أمسك الأب بجهاز الريموت كنترول وأخذ يتفقد قنوات التليفزيون الواحدة تلو الأخري ، وما كاد أن يستقر علي إحداها حتي فتح ابنه أحمد باب الحجرة بسرعه وهو يقول :
– أرجوك يا أبي أريد أن أشاهد النشرة فى القناة الأولي فهناك خبر هام أريد مشاهدته …
ضغط الأب علي الريموت كنترول واستقرت علي شاشة جهاز التليفزيون نشرة الأخبار ، وبدأت النشرة وكان أول خبر عن حدوث زلزال فى اليابان ، ثم تلاه خبر عن إحدي المغنيات الأوربيات حيث نالت جائزة عن أفضل أغنيه هذا العام ، وبدت علي الشاشة صورة تلك المغنيه ..
تعجب الأب عندما شاهد ابنه منتبهاً بشغف لما يدور .. فقال لولده متسائلاً :
– لماذا أنت منتبه لهذا الخبر بالذات يا أحمد .؟
تكلم أحمد هو ناظر إلي التلفاز وشاخصاً بعينيه تجاهه ولا يلتفت يمنه أو يسرة ، قائلاً :
– إنني أتابع أخبار تلك المغنيه منذ زمن يا أبي فإنني معجب بها وبغنائها .
تعجب الأب مما يقول ابنه فحدثه قائلاً :
– ولماذا تفعل هذا ياولدي .؟ ألا تدري أن ذلك حرام .؟!
ضحك أحمد وهو يقول :
– يا أبي ، إن جميع أصدقائي يحبونها ، هي وغيرها من المغنيات الغربيات ، إنهن مشهورات فى بلدتنا أكثر من شهرتهن بأوروبا ..
ضغط الأب علي أحد أزرار الريموت كنترول فأغلق التليفزيون ، ونظر لأحمد نظره عدم الرضا .
انزعج أحمد من عبوس وجه والده فسأله مستفسراً :
– ماذا حدث يا أبي .؟ لم أنت منزعج هكذا .؟
رد الأب علي صغيره قائلاً :
– إن كلامك قد أزعجني يا أحمد ، فنحن مؤمنون يا ولدي ، كما إنني ربيتك علي حب الله ، ورسوله ، وفي النهاية تتبع تلك المغنيه المقززة ، أتريد أن تتزوج امرأه تشبه تلك المرأه يا أحمد .؟
يرد أحمد دون تردد :
– بالطبع لا يا أبي .
يتحدث الأب معه بسرعة :
– إذا أترضي أن تري أمك وأختك بتلك الملابس الخليعة يا أحمد .؟
يحمر وجه أحمد خجلاً ، ويجيب علي والده بعد ان طأطأ رأسه لأسفل وهو قائلاً :
– بالطبع لا يا أبي .
ـأسـمـاء بـنـت أبـي بـكـرٍ – رضي الله عنها –
** الأب :
– إذا لماذا تعجب بامرأه لا تريد لأمك أو أختك أن تكون مثلها ، ولكن لماذا لا تعجب بإمرأه مسلمة مثل أسماء بنت أبي بكر مثلاً ، تلك العظيمة التي تزوجت رجلاً من أشجع شجعان المسلمين ، وأنجبت أسداً من أسود المسلمين ، أبوها أبو بكر الصديق رضي الله عنه وٍ أرضاه خليفة رسول ، وزوجها الزبير أشجع الشجعان …. لماذا لا تكون امرإة كهذه تعجب بها .؟
هنا دخلت حنان فى الحديث ، فهي كانت جالسة منذ البداية ، وأرادت أن تنفذ أخاها من ذلك المأذق المحرج الذي وضع نفسه فيه ، فارتمت فى أحضان والدها وهي تقبله تقول :
– اعلم أنك قرأت الكثير عن صاحبيات جليلات ، أرجوك يا أبي احكي لي عن هؤلاء ، فإنني أتمني أن أجلهن قدوة لي فى حياتي المقبلة .
احمر وجه أحمد خجلاً وقال لوالده :
– نعم يا أبي أرجوك أخبرنا عن أحوالهن وحياتهن وكل ما يتعلق بهن .
قال الأب :
– بالطبع يا أبنائي ولكن أولاً ، أريدكم أن تتوضئوا ، وتصلوا الظهر وسنبدأ بعد الظهر بإذن الله .
وٍبــعـــد ـآ‘لـصــلاة
جلس الأب مع أبنائه حنان وأحمد ، وفتح كتاباً كبيراً أخذه من مكتبته المتخمة بالكتب ، وقلب صفحاته وهو يقول :
– هذا الكتاب يا أبنائي عن بنات الصحابة ، وهو من الكتب القيمة التي توضح دورهن رضي الله عنهن فى حياة آبائهن ، وأزواجهن ، وسنبدأ بالسيدة أسماء بنت أبي بكر ، هل سمع أحدكم عنها من قبل ..؟
رفع أحمد يده وهو يقول :
– نعم يا أبي إنها ذات النطاقين ، بنت سيدنا أبو بكر الصديق صاحب رسول الله صلي الله عليه وسلم ، وهي أول فدائية فى الإسلام ، ولكنني لا أعلم ما معني كلمة فدائية ، هل حاربت مع المسلمين فى الغزوات أسماء رضي الله عنها .. ذلك الحديث العظيم الذي يشير بأصابعه كلها إلي شجاعة أبيها الصديق ، يوم أن قام خطيباًُ فى الناس فى مرحلة كتمان الدعوة ، وكان رسول الله صلي الله عليه وسلم جالساً ، فكان أبو بكر أول خطيب دعا إلي الله وإلي رسول الله ، وعند ذلك ثار المشركون علي أبي بكر وعلي المسلمين فضربوه فى نواحي المسجد الحرام ضرباً شديداً ، وضرب أبو بكر من قبل عتبة بن ربيعة ضرباً مبرحاً حتي غشي عليه ، ولما أفاق فى آخر النهار ، كان أول ما سأل عنه :
– ماذا فعل رسول الله .؟!
ولما علم أبو بكر أن رسول الله صلي الله عليه وسلم بخير ، وهو سالم صحيح فى دار الأرقم بن أبي الأرقم ، أتاه وبصحبته أمه أم الخير سلمي بنت صخر ، وهنالك طلب من رسول الله صلي الله عليه وسلم أن يدعو الله لها ، كي تكون فى ركب المؤمنين ، فدعا لها رسول الله صلي الله عليه وسلم ودعاها إلي الله تعالي فأسلمت وكانت من زمرة السعداء رضي الله عنها ، ولعل أسماء رضي الله عنها كانت من أعظم النساء سروراً بإسلام جدتها أم الخير ودخولها فى دين الله ، ورأت الأسرة البكرية قد انتظم عقدها تقريباً ، وها هي تتوجه إلي الله عز وجل بقلب سليم صاف كي يلهم جدها أبا قحافة الإسلام ، وكذلك عبد الرحمن بن أبي بكر وهو أخوها لأبيها وشقيق أختها عائشة ..
زٍوٍاج أسـمـاء رٍضي الله عنـهـا
كان الزبير بن العوام رضي الله عنه أحد الفتية القـُرٍشيين الذين أسلموا علي يد أبي بكر الصديق رضوان الله عليه ومنذ اللحظات الأولي لإيمان الزبير وراح يقدم خدماته للإسلام ، وكغيره من المؤمنين السابقين طالته يد الأذي ونالت منه يد الظلم والعدوان لكنه صبر حتي غداً حواري رسول الله صلي الله عليه وسلم وفارسه ، وكان الزبير فتي شجاعاً ، استغني بدينه عن دنياه ، وآثر الحياة الآخرة عن الحياة الدنيا ، فلا يملك من حطام الدنيا سوي فرس لا يستطيع الاستغناء عنها ، نعم لم يكن الزبير يملك غيرها ، وعندما أحب أن يصل نسبه بنسب الأسرة البكرية العريقة وافق به الصديق رضي الله عنه زوجاً لإبنته أسماء العريقة حسباً ونسباً ، الكريمة وسطاً وجاهاً ، الوافرة عقلاً وجمالاً ، وسري نبأ زواج الزبير من أسماء فى بيوت مكه وأسرها ، وعلموا أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قد رضي بهذا الزواج ، ورضي عن هاذين الزوجين السابقين إلي كل مكرمة وفضيلة ….
وبدأت أسماء رحلة الحياة الزوجية وهي تغمرها سعادة الإيمان ، وأن كانت حياة الزبير قاسية وتكتنفها المشقة والمصاعب ، وكانت تتقبل تلك الحياة بنفس راضية صابرة ، تحمل الإخلاص والوفاء لزوجها الزبير رضي الله عنه ولعل أسماء كانت تستعذب هذه المصاعب فى سبيل الله عز وجل ، ولكي تخطي بمرضاة زوجها ، وهي علي يقين بأن الله لا يضيع أجر المحسنين ، ومن الجدير بالذكر أن أسماء هي أكبر أولاد أبي بكر الصديق رضي الله عنهما وأرضاهما ، لئن كانت أسماء رضي الله عنها من أولي بنات الصحابة إسلاماً ، لقد شاء الله أن تكون متفردة فى يوم الهجرة العظيم ، وأن تسجل شجاعة نادرة فى دنيا النساء علي مدار التاريخ ، وتاريخ النساء …
عندما أذن الله بالهجرة للمدينة سارع كثير من المسلمين بالهجرة ليكونوا فى عداد المهاجرين إلي الله ورسوله ، وكان المؤمنون المهاجرون يخرجون جماعات ، ولكن قريشاً علمت ذلك فراحت قريش ترصد طريق المدينه كي تقتل المسلمين وتحاربهم وعلم المسلمون ذلك ، فأخذوا يهاجرون فراداً ليلحقوا بمن سبقهم ..
وجاء أبو بكر الصديق رضوان الله عليه يستأذن الحبيب المصطفي صلي الله عليه وسلم فى الهجرة ..
فقال صلي الله عليه وسلم : " لا تعجل لعل الله أن يجعل لك صاحباً "
وأشرقت نفس أبو بكر بهذا الخبر المبارك ، لأنه علم بأن رسول الله يريد مصاحبته فى الهجرة ، سيصحب أفضل الخلق فى رحلة الحق إلي دار الأنصار فما أعذبه من خبر ، وما أحلاها من صحبه .. وزف أبو بكر رضي الله عنها إلي ابنتيه ، أسماء وعائشة ذلك الخبر الميمون ، وتلك الصحبة فشعرتا بالسرور يلفهما لإخبار رسول الله صلي الله عليه وسلم أباهما أبا بكر رفيق الرحلة الكريمة إلي عرين الأنصار ..
وجاء الإذن الإلهي لرسول الله صلي الله عليه وسلم بالهجرة إلي المدينة المنورة خرج رسول الله صلي الله عليه وسلم فى وضح النهار وخذل الله المشركين فلم يبصروه وانطلق الحبيب المصطفي صلي الله عليه وسلم إلي دار صديقه أبي بكر ، فرأته أسماء ابنة الصديق فقالت لأبيها :
– يا أبتي ، هذا رسول الله صلي الله عليه وسلم متقنعاً ، فى ساعة لم يكن يأتينا فيها ..
فقال أبو بكر رضي الله عنه :
– فداء له أبي وأمي ، والله ما جاء به فى هذه الساعة إلا أمراً .
وخرج إليه أبو بكر مهرولاً ، فاستأذن رسول الله صلي الله عليه وسلم ، فأذن له ، فدخل ، فقال لأبي بكر : أخرج من عندك .
وكانت أسماء وعائشة عنده فقال أبو بكر رضي الله عنه :
– إنما هما ابنتاي ، بأبي أنت يارسول الله .
فقال النبي – صلي الله عليه وسلم – : " فإني قد أذن لي فى الخروج " ..
فقال أبو بكر وهو يبكي من الفرح :
– الصحبة يارسول الله .
فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم : " نعم "
قالت عائشة رضي الله عنها : والله ماشعرت قط قبل ذلك اليوم أن أحداً يبكي من الفرح حتي رأيت أبا بكر يبكي يؤمئذ ، وكانت أسماء ذات النطاقين أكبر من عائشة ببضع عشرة سنة ، ولقد هاجرت رضي الله عنها حاملاً بعبد الله بن الزبير . وتقول رضي الله عنها فى ذلك الموضوع :
لما توجه النبي – صلي الله عليه وسلم – من مكة حمل أبو بكر معه جميع ماله ، وخمسة آلاف ، أو سته آلاف ، فأتاني جدي أبو قحافة وقد عمي ، فقال :
– إن هذا قد فجعكم ، بماله ونفسه ( يقصد أبو بكر ) ، فقلت :
– كلا ، قد ترك لنا خيراً كثيراً فعمدت إلي أحجار ، فجعلتهن فى كوة البيت وغطيت عليها بثوب ، ثم أخذت بيده ، ووضعتها علي الثوب
– أما إذ ترك لكم هذا ، فنعم .
تعطينا السيدة أسماء درساً فى حسن إطاعتها لزوجها ، والقيام بشئونه فتقول رضي الله عنها :
– تزوجني الزبير بن العوام وماله شئ غير فرسه فكنت أسوسه وأعلفه ، وأدق لناضحة النوي ، وأستقي وأعجن ، وكنت أنقل النوي من أرض الزبير ، التي أقطعه رسول الله صلي الله عليه وسلم علي رأسي ، وهي ثلثي فرسخ ، فجئت يوماً والنوي علي رأسي ، فلقيت رسول الله صلي الله عليه وسلم ومعه نفر ، فدعاني .. فقال :
– إخ إخ ، ليحملني خلفه ، فاستحييت ، وذكرت الزبير وغيرته قالت :
– فمضي ، فلما أتيت ، أخبرت الزبير ، فقال :
– والله ، لحملك النوي كان أشد علي من ركوبك معه ..!
قالت : حتي ارسل إلي أبو بكر بعد خادم ، فكفتني سياسة الفرس ، فكأنما أعتقني .
ويحكي لنا الزبير نفسه عن مدي أهمية السيدة أسماء فى الإسلام ، حيث قال : نزلت هذه الآية فى أسماء وكانت أمها يقال لها " قتيلة " ، جاءتها بهدايا ، فلم تقبلها ، حتي سألت النبي فنزلت : " لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين " ..الممتحنه :8
وتحكي السيدة أسماء عن هذا الموضوع بأنها سألت رسول الله صلي الله عليه وسلم :
– يارسول الله ، إن أمي قدمت ، وهي مشركة راغبة ، أفأصلها ..؟
قال : نعم .. صلي أمك .
وأرادت السيدة أسماء أن تولكنها قبل أن تهاجر نظرت إلي بطنها الذي استقر فيه ابنها الذي لم يري النور بعد ، إنها في الأشهر الأخيرة من الحمل وبرغم الآلام التي تواجهها إلا أنها تحاملت علي نفسها وخرجت من مكة قاصدة المدينة حتي تترك أرض الكفر والنفاق وتذهب إلي أرض البر والتقوي والعمل الصالح ….
وفي المدينه كان الحقد يأكل قلوب اليهود عندما شاهدوا المسلمين يتزايدون يوماً بعد أخر ، فماذا يفعلون .؟ هل يقاتلونهم .؟ ويخالفون طبع الخسة الذي تأصل بهم واستقر ببواطن شخصيتهم .
أم يرضون بالأمر الواقع ، لا إنها ليست عادة اليهود فإنهم لا يقاتلون ، ولا يرضون بالأمر الواقع ، ولهذا هداهم تفكيرهم إلي شئ فظيع وخطير ، وهو السحر للمسلمين ، حيث اجتمع حاخاماتهم وظلوا يسحرون للمسلمين حتي بدا لهم بأن سحرهم سيؤتي بثماره ..
وٍلادة عبد الله بـن ـآ‘لـزبـيـرٍ رضي الله عنهما
أشاع اليهود أن نساء المسلمين لن تلد أبداً ولن تشهد المدينة أي وليد من أبناء المسلمين قط وعلي مر العصور …
فخاف المسلمون علي أنفسهم من أن ينقطع نسلهم ولكن كان رد الله علي كيد اليهود سريع ، حيث جاء السيدة أسماء المخاض وهي فى طريق هجرتها فى "قباء" عند مشارف المدينه ونزل الجنين أرض المدينة فى نفس الوقت الذي كان ينزلها المهاجرين من أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم ، وفرح المسلمون جميعاً بهذا المولود فهو أول مولود يولد فى المدينة ، كما انه هو أيضاً الدليل الواضح علي كذب اليهود وحقدهم ، فحمله المسلمون وطافوا به شوارع المدينه كلها وهم مهللين ومكبرين ..
الله أكبر … الله أكبر … وحمل الصحابة ذلك المولود الصغير إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم فى داره فقبله الرسول صلي الله عليه وسلم ووضع ريقه الشريف فى فمه فكان أول شئ يدخل جوفه هو ريق الرسول صلي الله عليه وسلم …
نشـأة عبد الله بـن ـآ‘لـزبـيـرٍ رضي الله عنهما
لقد راح الطفل ينمو نمواً سريعاً ، وكان خارقاً فى حيويته وفطنته وصلابته ، ومرت السنون سريعة ومتلاحقة حتي كبر عبد الله بن الزبير ولكنه لم يبلغ مرحلة الرجولة فى عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم ولكنه تعلم منه الكثير مما جعله رجلاً يعتمد عليه وكان زاهداً فى الدنيا ، ورعاً تقياً لا يخشي شيئاً سوي غضب الله عليه أو مخالفة أوامر رسوله صلي الله عليه وسلم
وإرتدي عبد الله بن الزبير مرحلة الشباب ، فكان شبابه طهراً ، وعفه ، ونـُسكاً ، وبطولة تفوق الخيال ومضي مع أيامه وقدره لا تتغير خلائقه إنما هو رجل يعرف طريقه ويقطعه بعزيمة جبارة ، وإيمان وثيق وعجيب ..
وأصبح " عبدالله بن الزبير " فارساً مغواراً ، محارباً فى سبيل الله لا يخش فى الله لومة لائم حتي جاءت معركة إفريقية التي كان مايزال عمره فيها لم يتجاوز السابعة والعشرين بعد ولكن كان له فى هذه المعركة مواقف جليلة وعظيمة حيث وقف المسلمون فى عشرين ألف جندي أمام عدو قوام جيشة مائة وعشرون ألفاً …
فطنة عبد الله بـن ـآ‘لـزبـيـرٍ رضي الله عنهما
و دارت رحي الحرب .. وأصبح المسلمون فى خطر عظيم فإنهم كادوا أن يهزموا ويولوا مـُدبرين ، مهزومين … ولكن نظر عبدالله بن الزبير نظرة ثاقبة ( فاحصة )علي قوات العدو ، فعرف مصدر قوتهم وهو الملك نفسه والذى كان أيضاً هو قائد الجيوش ، فوجده عبدالله بن عباس يصيح فى جنوده بصوت هسور ويحرضهم علي القتال بطريقة تجعلهم يحاربون بطريقة عجيبة فأدرك " عبدالله بن الزبير " أن المعركة لن يحسمها سوي سقوط هذا القائد العنيد …
وٍلـكـن كـيـف …
هل يدخل وحده وسط تلك الجموع الغفيرة من الجنود .؟؟ هل يهجم من الخلف .؟ ماذا يفعل .؟ وأخيراً آتته الفرصة وألهمه الله فكرة جيدة فنادي فى بعض إخوانه من المسلمين قائلاً لهم : احموا ظهري ، واهجموا معي .
وإخترق الصفوف كالسهم صامداً لا يوقفه شيئاً ولا ينظر إلي شئ سوي قلب " الملك " ، إنه لا يري سواه حتي اقترب منه وطعنه طعنة أردته قتيلاً ، ثم استدار للجنود الذين يحرسون الملك وقتلهم هو ومن معه من المسلمين ثم صاحوا جميعاً .. الله أكبر …الله أكبر … ورفعوا الراية الإسلامية مكان القائد فرأي المسلمون جميعاً رايتهم مرفوعه هناك حيث كان يقف قائد البربر يصدر أوامره ويحرض جيشه علي القتال فعرف المسلمون أنهم منتصرون بإذن الله فأغاروا عليهم إغارة رجل واحد حتي انتصروا وانتهي كل شئ لصالح المسلمين .. وعلم قائد الجيش المسلم عبد الله بن أبي السرح بالدور العظيم الذي قام به " ابن الزبير " فجعل مكافأته أن يحمل البشري وخبر النصر بنفسه إلي المدينة وإلي خليفة المسلمين وقتها وهو سيدنا عثمان بن عفان …
وٍصف عبد الله بـن ـآ‘لـزبـيـرٍ رضي الله عنهما
وبالرغم من قوته هذه إلا أنه كان زاهداً عابداً متواضعاً فلا يطغيه مال أو سلطان ولا تلهيه شهوة أو لذة عن عبادة الله .. فقد قال " عمر بن عبد العزيز " يوماً لابن أبي " مليكة " صف لنا عبدالله بن الزبير ، فقال :
– والله مارأيت نفساً ركبت بين جنبين مثل نفسه …ولقد كان يدخل فى الصلاة فيخرج من كل شئ إليها ( لا ينتبه إلي أي شئ سواها ) وكان يركع أو يسجد فتقف العصافير علي ظهره وكاهله لا تحسبه من طول ركوعه وسجوده إلا جداراً أو ثوباً مطروحاً ( أي من كثرة خشوعه فى الصلاة كان ينسي كل مايدور حوله ، كما أنه كان كثير الركوع والسجود حتي أن الطيور تحسبه حائط أو جدار فتقف عليه وهي مطمئنة ) … ولقد مرت قذيفة منجنيق ( وهي أداة تشبه المدفع فى أيامنا هذه ) ، بين لحيته وصدره وهو يصلي فوالله ما أحس بها ولا اهتز لها ولا قطع من أجلها ولا تعجل ركوعه …
ويروي التاريخ الكثير عن عبادة " عبدالله بن الزبير " وعن صلاته وإذا ما قرأ عنها أحد اعتقد أنها قصة من وحي الخيال ، فإنك تجده يقول الليل طوال عمره متعبداً لله طالباً رضاه وعطفه ، كما إنك تجده قارئاً لكتاب الله ، متبعاً لسنة نبيه – صلي الله عليه وسلم – وأمه السيدة " أسماء " بنت الصديق ، وخالته عائشة زوجة رسول الله – صلي الله عليه وسلم – فلا يجهل حقه إلا من أعماه الله …
إنصـاف عبد الله بـن ـآ‘لـزبـيـرٍ رضي الله عنهما
ولقد كان صموده فى وجه " معاوية " وابنه " يزيد " بطولة خارقة حقاً ، فقد كان يري أن "يزيد بن معاوية بن أبي سفيان " آحر رجل يصلح لخلافته المسلمين ، وهو محق فى رأيه ، ف " يزيد " هذا كان كما روت كتب السير فاسداً فى كل شئ ، ولم تكن له فضيلة واحدة تشفع لجرائمه وآثامه التي رواها لنا التاريخ … فكيف يبايعه ابن الزبير …؟؟
لقد قال كلمة الرفض قوية صادعة لمعاوية وهو حي ، وها هو ذا يقولها لأبنه يزيد بعد أن صار خليفة ، وأرسل إلي ابن الزبير يتوعده بشر مصير ..
هنالك قال ابن الزبير : لا أبايع السكير أبداً … ثم أنشد :
ولا ألين لغير الحق أسأله …. حتي يلين لضرس الماضغ الحجر
عبد الله بـن ـآ‘لـزبـيـرٍ رضي الله عنهما والحجاج بن يوسف الثقفي
وكان عبدالله بن الزبير أمير المؤمنين ، متخذاً من " مكة المكرمة " خلافته ويمتد حكمه علي الحجاز ، واليمن ، والبصرة ، والكوفة ، وخراسان ، والشام ، كلها عدا " دمشق " حيث بايعه مسلموا كل تلك البلاد علي الخلافة ولكن ذهب إليه رجلاً يدعي " الحجاج بن يوسف الثقفي " الذي قال عنه الإمام العادل " عمر بن عبد العزيز " :
لو جاءت كل أمة بخطاياها وجئنا نحن بالحجاج وحده لرجحناهم جميعاً .
فقد ذهب إليه الحجاج علي رأس جيش جرار وحاصر مكة ومنع أهلها الطعام والشراب قرابة ستة أشهر كي يجبرهم علي ترك مساندة عبدالله ابن الزبير وتركه وحيداً بلا جيش أو أعوان ….
وتحت قسوة الجوع القاتل استسلم الكثيرون ووجد عبدالله نفسه وحيداً لا يوجد إلا عدد قليل من الأتباع فذهب عبدالله إلي أمه أسماء بنت أبي بكر وأخبرها عن الموقف الذي هو فيه وماذا يفعل هو وأصحابه ..؟
تثبيت أسماء لعبد الله بـن ـآ‘لـزبـيـرٍ رضي الله عنهما
فقالت له أسماء رضي الله عنها :
– يابني أنت أعلم بنفسك إن كنت تعلم أنك علي حق وتدعوا إلي حق فاصبر عليه حتي تموت في سبيله ، ولا تمكن من رقبتك غلمان بني أمية ، وإن كنت تعلم أنك أردت الدنيا ، فبئس العبد أنت ، أهلكت نفسك وأهلكت من قتل معك …
قال عبدالله :
– والله يا أماه ما أردت الدنيا ولا ركنت إليها ، وماجرت فى حكم الله أبداً ولا ظلمت ولا غدرت …
قالت له أسماء :
– إني لأرجو الله أن يكون عزائي فيك حسناً إن سبقتني إلي الله أو سبقتك ، اللهم ارحم طول قيامه فى الليل ، وظمأه فى الهواجر وبره بأبيه و بي …اللهم إني أسلمته لأمرك فيه ورضيت بما قضيت فأثبني فى عبدالله ابن الزبير ثواب الصابرين الشاكرين . وتعانق الابن وامه وودع كلاً منهما الآخر علي أمل بلقاء فى الآخرة إن شاء الله …
وقاد " عبدالله بن الزبير " جيشه والتحم بالجيش الجرار الذي علي رأسه " الحجاج بن يوسف الثقفي " و دارت رحي المعركة لمدة ساعة كاملة وكانت معركة لا تكافؤ فيها بسبب كثرة جيش الحجاج ولكن ثابر " عبدالله بن الزبير " واستمر فى القتال حي ضربه أحد الجنود ضربة أردته قتيلاً وبعد ما مات "عبدالله" استسلم باقي الجنود منهزمين وراضين بالأمر الواقع ومن قوة جيش الحجاج …
ولكن الحجاج كان أحقر مما اعتقد البعض حيث أحضر جسد " عبدالله بن الزبير " وقطع رأسه وبعثها إلي عبد الملك بن مروان فى العراق ، وصلب جسده علي صليب كبير بدون رأس ، وبعد انتهاء المعركة وصلب " عبدالله بن الزبير " خرجت أمه السيدة " أسماء " رضي الله عنها ، وعمرها يومئذ سبع وتسعون سنة خرجت لتري ابنها المصلوب فوقفت أمامه لا تتحرك ولم يترك من عينها دمعة واحدة حتي اقترب منها " الحجاج" قائلاً لها :
– يا أماه إن أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان قد أوصاني بك خيراً فهل لك من حاجة (طلب)…؟
فصاحت به قائلة :
– لست لك بأم … إنما أنا أم هذا المصلوب علي الثنية …
وما بي إليكم من حاجة … ولكني أحدثك حديثاً سمعته من رسول الله صلي الله عليه وسلم قال : " يخرج من ثقيف كذاب ومـُبير …" فأما الكذاب ( تقصد مُسيلمة الكذاب الذي ادعي النبوة ) فقد رأيناه ، وأما المبير فلا أراه إلا أنت ..!!
وتقدم منها عبدالله بن عمر – رضي الله عنها وأرضاهما – وعزاها فى ولدها عبدالله بن الزبير ودعاها إلي الصبر وعدم الحزن عليه لأنه شهيد فى الجنه إن شاء الله .
فأجابته قائلة :
– وماذا يمنعني من الصبر وقد أهدي رأس يحي بن زكريا إلي بغية من بغايا بني إسرائيل " تقصد سالومي " ..!!
وٍفــاة أسـمـاء بـنـت أبـي بـكـرٍ رضي الله عنها
وعن ابن أبي مليكه ، قال :
دخلت علي أسماء بعدما أصيب ابن الزبير ، فقالت :
" بلغني أن هذا ( تقصد الحجاج ) صلب عبدالله ، اللهم لا تمتني حتي أوتي بع فأحنطه وأكفنه
فأتيت به بعد ، فجعلت تحنطه ( أي تطيبه ) بيدها ، وتكفنه ، بعدما ذهب بصرها .
ومن وجه آخر ، عن ابن أبي مليكه :
– وصلت عليه ، وما أتت عليه جمعة إلا ماتت .
قال ابن سعد : ماتت بعد ابنها بليال ، وكان قتله لسبع عشرة خلت من جمادي الأول سنة ثلاث وسبعين ..
قال الذهبي : كانت خاتمة المهاجرين والمهاجرات رضي الله عنها .
إن أسماء ابنة الصديق أبي بكر واحدة من أفضل الأمثال والأعلا التي يجب أن تتبعها كل أم مسلمة ، أهناك كلمات أروع مما قالت عن قطع رأس ابنها عن جسده وصلبه .؟!
وأيـضـا تكلم أحمد مع والده قائلاً :
– نعم يا أبي إنني أريد أن أعرف قصة حياة السيدة عائشة أم المؤمنين .
ابتسم الأب وهو يقول :
– حسناً يا أبنائي ، سنتحدث عن السيدة عائشة رضي الله عنها وأرضاها ، ولكن أولاً أخبروني ماذا تعملون عنها .؟
يعلو صوت حنان وهي تقول :
– إنها زوجة الرسول صلي الله عليه وسلم ، وهي أخت السيدة أسماء .
يبتسم الأب ويربت علي ظهر صغيرته حنان وهو يقول :
– أحسنتي يا صغيرتي ، فهي أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها زوجة الرسول ، وبنت أبي بكر الصديق ، فهي أفقه نساء الأمة علي الإطلاق ، أمها أم رومان بنت عامر بن عويمر …
زٍوٍاج ـآ‘لـرٍسـوٍل صلوات الله عليه .. من السيدة عائشة رضي الله عنها
وقد هاجرت عائشة مع والدها أبو بكر الصديق وخطبها نبي الله صلي الله عليه وسلم بعد وفاة خديجة بنت خويلد ، وذلك قبل الهجرة ، ودخل بها فى شوال سنة اثنين هجرية …
وقد ورد عن عائشة عدد كبير من أحاديث رسول الله صلي الله عليه وسلم ، وعنها أنها قالت : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : " أريتك فى المنام ثلاث ليال ، جاء بك الملك في سرقة من حرير ، فيقول : هذه امرأتك ، فأكشف عن وجهك فإذا أنت فيه ، فأقول : إن يك هذا من عند الله يمضه " …
وروي أن جبريل عليه السلام جاء بصورتها فى خرقة حرير خضراء إلي النبي صلي الله عليه وسلم فقال : " هذه زوجتك في الدنيا و الآخرة " …
قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : " كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران ، وآسية امرأة فرعون ، وفضل عائشة علي النساء كفضل الثريد علي سائر الطعام "….
ولقد لجأ المنافقون فى المدينه إلي معاداة الرسول ، بأسلوب تظهر فيه الخسة وهذا الأسلوب يعد من أقذر الأساليب التي استخدمها المنافقون في حياة الرسول صلي الله عليه وسلم بعدما قويت شوكة الإسلام ، والإفك والإفتراء هما السلاحين الذين استخدموهما لقتل شرف أعز نساء المسلمين إلي الله ورسوله ، وظهر ذلك جلياً فى غزوة بني المصطلق ، عندما أتت الأنباء رسول الله صلي الله عليه وسلم بأن هذه القبيلة تجمع له وتستعد لقتاله وأن سيدها الحارث ابن أبي ضرار قد استكمل عدته لهذا الغرض ، فسارع رسول الله صلي الله عليه وسلم بالمسلمين ليطفئ الفتنة قبل اندلاعها ، وخرج مع رسول الله صلي الله عليه وسلم هذه المرة عدد من المنافقين لم يعتادوا الخروج معه قبلاً ، ولعل ثقتهم بانتصار رسول الله صلي الله عليه وسلم أغرتهم بالذهاب معه ، ابتغاء لدنيا لا انتصاراً لدين …
وانتهي المسلمون إلي ماء يسمي ( المريسع ) اجتمع لديه بنو المصطلق ، فأمر رسول الله صلي الله عليه وسلم عمر بن الخطاب أن يعرض الإسلام علي القوم ، فنادي عمر فيهم : قولوا لا إله إلا الله ، تمنعوا بها أنفسكم وأموالكم .
فأبوا وترامي الفريقان بالنبال ..
ثم أمر النبي صلي الله عليه وسلم صحابته فحملوا عليهم حملة رجل واحد ، فلم يفلت من المشركين أحد ، إذ وقعوا جميعاً أسري بعدما قتل منهم عشرة أشخاص ولم يستشهد من المسلمين إلا رجل واحد قتل خطأ ، وسقطت القبيلة بما تملك ، في أيدي المسلمين . وبالرغم من هذا الانتصار الساحق ، إلا أن أعمال المنافقين عكرته ، وأنست المسلمين حلاوته ..
ومن هذه الأعمال الشائنة ما قالوه عن السيدة عائشة رضي الله عنها ، وصفوان بن المعطل ، فعند عودة الرسول صلي الله عليه وسلم من غزوة بني المصطلق إلي المدينة ، شاع حديث شاذ غريب ، واجتهد خصوم الله ورسوله أن ينقلوا شرره فى كل مكان قاصدين أن يدمروا الرسول فى بيته ، وان يسقطوا مكان أقرب الرجال لديه ، وللوصول إلي هذه الغاية استباح ابن أبي لنفسه أن يرمي بالفحشاء سيدة لم تجاوز مرحلة الطفولة البريئة ، لا تعرف الشر ، ولا تهم بمنكر ، ولا تحسن الحياة إلا في فلك النبوة العالي ، واختفي ابن أبي كالعقرب ، ثم شرع يلسع الغافلين ، وقبع هذا المنافق فى جنح الظلام وبدأ ينفث الإشاعات المريبة …
السيدة عائشة رضي الله عنها وغزوة بني المصطلق
وإليك سرداً لهذا الحديث المفتعل علي لسان السيدة عائشة نفسها : قالت السيدة عائشة :
– كان رسول الله صلي الله عليه وسلم إذا أراد سفراً أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرجت معه ، لما كانت غزوة بني المصطلق خرج سهمي عليهن ، فارتحلت معه ، قالت :
– وكان النساء إذ ذاك يأكلن العلق ، لم يهيجن اللحم فيثقلن ، وكنت إذا رحل بعيري جلست فى هودجي ، ثم يأتي القوم فيحملونني ، يأخذون بأسفل الهودج فيرفعونه ، ثم يضعونه علي ظهر البعير ويشدونه بالحبال وبعدئذ ينطلقون …
قالت : فلما فرغ رسول الله صلي الله عليه وسلم من سفره ذاك توجه قافلاً ، حتي إذا كان قريباً من المدينة نزل منزلاً فبات فيه بعض الليل ، ثم أذن مؤذن في الناس بالرحيل ، فتهيئوا لذلك وخرجت لبعض حاجتي ، وفي عنقي عقد لي ، فلما فرغت انسل من عنقي ولا أدري ، ورجعت إلي الرحل فالتمست عقدي فلم أجده !!
وقد أخذ الناس فى الرحيل ، فعدت إلي مكاني الذي ذهبت إليه فالتمسته حتي وجدته ، وجاء القوم الذين كانوا يرحلون لي البعير ، وقد كانوا فرغوا من إعداده فأخذوا الهودج وهم يظنون أني فيه كما كنت أصنع ، فاحتلموه فشدوه علي البعير ، ولم يشكوا أني به ، ثم أخذوا برأس البعير وانطلقوا !!! ورجعت إلي المعسكر ومافيه داع ولا مجيب لقد انطلق الناس قالت :
– فتلففت بجلبابي ثم أضجعت فى مكاني وعرفت أني لو افتقدت لرجع الناس إلي فو الله إني لمضجعه ، إذ مر بي ( صفوان بن المعطل السلمي ) .. وكان قد تخلف لبعض حاجته ، فلم يبت مع الناس ، فرأي سوادي فأقبل حتي وقف علي ، وقد كان يراني قبل أن يضرب علينا الحجاب ، فلما رآني قال :
– إنا لله وإنا إليه راجعون . ظعينة رسول الله ..؟
وانا متلففة فى ثيابي ، ما خلفك يرحمك الله . قالت :
– فما كلمته ، ثم قرب إلي البعير فقال :
– اركبي ، واستأخر عني .
قالت : فركبت ، وأخذ برأس البعير منطلقاً يطلب الناس ، فوالله ما أدركنا الناس وما افتقدت حتي أصبحت ونزلوا ، فلما اطمأنوا طلع الرجل يقود بي البعير ، فقال أهل الإفك ما قالوا.
وارتج العسكر و والله ما أعلم بشئ من ذلك .
ـآ‘لـسـيـدة عـائـشـة رضي الله عنها تـشـكـوٍ
ثم قدمنا المدينة فلم ألبث أن اشتكيت شكوي شديدة ، وليس يبلغني من ذلك شئ ، وقد إنتهي الحديث إلي رسول الله وإلي أبوي ، وهم لا يذكرون لي منه كثيراً ولا قليلاً ، إلا أني قد أنكرت من رسول الله صلي الله عليه وسلم بعض لطفه بي في شكوي هذه ، فأنكرت ذلك منه ، كان إذا دخل علي وعندي أمي تمرضني قال : كيف تيكم .؟
لا يزيد علي ذلك . قالت :
– حتي وجدت ( غضبت ) فى نفسي ، فقلت :
– يارسول الله ، حين رأيت من جفائه لي :
– لو أذنت لي فانتقلت إلي أمي ..؟
قال : لا عليك
قالت :
– فانقلبت إلي أمي ولا علم لي بشئ مما كان ، حتي نقهت من وجعي بعد بضع وعشرين ليلة ، وكنا قوماً عرباً لا نتخذ فى بيوتنا الكنف ( دورات المياه ) ، التي تتخذها الأعاجم ، نعافها ونكرهها ، إنما كنا نخرج فى فسح المدينة ، وكانت النساء يخرجن كل ليلة فى حوائجهن …
ـآ‘لـسـيـدة عـائـشـة رضي الله عنها تـعـلـم بـالـخـبـرٍ
فخرجت ليلة لبعض حاجتي ومعي أم مسطح ، فوالله إنها لتمشي معي إذ عثرت فى مرطها ، فقالت : تعس مسطح .؟
فقلت : بئس لعمر الله ، ما قلت لرجل من المهاجرين شهد بدراً ..!!
قالت : أو ما بلغك الخبر يابنت أبي بكر ..؟
قلت : و ما الخبر ..؟
فأخبرتني بالذي كان من أهل الإفك .
قلت : أو قد كان هذا ..؟
قالت : نعم ، والله لقد كان .
قالت عائشة :
– فوالله ما قدرت علي أن أقضي حاجتي ، ورجعت فوالله مازلت أبكي حتي ظننت أن البكاء سيصدع كبدي ، وقلت لأمي :
– يغفر الله لك يحدث الناس بما تحدثوا به ولا تذكرين لي من ذلك شيئاً ..؟
قالت : أي بنية ، خففي عنك ف والله لقل ما كانت إمرأة حسناء عند رجل يحبها ولا ضرائر ، إلا أكثرن وكثر الناس عليها .
قالت : وقد قام رسول الله صلي الله عليه وسلم فخطبهم ، ولا أعلم بذلك ، فحمد الله وأثني عليه ثم قال :
– " أيها الناس ما بال رجال يؤذونني فى أهلي ويقولون عليهم غير الحق .؟ والله ما علمت عليهم إلا خيراً ، ويقولون ذلك لرجل ( يقصد صفوان بن المعطل رضي الله عنه ) و الله ما علمت منه إلا خيراً ولا يدخل بيتاً من بيوتي إلا وهو معي ..!! )
قالت : وكان كبر ذلك عند عبدالله بن أبي فى رجال من الخزرج .
مع الذي قال مسطح " وحمنة بنت جحش " وذلك أن أختها زينب بنت المنزلة عنده غيرها ، فأما زينب فعصمها الله بدينها فلم تقل إلا خيراً وأما حمنة فأشاعت من ذلك ما أشاعت تضارني بأختها .
فلما قال رسول الله صلي الله عليه وسلم تلك المقالة ، قال أسيد بن حضير :
– يارسول الله ، إن يكونوا من الأوس نهم ، نكفكهم ، وإن يكونوا من إخواننا الخزرج فمرنا أمرك ، فوالله إنهم لأهل أن تضرب أعناقهم ، فقام سعد بن عبادة ، وكان قبل ذلك يري رجلاً صالحاً ،، قال :
– كذبت لعمر الله ، ماتضرب أعناقهم ، إنك ما قلت هذه المقالة إلا وقد عرفت أنهم من الخزرج ، ولو كانوا من قومك ما قولت هذا .
فقال أسيد : كذبت لعمر الله ، ولكنك منافق تجادل عن المنافقين ، وتساور الناس حتي كاد يكون بين هذين الحيين شر .
ونزل رسول الله صلي الله عليه وسلم ، فدخل علي ودعا علي بن أبي طالب وأسامة ابن زيد فاستشارهما فأما أسامة فأثني خيراً ، ثم قال :
– يارسول الله ، أهلك ، وما نعلم منهم إلا خيراً ، وهذا الكذب والباطل ..!!!
وأما علي فقال :
– يارسول الله ، إن النساء لكثير ، وإنك لقادر علي أن تستخلف ، وسل الجارية فإنها تصدقك ..
فدعا رسول الله صلي الله عليه وسلم بريرة يسألها ، وقام إليها علي فضربها ضرباً شديداً وهو يقول : أصدقي رسول الله ، فتقول :
– والله ما أعلم إلا خيراً وما كنت أعيب علي عائشة ، إلا أني كنت أعجن عجيني ، فآمرها أن تحفظه ، فتنام عنه فتأتي الشاه فتأكله ..!!
قالت : ثم دخل علي رسول الله وعندي أبواي ، وعندي امرأة من الأنصار وأنا أبكي وهي تبكي ، فجلس فحمد الله وأثني عليه ، ثم قال :
– ياعائشة ، إنه قد كان ما بلغك من قول الناس ، فاتقي الله ، وإن كنت قد قارفت سوءاً مما يقول الناس ، فتوبي إلي الله فإن الله يقبل التوبة عن عباده .
قالت : فوالله ، إن هو إلا أن قال لي ذلك حتي قلص دمعي ، فما أحس منه شيئاً ، وانتظرت أبواء أن يجيبا عني فلم يتكلما .!!
قالت عائشة : وأيم الله لأنا كنت أحقر فى نفسي وأصغر شأناً من أن ينزل الله فى قرآنا ، لكني كنت أرجو أن يري النبي عليه الصلاة والسلام ، فى نومه شيئاً يكذب الله به عني ، لما يعلم من براءتي ، أما قرآنا ينزل في فوالله لنفسي كانت أحقر عندي من ذلك …
صـبـرٍ ـآ‘لـسـيـدة عـائـشـة رضي الله عنها
فلما لم أر أبواي يتكلمان !!
قلت لهما : ألا تجيبان رسول الله ، فقالا : والله لا ندري بم نجيبه .
قالت : ما أعلم أهل بيت دخل عليهم ما دخل علي آل أبي بكر في تلك الأيام .
ثم قالت : فلما استعجما علي استعبرت فبكيت ، ثم قلت :
– والله لا أتوب إلي الله مما ذكرت أبداً ، والله إني لأعلم لئن أنا أنكرت ما يقولون لا تصدقونني .
قلت : ثم التمست اسم يعقوب فما أذكره ، فقلت :
– أقول ما قال أبو يوسف : ( فصبر جميل والله المستعان علي ماتصفون ) .. يوسف : 18
ظـهـوٍرٍ بـرٍاءة ـآ‘لـسـيـدة عـائـشـة رضي الله عنها
فوالله ما برح رسول الله مجلسه حتي تغشاه من الله ماكان يتغشاه ، فسجي بثوبه ووضعت وسادة تحت رأسه ، فأما أنا حين رأيت من ذلك ما رأيت ، فوالله ما فزعت وما باليت ، وقد عرفت أني بريئة وأن الله غير ظالمي ، وأما أبواي فو الذي نفس عائشة بيده ما سري عن رسول الله صلي الله عليه وسلم حتي ظننت لتخرجن أنفسهما فرقاً أن يأتي من الله تحقيق ما قال الناس ، ثم سري عن رسول الله صلي الله عليه وسلم فجلس ، وإنه لينحدر من وجهه مثل الجمان فى يوم شات ، فجعل يمسح العرق عن وجهه ويقول :
– أبشري ياعائشة ، قد أنزل الله عز وجل براءتك ..
فقلت : الحمدلله ، ثم خرج إلي الناس فخطبهم وتلا عليهم الآيات :
إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ .. النور :11
والغريب أن الحد أقيم علي من ثبت عليه تهمة القذف … أما عبدالله ابن أبي مدبر الحملة وجرثومتها الخفية ، فإنه كان أحذر من أن يقع تحت طائلة العقاب ، لقد أوقع غيره ثم أفلت بنفسه ..
ـآ‘لـسـيـدة عـائـشـة رضي الله عنها أحـب نـسـائه صلي الله عليه وسلم إليـه
وعن عبد الله بن زياد الأسدي ، قال :
– لما سار طلحة والزبير وعائشة إلي البصرة بعث علي عمار بن ياسر وحسن بن علي فقدما علينا الكوفة فصعدا المنبر فكان الحسن بن علي فوق المنبر فى أعلاه ، وقام عماراً أسفل من الحسن فاجتمعا إليه فسمعت عماراً يقول :
– والله إنها لزوجة نبيكم صلي الله عليه وسلم فى الدنيا والآخرة ، ولكن الله تبارك وتعالي ابتلاكم ليعلم إياه تطيعون أم هي ..؟
– وعن عمرو بن العاص رضي الله عنه ، قال :
– بعثني رسول الله صلي الله عليه وسلم علي جيش ذات السلاسل قال : فأتيته ، فقلت :
– أي الناس أحب إليك .؟ قال : عائشة .
قلت : من الرجال ..؟ قال : أبوها .. قلت : ثم من ..؟
– فعد رجالاً فسكت مخافة أن يجعلني آخرهم .
ونجد من تلك المقولة أن الرسول صلي الله عليه وسلم كان يحب السيدة عائشة حباً كبيراً ، كما أنه صلي الله عليه وسلم أقر في عدد كبير من أحاديثه أنها أحب نسائه إليه ..
مـوٍت ـآ‘لـرٍسـوٍل صلي الله عليه وسلم في بيت عـائـشـة رضي الله عنها
ومن تلك الأحاديث هذا الحديث الذي ورد عن السيدة عائشة رضي الله عنها أنها قالت :
– كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يسأل فى مرضه الذي مات فيه ، يقول : " أين أنا غداً أين أنا غداً ..؟ "
يريد يوم عائشة فأذن له أزواجه يكون حيث شاء فكان في بيت عائشة حتي مات عندها . فقالت عائشة :
– فمات فى اليوم الذي كان يدور علي فيه في بيتي فقبضه الله وإن رأسه لبين نحري وسحري وخالط ريقه ريقي … صحيح : رواه البخاري ومسلم ..
وتحدثت السيدة عائشة رضي الله عنها عما فضلها الله به عن سائر النساء حيث قالت :
– لقد أعطيت تسعاً ما أعطيتها امرأة بعد مريم بنت عمران
– لقد نزل جبريل بصورتي فى راحته حتي أمر رسول الله صلي الله عليه وسلم أن يتزوجني ، ولقد تزوجني بكراً وما تزوج بكراً غيري ، ولقد قبض ورأسه في حجري ، ولقد قبرته في بيتي ، ولقد حفت الملائكة بيتي ، وإني لإبنة خليفته وصديقه ، ولقد نزل عذري من السماء ، ولقد خلقت طيبة عند طيب ، ولقد وعدت مغفرة ورزقاً كريماً ..
ـآ‘لـسـيـدة عـائـشـة رضي الله عنها تـتـكلـم عـن نـفـسـها
ولقد تزوجت السيدة عائشة رضي الله عنها برسول الله صلي الله عليه وسلم وهي ابنة ست سنوات ، وقالت السيدة عائشة عن ذلك :
– تزوجني رسول الله صلي الله عليه وسلم متوفي خديجة ، وأنا ابنة ست ، وأدخلت عليه وأنا ابنة تسع ، جاءني نسوة وأنا ألعب أرجوحة مجممة ، فهيأنني وصمعممي ، ثم أتين بي إليه صلي الله عليه وسلم
قال عروة : فمكثت عنده تسع سنوات .
عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن عائشة ، قالت :
– قدم رسول الله صلي الله عليه وسلم من غزوة تبوك أو خيبر وفى سهوتها ستر ، فهبت ريح ، فكشفت ناحية الستر عن بنات لعائشة لعب ، فقال : " ماهذا ياعائشة .؟"
قالت : بناتي . ورأي بينهن فرساً له جناحان من رقاع . فقال :
– وماهذا الذي أري وسطهن .؟.. قالت : فرس .
قال : وما هذا الذي عليه .؟
قالت : جناحان .
قال : فرس له جناحان !! قالت : أما سمعت أن لسليمان خيلاً له أجنحه .؟
فضحك حين رأيت نواجذه .
وعن عائشة رضي الله عنها ، قالت لقد رأيت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقوم علي باب حجرتي والحبشة ( شباب الأحباش ) يلعبون بالحراب فى المسجد وإنه ليسترني بردائه لكي أنظر إلي لعبهم ، ثم يقف من أجلي حتي أكون أنا التي أنصرف ، فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن الحريصة علي اللهو .
عن عروة ابن الزبير رضي الله عنه ، قال :
– لقد صحبت عائشة – وكانت خالته – فما رأيت أحداً كان أعلم بآية أنزلت ولا فريضة ولا بسنة و لا بشعر ولا أروي فيه ولا بيوم من أيام العرب ، ولا بنسب ولا بكذا ولا بكذا ولا بقضاء ولا طب منها .
فقلت لها : ياخاله ، الطب ، من أين علمته .؟
فقالت : كنت أمرض فينعت لي الشئ ، ويمرض المريض فينعت له ، وأسمع الناس ينعت بعضهم بعض فأحفظه …
عن أم ذرة قالت :
– بعث ابن الزبير إلي عائشة بمال فى غرارتين يكون مائة ألف ، فدعت بطبق ، فجعلت تقسم فى الناس فلما أمست ، قالت :
– هاتي ياجارية فطوري : فقالت أم ذرة :
– ياأم المؤمنين ، أما استطعت أن تشتري لنا لحماً بدرهم .؟
قالت : لا تعنفيني لو أذكرتيني لفعلت ..
وٍفـــاة ـآ‘لـسـيـدة عـائـشـة – رضي الله عنها –
وعن عروة عن عائشة :
– أنها تصدقت بسبعين ألفاً ، وإنها لترفع جانب درعها رضي الله عنها .
لما حضرت الوفاه رضي الله عنها قالت – وكانت تحدث نفسها أن تدفن فى بيتها – فقالت :
– إني أحدثت بعد رسول الله صلي الله عليه وسلم حدثاً ، ادفنوني مع أزواجه . فدفنت بالبقيع رضي الله عنها ..
طأطأص احمد رأسه وهو يقول :
– رحمها الله ، ورضي عنها ، إنها حقاً من العابدات القانتات …
نظرت حنان إلي والدها وهي تقول :
– يا أبي أحب سيدنا عمر بن الخطاب ، لقوته وشجاعته ، فهل كان له أبناء بنات .؟
ضحك الأب وهو يقول :
– بالطبع يا بنيتي ، إن ابنته السيدة حفصة .
سارع أحمد بالحديث قائلاً :
– السيدة حفصة أم المؤمنين ، وزوجة رسول الله .
أشار الأب لولده النابغة بالإيجاب وهو يقول :
– نعم يابني ، إنها زوجة رسول الله ، أم المؤمنين السيدة حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنها
زٍوٍاج حـفـصـة رضي الله عنها
وتزوجها النبي صلي الله عليه وسلم بعد إنقضاء عدتها من خنيس بن حذافة السهمي فى سنة ثلاثة هجرية ، وكان حذافة من السابقين إلي الإسلام ، وكان ممن هاجروا إلي أرض الحبشة كما إنه عاد إلي المدينة وشهد بدرٍاً ، وأحداً ، ولكنه أصيب بأحد جراح قاتلة أودت بحياته وعرضها أبوها عمر علي أبي بكر الصديق فلم يجبه بشئ ومن بعده عرضها علي عثمان بن عفان فقال :
– بدا لي ألا أتزوج اليوم .
فحزن لذلك وشكا حاله إلي النبي صلي الله عليه وسلم ، فقال :
تتزوج حفصه من هو خير من عثمان ويتزوج عثمان من هي خير من حفصة ….
ثم خطبها رسول الله لنفسه فزوجها له عمر ، وتزوج عثمان من السيدة رقية بنت رسول الله صلي الله عليه وسلم بعد وفاة أختها ، وبعدما تزوج رسول الله بالسيدة حفصة ، لقي أبو بكر عمر ، فاعتذر له ، وقال :
– لا تجد علي ( أي لا تحزن ) فإن رسول الله صلي الله عليه وسلم كان قد ذكر حفصة ، فلم أكن لأفشي سره ، ولو تركها لتزوجتها .
وثبت أن النبي صلي الله عليه وسلم طلق حفصة تطليقة ، ثم راجعها بأمر جبريل عليه السلام له بذلك ، وقال :
– إنها صوامة ، قوامة ، وهي زوجتك فى الجنة .
قالت عائشة : هي التي كانت تساميني من أزواج النبي صلي الله عليه وسلم …
وحكي عمر بن الخطاب قصة حدثت بينه وبين ابنته حفصة قال فيها :
– كنا معشر قريش نغلب النساء ، فلما قدمنا المدينة وجدنا قوماً تغلبهم نساؤهم ، فطفق نساؤنا يتعلمن من نسائهم ، فغضبت علي إمرأتي يوماً ، فإذا هي تراجعني أنكرت أن تراجعني ، فقالت :
– ماتنكر من ذلك .؟ فوالله إن أزواج النبي صلي الله عليه وسلم ليراجعنه وتهجره إحداهن اليوم إلي الليل !!
قال : فإنطلقت فدخلت علي حفصة فقلت :
– أتراجعين رسول الله صلي الله عليه وسلم .؟ قالت : نعم .
قلت : وتهجره إحداكن اليوم إلي الليل .؟
قالت : نعم .
قلت : قد خاب من فعل ذلك منكن وخسر ، أفتأمن إحداكن أن يغضب الله لغضب رسوله فإذا هي قد هلكت ..؟ لا تراجعي رسول الله صلي الله عليه وسلم ، وتسأليه شيئاً وسليني أنا ما بدا لك ، ولا يغرنك إن كانت جارتك أوسم – أجمل – وأحب إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم منك .
هكذا كانت تربية عمر رضي الله عنه ، فإنه كان نعم الأب الناصح لإبنته ، لأنه يعلم أن التربية الإسلامية ذات أهميه كبيرة لإقامة المجتمعات الفاضلة ، يجب أن تعتمد علي الإحترام المتبادل بين الزوجين . ومن هذا الموقف نتعلم شيئاً هاماً وهو أنه لا ينقطع دور الوالدين عند زواج البنت ، ولكن علمنا سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه بأنه يجب التذكير بين الحين والآخر بحقوق الزوج ، والصبر معه علي السراء والضراء ، كما أنه لا يوجد بيت قوي ومتماسك إلا وله هذه الدعائم القوية ..
حـفـصـة تـذكـرٍ أبـاهـا رضي الله عنها
عندما طعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، تقدمت السيدة حفصة منه ، ونظرت إليه وقالت بلسان اليقين ، ومنطق الحق المبين :
– يا أبتاع ما يحزنك وفادتك علي رب رحيم ولا تبعة لأحد عند ومعي لك بشارة لا أذيع السر مرتين ، ونعم الشفيع لك العدل ، لم تخف علي الله عز وجل خشنة عيشتك ، وعفاف نهمتك ، وأخذك بأكظام المشركين والمفسدين …
وٍفـــاة حـفـصـة – رضي الله عنها –
وفي سنة إحدي وأربعين هجرية وفى خلافة معاوية ، لبت السيدة نداء ربها راضية مرضية ، وصلي عليها بالمدينة ، ودفنت بالبقيع ، ونام جسدها بجوار أجساد الصحابة الطاهرة الذين طيبوا البقيع وجعلوا منه واحة يفوح منها أريج الإيمان المتواصل الذي لا ينقطع …
قال الجميع بصـوٍت وٍاحد :
– رضي الله عنها وأرضاها …
رفع أحمد يده ليستأذن والده بالحديث ، ثم قال :
– يا أبي إننا ندرس هذه الأيام فى شخصيات إسلامية هامة ، وهن سيدات جليلات من بنات الصحابة الأخيار ، اللائي قمن الليل وصمن النهار ، هل تسمح لي بسرد حكايتهن ..؟
ابتسم الأب وهو يقول بسعادة :
– بالطبع ياولدي .
ابتسم أحمد وهو يتحدث لأول مرة عن شخصيات إسلامية أحبها وإحترمها وبدأ حديثة قائلاً :
– السيدة الأولي هي السيدة أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب الهاشمية ، شقيقة الحسن والحسين ، ولدت سنة ست من هجرة خاتم المرسلين ، ورأت النبي صلي الله عليها وسلم وخطبها عمر بن الخطاب وهي صغيرة فقيل له : ماتريد إليها ..؟
قال : إني سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول : " كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي " …
زٍوٍاج أم كـلـثـوٍم بـنـت عـلـي رضي الله عنهما
قال أبو عمر بن عبد البر : قال عمر لعلي :
– زوجنيها أبا حسن فإني أرصد من كرامتها ما لا يرصد أحد ، قال :
– فأنا أبعثها إليك ، فإن رضيتها فقد زوجتها – ونجد أن الإمام عمر أراد أن يتزوجها ولكن علي رضي الله عنه تحجج بأنها صغيرة – ، وقال :
– فبعثها إليه ببرد ( جلباب ) وقال لها :
– قولي له : هذا البرد الذي قلت لك ، فقالت له ذلك ، فقالت قولي له :
– قد رضيت رضي الله عنك ، ووضع يده علي ساقها فكشفها ، فقالت :
– أتفعل هذا ..؟ لولا أنك أمير المؤمنين لكسرت أنفسك .. ثم مضت إلي أبيها فأخبرته وقالت :
– بعثتني إلي شيخ سوء ..
قال : يابنية إنه زوجك .
توفي عنها عمر ، فتزوجها عون بن جعفر بن أبي طالب ثم مات عنها .
فزوجها أبوها بمحمد بن جعفر فمات ، ثم زوجها أبوها بعبدالله بن جعفر فماتت عنده …
والصحابية الأخري هي السيدة أم خالد بنت خالد ، أبوها خالد بن سعيد بن العاص أحد السباقين إلي الإسلام ، وأمها أميمة بنت خلف الخزاعية إحدي فضليات نساء الصحابة ، وأخوها سعيد بن خالد ، أحد الصحابة الأبرار وعمها عمرو بن سعيد من السباقين إلي الإسلام قتل فى معركة اليرموك ، وزوجها إحدي المبشرين بالجنة الزبير بن العوام رضي الله عنهم آجمعين …
نـشـأة ـأم خـالـد رٍضـي الله عنها
ولدت أم خالد فى أرض الحبشة ، وفتحت عينيها علي الإسلام ، وكان والدها من المهاجرين إلي الحبشة حين اشتد الأذي علي المؤمنين بمكة ولقد كان لأم خالد مكانه عند رسول الله صلي الله عليه وسلم حيث كان يخصها بهديته ومن ذلك أنه أتي – عليه الصلاة والسلام – بثياب فيها خميصة سوداء صغيرة ، وقال :
– من ترون أكسو هذه .؟ .. فسكتوا .. فقال :
– ائتوني بأم خالد .
قالت أم خالد وهي التي تروي الحديث :
– فأتي بي أحمل ، فألبسنيها بيده ، وقال ( أبلي وأخلقي ) يقولها مرتين ، وجعل ينظر إلي علم الخميصة أصفر وأحمر ، فقال :
– هذا سنا يا أم خالد هذا سنا .
ويشير بإصبعه إلي العلم ، وسنا بالحبشة : حسن .
وتزوجت أم خالد الزبير بن العوام وولدت له عمراً وخالداً ولقد كان لدعاء النبي صلي الله عليه وسلم أثر مبارك فى حياة أم خالد رضي الله عنها عندما قال لها :
– " أبلي وأخلقي " ..
معني الحديث كما قال الحافظ ابن الحجر في الفتح :
" أي إنها تطول حياتها حتي يبلي الثوب ويخلق "
وقد استجاب الله دعاء الرسول صلي الله عليه وسلم .. فلم تعش إمرأة من الصحابة ما عاشت أم خالد و ذكر الذهبي فى السير : أنها عمرت إلي قريب تسعين عام …