السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحاسة السادسة هي إحساس فطري لا إرادي بعيد عن المنطق يمكن صاحبه من معرفة المجهول والتنبؤ بالمستقبل، وأغلب الناس يمتلكون مثل هذه الحاسة وبدرجات متفاوتة،وبما أن الإنسان العادي ليس له وسيلة اتصال بالمستقبل فإنه من المرجح أن يعتمد على الروح لسبر أغوار المستقبل، فهي نفحة من الله ولها قدرات عظيمة لا تدركها العقول.
الكثيرون منا لديهم فراسة فطرية وموهبة في استنباط طبائع الناس وشخصياتهم من سماتهم وملامحهم ، والكثير منا لا يعلم كيف يستدل من ملامح الناس ما يدل على شخصياتهم .. ..
أما أنواع الفراسة:
،1- فراسة ايمانية: سببها نور يقذفه الله في قلب عبده يفرق به بين الحق والباطل والصادق والكاذب،
،2- فراسة الرياضة: وهي تعتمد على تجرد النفس من العوالق، وتكون مشتركة بين المؤمن والكافر،
،3- الفراسة الخلقية: تعني الاستدلال بالخَلق على الخُلُق، ويمكن اكتسابها بالخبرة والتدريب ،
وما يمتلكه عامة الناس من بين هذه الأنواع فهي فراسة الرياضة التي تحدث عنها العلماء غير المسلمين واسهبوا في البحث فيها باسم الحاسة السادسة.
وعلم الفراسة علم قديم وتم تحديثه وقد وردت آيات كثيرة تستدل على سمات شخصية المؤمنين والمجرمين ومنها على سبيل المثال :
قال الله عز وجل في كتابه الكريم
نبسم الله الرحمن الرحيم
(يُُُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالأَقْدَامِ)"سورة الرحمن آية 41"
وقال جل شأنه في سورة "سورة الأعراف آية 46"
(وبينهما حجاب وعلى الاعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم ونادوا اصحاب الجنه ان سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون)
وفي سورة محمد الآية 30 قال جل وعلى :
(ولو نشاء لاريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول والله يعلم اعمالكم ) صدق الله العظيم
وقد وردت أحاديث شريفة عن الفراسة ومنها على سبيل المثال لا الحصر
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله، ثم تلا قول الله تعالى: إن في ذلك لآيات للمتوسمين ". رواه الترمذي.
عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إن لله عباداً يعرفون الناس بالتوسم" رواه الطبراني
وهناك قصص كثيرة عن هذه الحاسة,ولقد كان الشافعي لديه هذه العجايب ومنها:
جاء ثلاثة رجال يقال لهم الربيع والمزني والبويطي للإمام الشافعي فنظر إليهم رحمهم الله تعالى جميعا وقال للربيع : أنت تموت في الحديث ، وقال عن المزني : هذا لو ناظره الشيطان قطعه وجدله ، وقال للبويطي : أنت تموت في الحديد …!!
ويقول الربيع أحد الثلاثة : فدخلت على البويطي أيام المحنة ، فرأيته مقيدا مغلولا ..
.. وقد كان للإمام الشافعي قدرا عظيما عند أهل عصره حتى عند أنداده من أهل العلم ، حتى أنّ الإمام أحمد بن حنبل كان يقول : ستة أدعو لهم سحرا ، أحدهم الشافعي … ، هذا الإمام العظيم جاء في ترجمته عن ( تاريخ بغداد ) : أن أمه لما حملت به رأت كأن كوكب " المشتري " خرج من فرجها حتى أنقضّ بمصر ثم وقع في كل بلد منه شظية ، فتأول أصحاب الرؤيا أنه يخرج منها عالم يخص علمه أهل مصر .. ثم يتفرق في سائر البلدان ..
وقد كان الإمام الشافعي حجة عظيمة في كل علم ، لا يكاد يمر عليك علم من العلوم إلاّ وتجد له باعا فيه ، ومن العلوم التي درسها وأجاد فيها كعادته علوم الفراسة ومنها علم النجوم .. وقد نقل الإمام الذهبي في كتابه ( سير أعلام النبلاء ) عن الشافعي رحمهما الله تعالى أنه قال :
– خرجت إلى اليمن في طلب كتب الفراسة حتى كتبتها وجمعتها ..
– وهذا إبو نعيم في كتابه ( حلية الأولياء ) ينقل عن الشافعي أنه لما أنتهى من تعلم الفراسة في اليمن مرّ على رجل في الطريق إستضافه في بيته وأكرمه كرما شديدا … لكن الشافعي رحمه الله تعالى كان قد تفرّس في طبائع الرجل وعلم منها أنه ذو طبع خبيث ولئيم … فجعل يتقلب رحمه الله في فراشه طوال الليل وهو يقول : ماأصنع بهذه الكتب لو خابت فراستي في الرجل ..؟؟
لكنه لما أصبح وعزم على الرحيل قال الشافعي للرجل من باب رد الجميل : إذا قدمت مكة ومررت بذي طوى فاسأل عن الشافعي .. ، فقال له الرجل وقد بانت حقيقته : وهل أنا مولى لأبيك ..؟؟ ، وقدم له فاتورة إستضافته : الطعام بدرهمين ، وعطر بثلاثة دراهم ، وعلفا لدابتك بدرهمين … وهكذا ..!! وختم كلامه بشتم الشافعي رحمه الله تعالى ..
فقال الشافعي لغلامه أعطه مايريد ، وفرح رحمه الله تعالى بكتب الفراسة التي جمعها وعرف أنه لم تخب فراسته ..
– وكان من أقواله المأثورة رحمه الله تعالى في علم فراسة الأبدان : إحذر الأعور والأحول والأعرج والأحدب والأشقر والكوسج ، وكل من به عاهة ( خاصة من ولد بها ) في بدنه ..
– وقد جاءه رجل مرة ليسأله عن مسألة شرعية ، فقال له الشافعي رحمه الله : أنت نسّاج ..؟؟ ، فأجابه الرجل نعم وعندي أجراء …
– وجاءه مرة رجل يسأله مسألة فقال له الشافعي : من أهل صنعاء أنت ..؟؟ فقال : نعم .. قال الشافعي : فلعلك حداد ..؟؟ ، قال : نعم ..!!
– وروى أحد تلامذة الشافعي أنه إشترى له طيبا بدينار ، فسأله الشافعي : ممن إشتريت ..؟؟ ، فقال : من الرجل العطار الأشقر الأزرق .. فقال الشافعي : أشقر وأزرق ..؟؟ ، إذهب ورد العطر ، ماجاءني خير قط من أشقر …!!
وقد تعلّم رحمه الله تعالى في وقت مبكر من حياته علم النجوم والحساب بها لمعرفة ما تخبأه الأقدار ….!!! ، وقد أجاده كعادته في كل علم يتناوله … لكنه تاب منه وتركه بعد قصة لطيفة نقلها لنا الإمام الذهبي في كتابه سير أعلام النبلاء فقال :
– جلس الشافعي يوما وامرأته تطلق ( في حالة طلق وولادة ) ، فحسب ( يعني بالنجوم ) فقال : تلد جارية عوراء ، على فرجها خال أسود ، وتموت إلى يوم كذا وكذا .. .. فولدت زوجته كما قال ، فجعل على نفسه أن لا ينظر فيه أبدا ودفن تلك الكتب .. !!
– وقد روي عن الإمام الشافعي أنه قال : ليس من قوم لا يخرجون نساءهم إلى رجال غيرهم ( يقصد بذلك زواج الأقارب ) إلاّ جاء أولادهم حمقى ..
– وقد جاء في ترجمته رحمه الله تعالى أنه كان يجلس هو و( خليله ) محمد بن الحسن يتفرسان في الناس ..!! ، فمر رجل عليهما فقال محمد بن الحسن للشافعي : أحرز ، فقال الشافعي : قد رابني أمره ، إما أن يكون نجارا أو خياطا . قال الحميدي ( راوي القصة ) فقمت إليه فقلت ما حرفة الرجل .؟؟ فقال كنت نجارا وأنا اليوم خياط ..!!
ورغم أنه رحمه الله تعالى قد نهى تلميذه الربيع عن الإشتغال بالنجوم كونها تجر إلى التعطيل ، إلاّ أننا نقرأ فيما رواه أبو نعيم في الحلية أن الإمام الشافعي رحمه الله تعالى كان يقول : شيئان أغفلهما الناس النظر في الطب ، والعناية بالنجوم.