وبلغ النفاق الغربي الداعم للمحرقة الصهيونية حداً بالغاً من فقدان المنطق أثناء مناقشة مجلس الأمن الدولي للوضع المأساوي اللا إنساني في غزة المحاصرة عبرياً وعربياً وغربياً، عندما انسحب سفراء خمس دول غربية ممن يصدعون رؤوس العالم بدعاوى ضرورة احترام حقوق الإنسان، بهدف إفشال الجلسة، احتجاجا على تشبيه السفير الليبي في المجلس محنة الفلسطينيين في قطاع غزة بالمحرقة النازية لليهود.
هذه الدول هي أميركا وفرنسا وبريطانيا، ذلك الثالوث المتواطئ ضد الحرية والاستقلال وضد حقوق الإنسان ووراءهم بلجيكا دولة مقر البرلمان الأوروبي والمنحازة انحيازا أعمى مع الجرائم الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني.. والمثير للغرابة أن تبرير هؤلاء السفراء لانسحابهم هو لاعتبارهم أن وصف الفعل ضد غزة الإسرائيلي بهذا الوصف لا يخدم عملية السلام.. يااا سلام!!.
والغريب أنهم يحتجون على الوصف ولا يحتجون على الفعل العدواني الإجرامي نفسه، ويبدو أن هذه السياسة العقلانية غير الإنسانية قد فقدت عقلها أيضا بعد أن فقدت ضميرها، بينما تهدد بالويل والثبور ضد الصين بدعوى حقوق الإنسان في الصين، وحقوق الإنسان في السودان لكن أيا من هذه الدول تنقلب على نفسها عندما تتعلق حقوق الإنسان بحق من حقوق إنسان العراق أو فلسطين أو الصومال!!
يحدث هذا بعد استماع هؤلاء المندوبين لتحذير مساعدة الأمين العام للأمم المتحدة أنجيلا كين أنها ستضطر إلى تعليق كل نشاطاتها الإنسانية في قطاع غزة في غضون ساعات ما لم تحصل من إسرائيل على شحنات جديدة من الوقود بسبب شح الوقود المستخدم للنقل، بعد قيام إسرائيل بتحديد كميات الوقود لقطاع غزة ولم يرف لهم جفن!
ولقول كين مخاطبة مجلس الأمن: إن غزة تعاني من ضغط إنساني متصاعد بسبب إغلاق حدود القطاع مع كل من مصر وإسرائيل، ومن شح المواد الغذائية والسلع الأساسية، وشح المياه، وضعف نظام الصرف الصحي، وما لم يسمح بدخول الوقود ستضطر أونروا إلى وقف توزيع مساعداتها الغذائية إلى 650 ألفاً من الفلسطينيين. ولا يتحرك فيهم ضمير!!
والخطير في هذا التحذير أن ذلك الوضع اللاإنساني الأكثر إمعانا في تجويع الشعب الفلسطيني يضر أكثر من ثمانين في المئة من سكان غزة يعتمدون في معيشتهم على المعونات الإنسانية، حيث تقوم الأمم المتحدة بتوفير المعونات لأكثر من مليون فلسطيني معظمهم من الأطفال والنساء.
إنه تواطؤ بل ومشاركة هذه الدول الغربية المحترمة مع إسرائيل في العدوان والاحتلال والتجويع لشعب عربي أعزل ومحاصر لم يعد غريبا حيث ان هذه الدول المعروفة بماضيها الاستعماري البغيض، وبحاضرها المليء بالتناقضات مع ما ترفع من شعارات عن الحرية والديمقراطية والإنسانية بل وبتورطها في العدوان على حقوق الشعوب العربية..
لكن الغريب والمعيب بلا حدود أكثر هو ذلك المشهد العربي الأكثر خطورة الذي يسمح بل يشارك في حصار غزة مثلما تحاصرها إسرائيل ، ولا يتخذ الموقف العربي الإنساني الحاسم لمنع استمرار جريمة إنسانية مروعة ضد الشعب الفلسطيني في غزة حسب وصف الرئيس جيمي كارتر خلال وجوده بالقاهرة انطلاقا من الموقف القانوني الدولي الذي يعتبر حصار التجويع للمدنيين جريمة مثلما يعتبر منع وصول الإغاثة جريمة ضد الإنسانية.
إن شرعية ما هو إنساني هي فوق أي شرعية سواء ما هو سياسيي أو ما هو قانوني، فلا شرعية لسياسة أو لقانون يبيح قتل شعب من الشعوب، ولا جريمة أبشع من أن تكون ضد الإنسانية ونربأ بأي عربي أن يسقط في ارتكابها خصوصاً ضد شعب عربي يضحي دفاعا عن مقدسات كل العرب.. ومن العار كل العار أن يستمر هذا الحصار.
لمروركم العطر