداتهم حتى يؤمنوا بالله وحده، ولا يضاد ذلك البر والإقساط إن لم يقاتلونا أو يخرجونا أو يظاهروا على إخراجنا كما قال الله -تعالى-: (لا يَنْهَاكُمُ الَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ الَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ . إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ الَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (الممتحنة:8-9).
ومن آداب هذا اليوم:
– تهنئة المسلمين بعضهم بعضًا كما كان الصحابة يهنئ بعضهم بعضًا ب" تقبل الله منا ومنكم ". قال جبير بن نفير: "واستحبه الإمام أحمد -رحمه الله-".
– تكبير الله -تعالى- مطلقًا في البيوت وفي الطرقات والأسواق، أو مقيدًا دبر الصلوات إلى عصر ثالث أيام التشريق، ودليله الإجماع.
قال الإمام أحمد -رحمه الله-: "ولا بأس أن تكبر في بيتها وإن صلت مع جماعة، أو من صلى منفردًا، وفي قول الأكثر أن المسبوق إن فرغ من صلاته كبر".
– الأضحية شكرًا لله -تعالى-: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) (الكوثر:2)، وما تقرب العباد لله -تعالى- بقربة في هذا اليوم أفضل من إراقة دم إلا صلة رحم، كما قال طاوس -رحمه الله-.
وقت الذبح في الأضحية ممتد إلى ثالث أيام التشريق؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (كل أيام التشريق ذبح) (رواه أحمد، وصحه الألباني).
– اغتنام هذا اليوم بالطاعة وعدم الغفلة عنه؛ لأن كثيرًا من الناس يغفلون عن فضله، وصار العيد في عرف الكثير أنه يوم عصيان، فيعصون الله -تعالى-، والعبادة وقت الغفلة متأكدة؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (الْعِبَادَةُ فِى الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ) (رواه مسلم).
وقال -صلى الله عليه وسلم-: (أَفْضَلُ الصَّلاَةِ بَعْدَ الصَّلاَةِ الْمَكْتُوبَةِ الصَّلاَةُ فِي جَوْفِ الَّيْلِ) (رواه مسلم).
– التوبة النصوح، وتجديد العزم على الإحسان في عبادة الله -تعالى-، وفي معاملة الخلق.
– يحرم صوم يوم النحر وأيام التشريق؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- قال: (أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرٍ لِلَّهِ) (رواه مسلم).
– الحرص على أعمال البر والخير من صلة الأرحام، والصدقة على الفقراء والمساكين وإطعامهم، وترك التحاسد والتدابر، والتوسعة على الأهل والعيال بما أحله الله -تعالى-.
– لا يُشرع في هذا اليوم زيارة المقابر؛ لأنه لم يرد عن الرسول -صلى الله عليه وسلم-، ولأنه يوم فرح لا يوم حزن أو تجديد للأحزان.
– الحذر من الذنوب والمعاصي؛ فيوم العيد يوم طاعة وعبادة وتجديد الميثاق والعهد مع الله -تعالى- على الطاعة.
قال سفيان الثوري -رحمه الله-: "إن أول ما نبدأ به في عيدنا غض أبصارنا".
وقال أحد السلف: "المؤمن يفرح بمولاه، والغافل يفرح بلهوه وهواه".
– الحذر من التدابر والتشاحن والبغضاء.
(لاَ تَحَاسَدُوا وَلاَ تَبَاغَضُوا وَلاَ تَقَاطَعُوا وَكُونُوا عِبَادَ الَّهِ إِخْوَانًا) (متفق عليه).
– من أعظم وظائف ذلك اليوم صلاة العيد، قال -تعالى-: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) (الكوثر:2).
تقبل الله منا ومنكم.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.