لغز النسيان
النسيان ليس عيباً، وربما يكون نعمة على الانسان، لكنه يبقى بمثابة الاختبار الصعب بالنسبة للذاكرة. واليوم يبدو أن العلماء أصبحوا أكثر من أي وقت مضى، قادرين على حل لغز النسيان، وذلك باكتشافهم ل”بروتين النسيان” الذي سيضع جانباً الكثير من النظريات القديمة المتعلقة بالذاكرة والنسيان، ويميط اللثام عن أحد أهم الأسرار التي كانت ولم تزل تحيط بالدماغ وبطريقة عمله، فالفهم الصحيح لظاهرة النسيان، ربما يمكن العلماء من الإحاطة التامة بعمل الذاكرة بحالتها الطبيعية، والتوصل الى علاج ناجع للاضطرابات التي تصيب الانسان عند سن الشيخوخة أو حتى في سن الشباب.
حتى وقت قصير، كان أخصائيو الأعصاب يحاولون وصف المراحل المختلفة لعمل الذاكرة في الدماغ بدءاً من التدرب على اكتساب المعلومة ثم تخزينها وانتهاء باسترجاعها عند الحاجة.
وفي هذا الاطار، يأتي النسيان كحالة سلبية تعيق استرجاع المعلومة من الذاكرة، ولذا كان على العلماء دراسته بشكل أفضل، لأن الفهم الكامل لطريقة عمل الذاكرة لا يمكن أن يتأتى الا اذا فهم العلماء الآلية الكاملة لعملية التذكر والنسيان، وعملوا على ايجاد تعريف دقيق لفسيولوجية الذاكرة.
منذ فترة وجيزة، استطاع فريق من الباحثين اكتشاف البروتين الذي “يمسح الذكريات” ويمنع الذاكرة من تثبيت المعلومات.
ويقول الباحثون ان وجود ركيزة اساسية للنسيا يثبت أن الذاكرة هي توازن مدهش بين عمليتي تخزين ومسح المعلومة. ويعتقد هؤلاء أن النسيان عملية نشطة وحيوية للذاكرة وذلك على عكس ما كان يتصور الكثير من العلماء.
وينظر أخصائيو الدماغ الذين يدرسون آلية عمل الخلية والأنسجة العصبية، الى الذاكرة على أنها دعامة عضوية للذكريات تعمل وفقاً لشبكة معقدة مؤلفة من مليارات الخلايا العصبية التي تحدث فيما بينها شلالات هائلة من التفاعلات الكيميائية والحيوية. وقد اكتشف الباحثون عشرات من بروتينات الذاكرة التي يطلقون عليها جزيئات GABA مثل الدوبامين والأسيتيل كولين.
والواقع أن غالبية الدراسات كانت تركز أبحاثها على الدماغ، لكنها كانت تخفي وراءها الوجه المظلم للذاكرة والمتمثل في النسيان.
وكان فرويد ينظر الى النسيان على أنه ميل فطري دفاعي مرتبط باللاشعور. ومنذ ثلاث سنوات، كانت الباحثة الفرنسية ايزابيل مانسوي وفريقها العلمي من كلية البوليتكنيك في زيوريخ بسويسرا، تعمل على وضع الأس الجزيئية الأولى لآلية نشطة للنسيا.
وقد ركز الفريق العلمي بحثه على انزيم يسمى اختصاراً (PP1) أي بروتين الفوسفاتاز -،1 حيث تبين بعد دراسة مستفيضة هذا الانزيم انه يطلق العنان لآلية مسح المعلومات من الذاكرة.
والواقع ان هذا الانزيم موجود في جميع خلايا الكائن الحي البشري تقريباً كالكبد والعضلات والبشرة والدماغ. ويعلم الباحثون منذ 20 عاماً بأنه ينظم العمليات الحيوية كتطور الجنين أو عملية الانقسام الخلوي، لكنهم لا يعلمون السبب الذي يدفع الانزيم الى مسح الذاكرة.
وينتمي الانزيم الى عائلة الفوسفاتاز الكبرى التي تتميز بجذب ذرات الفوسفات من مواد اخرى كالهستونات، والهستونات عبارة عن بروتينات بسيطة يلتف حولها الحمض النوي DNA، وتساهم في تحديد ملامحه.
وتعمل الفوسفاتاز على تثبيط الهستونات الأمر الذي يؤدي الى ابطائها ومنعها من إتمام العملية الحيوية. ومن هنا ينظر العلماء الى مادة الفوسفاتاز على انها كوابح جزيئية حقيقية.
وفي هذا الصد تقول الباحثة ايزابيل مانسوي: “يظهر الفوسفاتاز على أنه من العناصر السلبية التي لا تعطينا تفسيراً واضحاً للكيفة التي تتكون بها الذكريات”.
وتضيف مانسوي ان الباحثين يشكون منذ فترة طويلة في أن تكون الذاكرة مضبوطة وفقاً لتوازن دقيق بين الآليات الحيوية لعمليتي تخزين ومسح المعلومات، لكنهم كانوا يوجهون جل تركيزهم على الابحاث المتعلقة بالانزيمات المناسبة لعملية ترسيخ المعلومات في الذاكرة. وترى مانسوي ان دراسة دور الفوسفاتاز في الدماغ كان يبدو بالنسبة للبعض مناقضاً للمنطق، لكننا أصرنا على اختيار هذا الطريق الذي أدى بنا الى اكتشاف دور هذا الانزيم في عملية الذاكرة. وكان خبراء الأنسجة العصبية وعمل الخلايا، قد اجروا اختباراً على فئران معدلة وراثياً أمكن التحكم بنشاط انزيم الفوسفاتاز لديها. وقام هؤلاء بحقن الحمض النوي لهذه الفئران بجين معدل وراثياً يعمل بمثابة الكابح “لفوسفاتاز-1”، وكان الهدف من وراء ذلك، ضبط نشاط (PP1) على طريقة “إعمل – توقف) وذلك بشكل غير مباشر من خلال تغيير الكابح. وفي المقابل، أضاف الباحثون لغذاء الفئران مادة الدوكسيسيكلين (مضاد حيوي يستقر فوق جين الكابح المعدل وراثياً ويمكنه من التعريف عن نفسه).
ولكي يتمكن الباحثون من تقييم أهمية انزيم ال”PP1” قاموا بتدريب الفئران كي تتمكن من التعرف إلى الأشياء، ولاحظوا أنها تبدي ميلاً زائداً الى الأشياء الجديدة، ولها قدرة كبيرة على التعلم.
وتشير الباحثة مانسوي الى ان الفئران تتصرف كالتلاميذ المجتهدين، فهي تتعلم بشكل أفضل خلال المحاولات الخمس الأولى التي تفصل بينها فترات زمنية قدرها 15 دقيقة وليس خمس دقائق فقط او محاولة واحدة وطويلة قدرها 25 دقيقة. ولوحظ انه عند تخفيف نشاط انزيم ال (PP1)، فإن محاولة التعلم في فترة تستغرق 25 دقيقة تصبح أفضل من المحاولات الخمس التي تستغرق 5 دقائق والتي تفصل بينها فترات زمنية قدرها 15 دقيقة!
وتبين لفريق البحث ان نشاط ال (PP1) عند الفئران العادية (غير المعدلة وراثياً) يكون في حالته الدنيا عندما تترك فترات زمنية طويلة بين محاولات التعلم او التدرب، وكأن هذا الانزيم يمنع الذاكرة من تخزين المعلومات خلال فترة التعلم وذلك على طريقة “حشو الدماغ”. ومن هنا استنتج الفريق العلمي انه من الأفضل القيام بمحاولات عدة للتعلم على ان تفصل بينها فترات طويلة نسبياً من الراحة، لأننا بذلك نجنب الذاكرة الخضوع لتأثير انزيم ال (PP1). ولكن كيف يتم ذلك؟
لفهم ذلك لابد ان نعرف ان الذكريات تخزن في منطقة تسمى نقاط الاشتباك العصبي الواقعة عند نقاط تلاقي الخلايا العصبية والتي لا يزيد طولها من 15 نانومتراً، أي ما يعادل جزءاً من 15 ملياراً من المتر!
ويختصر الباحث سيرج لاروش المتخصص في الآلية الجزيئية والخلوية للذاكرة في جامعة أورساي ذلك قائلاً: اثناء عملية التدرب أو التعلم، تحدث تغيرات جزيئية في نقاط الاشتباك العصبي، الأمر الذي يسهل عملية التواصل بين الخلايا العصبية، ويؤدي ذلك أيضاً الى تنشيط بعض الانزيمات المهمة مثل الكيناز التي تعمل على تأمين عملية تسجيل الذكريات عن طريق تغيير نقاط الاشتباك العصبي، ويمكن تشبيه ذلك كمن أراد تسجيل معلومات رقمية على قرص مضغوط حيث يقوم بحفر المعلومات على سطح القرص “السي.دي” اما عن دور انزيم ال (PP1) فيتمثل في الآتي: اثناء عملية التعلم او التدرب، يقوم الانزيم بايقاف او كبح عملية تكوين الذكريات من خلال التأثير في انزيم الكيناز حيث يعمل على تثبيطه. ولاحظت الباحثة ايزابيل مانسوي انه عندما يتم تعطيل انزيم ال (PP1) عند الفئران المعدلة وراثياً. فإن نشاط انزيم الكيناز يكون واضحاً أثناء عملية التعلم.
وتساءل الفريق العلمي في زيوريخ إن كان الانزيم (PP1) قادراً على التأثير في استمرارية ذكرى معينة على المدى الطويل، ولذا قاموا بتدريب الفئران على ايجاد جحر مخفي في مسبح ماء داكن اللون.
وتكمن أهمية الجحر بالنسبة للفئران في بناء ملجأ تؤوي اليه للهروب من الوسط السائل، وبعد عدة تجارب ومحاولات، استطاعت الفئران تخزين معلومات في ذاكرتها تمكنها من السباحة مباشرة للوصل الى الجحر، وبعد تدريب مكثف على مدى تسعة أيام، أخرج الباحثون الجحر من الماء فكانت النتيجة على النحو التالي: في بداية التجارب الجديدة كانت الفئران العادية تبحث عن الجحر في مكانه الصحيح، لكن مع مرور الزمن، كان مستوى هذا السلوك ينحدر بشكل سريع حتى اختفى كلياً بعد ستة أسابيع. في المقابل، لوحظ ان الفئران التي تم خفض نشاط ال (PP1) لديها بعد التدرب، قد حافظت على ذاكرتها لفترة امتدت الى 6 أسابيع. وهكذا نرى أن انزيم ال (PP1) يحدث لدى الفئران نسياناً في المعلومات المخزنة مسبقاً، على الرغم من استقلالية عمله اثناء التدرب حيث يؤدي الى منع تكوّن الذكريات في الدماغ.
ويقول العاملون في فريق البحث إن التجربة تظهر على ما يبدو أن هذا الانزيم يكبح نشاط بروتين آخر يسمى “كريب”. وهذا البروتين هو ما يطلق عليه العلماء، معامل النسخ أو التسجيل الذي يقر جراء الاستجابة الى اشارات مختلفة، إن كان هذا الجين او ذاك قد استطاع التعبير عن نفسه أم لا، وأي جين من الجينات يمكنه التحكم بانتاج بروتينات جديدة ضرورية، وفي المقابل، تقرير ما اذا كانت عملية تكوين وتخزين الذكرى ستم على أكمل وجه.
وتشير الباحثة ايزابيل أن ثمة آليتين تعملان في موضوع الذاكرة، وذلك حسب نوعية النسيان، إن كان كاملاً (أي حدث مسح في الذاكرة) او عابراً (أي حدث ستر للذكريات).
وتؤكد مانسوي أن الكشف يثبت ان بعض الذكريات غير المهمة يتم مسحها تماماً، في حين يبقى البعض الآخر متوارياً الى حين. من ناحية ثانية، يلاحظ ان الانزيم (PP1) يكبح عملية تجدد المكونات المؤدية الى تشكل نقاط الاشتباك العصبي اثناء عملية التعلم او التدرب، ومن هنا يستنتج الباحثون ان الاختفاء او المسح التدريجي للذكريات يكون في اتجاه واحد وليس عكسياً.
ومن الأمور التي اكتشفها الباحثون ان انزيم ال (PP1) يمنع عملية استرجاع ذكريات اخرى وفقاً لآليات غير معروفة حتى الآن. ويعتقد الباحث ايريك كانديل من جامعة كولومبيا والحاصل على جائزة نوبل في الطب لأبحاثه المتعلقة بالذاكرة أن اكتشاف بروتين النسيان يعتبر في حد ذاته شيئاً رائعاً وخطوة مهمة نحو المستقبل، لأنه يثبت للكثيرن ان النسيان لا علاقة له بمرور الزمن وإنما هو عملية بيولوجية محضة. وبناء على هذا الاكتشاف يصبح النسيان مجرد ظاهرة حيوية عند الانسان. وعلاوة على ذلك، يلاحظ وفقاً لأبحاث مانسوي ان الانزيم (PP1) يساهم من خلال إحداث عملية النسيان لدى المرء، في دفع الدماغ الى اجراء عملية تصنيف وانتخاب للذكريات التي تعتبر ضرورية ومهمة لتوازن المرء وجعل أفكاره منطقية ومترابطة، وغض الطرف عن تلك التي ليست ذات أهمية كبيرة. ويعلق أستاذ الأحياء الجزيئية روبرت جافار المتخصص في الذاكرة بجامعة بوردو الفرنسية على ذلك قائلا: لنتخيل أننا نحتفظ في ذاكرتنا بكل ما نرى ونسمع، فهل يمكن ان تكون الحياة جميلة بهذه الطريقة، لابد انها ستكون كابوساً مزعجاً. ويضيف جافار ان اكتشاف انزيم ال (PP1) وعلاقته بالنسيان يفتح الباب على مصراعيه لشركات العقاقير، اذ يمكن ان يكون السبب الحقيقي لتدهور حالة الذاكرة مع التقدم في العمر مجرد عدم انتظام في انزيم ال (PP1) وليس انخفاضاً لا عكسياً في المكونات الجزيئية كما كان معتقداً من قبل. وثمة فكرة على حد قول مانسوي، تتمثل في إعادة ترسيم قدرات الذاكرة عن طريق كبح الآليات الضعيفة التي تدفع انزيم ال (PP1) الى التدخل في مسألة التذكر.
فجوات الذاكرة
في العادة يقسم الأطباء الأشخاص الذين يصابون بفقد في الذاكرة الى قسمين يشار اليهما اختصاراً ب (MCI) أي الخلل الادراكي الطفيف و(MA) أي الاشخاص المصابين بالزهايمر. وفي العادة يصاب كلا الفريقين بهذه الامراض بدءاً من سن الخمسين ويظهر ذلك على هيئة فجوات في الذاكرة ثم يتطور الحال الى فقدان حاد في تذكر الاشخاص والاحداث القريبة. وقد دأب الأطباء منذ عشر سنوات على اكتشاف حالات فقدان الذاكرة والتعرض لاضطرابات معينة كمسألة الفجوات عن طريق اختبار يسمى (MMS) أي الفحوص الصغرى للحالة العقلية. ويتكون هذا الاختبار من ثلاثين سؤالاً، تلقي الضوء على حالة المريض الادراكية المتعلقة باللغة والحساب والتعلم. ولو حصل الطبيب على 27 سؤالاً أو أقل من أصل الثلاثين، فإنه يحول المريض الى طبيب متخصص في الذاكرة.
ويقول أحد المرضى الذين خضعوا لهذا الاختبار انه ينسى الأسماء، ولا يدري أين وضع الأشياء المتعلقة به شخصياً، وإن قرأ كتاباً، فإنه لا يتذكر منه شيئاً بعد مرور 15 يوماً.
وتشير الباحثة فاليري هان بارما المتخصصة في علم نفس الأعصاب الى ان حديث المريض عن هذه الأعراض، يعتبر علامة جيدة لأنه يشير الى وعيه التام بحالته ما يعني أن حالة المريض غير سيئة على الاطلاق، وثمة فرصة طيبة بأن تكون المشكلة مجرد مشكلة وظيفية فقط مرتبطة بالقلق والأرق، ولا علاقة لها بأي حالة عضوية.
وفي المقابل تؤكد فاليري ان المشكلة تتعقد عندما لا يشعر المريض بأنه يشكو من هذه الأعراض، بل لا يدري أنه يعاني من مشكلة تتعلق بفقدان الذاكرة أو النسيان، لأنه في الحقيقة لا يتذكر شيئاً من ذلك!
ويقول البروفيسور فردريك أوفرار أن حفظ المعلومة يمر بشكل عام في ثلاث مراحل أولاها يسمى الترميز حيث تتحول المعلومة إلى تصور له بالنسبة لنا معنى أو قيمة، اما المرحلة الثانية فتسمى التمكين أو التوطيد حيث يتم فيها تخزين المعلومة في مكان ما في الدماغ، ويطلق على المرحلة الثالثة، الاستعادة حيث يتم تنشيط الشبكات المناسبة لاسترجاعها.
اضطرابات الذاكرة
وقد تصاب الذاكرة باضطرابات مختلفة وخاصة عند الأشخاص المصابين بالاكتئاب او الذين لديهم حساسية أو يصابون بأعراض جانبية جراء تناولهم بعض العقاقير اضافة بالطبع الى عامل الشيخوخة أو الاصابة بعض الأمراض كالزهايمر او تلك الناتجة عن تناول المخدرات والكحول.
وعند الاصابة بالاكتئاب، لا يلاحظ في العادة على المريض أية مشاكل على مستوى الدماغ، لكن المريض يعاني من اضطرابات في الانتباه أو التحليل المنطقي للأمور، كما نجده يعاني من صعوبات في تعلم بعض المعلومات الجديدة او تذكر معلومات قديمة.
ويقسم الأطباء اضطرابات الذاكرة الناتجة عن الاكتئاب الى قسمين، منها الأعراض النفسية التي تظهر على شكل حزن، وبكاء، وعدم الاكتراث بملذات الحياة والشعور بعدم الفائدة والتفكير في الانتحار. من ناحية ثانية يسمي الاطباء القسم الثاني، بالأعراض الجسمية والتي تظهر عند المريض على شكل احساس بالتعب وفقدان الشهية واضطرابات في النوم.
اما المصابون بمرض الزهايمر، فتكون منطقة قرن آمون في دماغهم مصابة بعطب ما. ويمر مرض الزهايمر في العادة بثلاث مراحل خلال فترة تتراوح بين 4 – 5 سنوات. في المرحلة الأولى يشعر المريض بفقدان في ذاكرته اليومية ويتعرض مزاجه على مدار اليوم الى تغيرات مفاجئة، كما يشعر باضطراب في المشي وقلة في التركيز وصعوبات في تنظيم اموره المنزلية. وبعد فترة ينتقل المريض الى المرحلة الثانية، حيث يصاب بفقدان في ذاكرة الماضي، ويصاب بخلل في الملكات اللغوية ورؤية او استيعاب الأشكال والوجوه والحكم على الأشياء. وفي المرحلة الثالثة، لا يعد بمقدور الشخص التواصل مع الآخرين او يصبح له القدرة على الاعتناء بنفسه. ويمكن للمريض تناول عقاقير كال (Aricept, Exelom, Reminy) للحالت المعتدلة أو (Exibat) للحالت المزمنة.
ويصاب الدماغ باضطراب أيضاً، بسبب تناول المخدرات والمشروبات الكحولية وبعض العقاقير. ويقول الأطباء ان الإدمان على شرب الخمر يقل من كفاءة الذاكرة ويؤدي الأمر بعض المدمنين الى الاصابة بمرض كورساكوف نظراً للحاجة الى “فيتامين B1”. ويعتقد هؤلاء ان جميع الذين يتناولون عقاقير ذات تأثير على المزاج، يمكن أن يصابوا باضطراب في عمل الذاكرة على المدى القصير. وبشكل عام تؤثر كافة العقاقير المخدرة في الذاكرة تأثيراً سلبياً على المدى البعيد.
ومن الاضطرابات التي تصيب الدماغ، تلك المرتبطة بتعرض المرء الى حوادث تؤثر في الأوعية الدموية للدماغ، كأن يصاب المرء بنزيف دماغي أو بانسداد في أحد الأوعية الدموية الذي يؤدي الى حدوث سكتة دماغية. وترك هذه الحوادث آثاراً كبيرة على نشاط المرء سواء الجسماني او العقلي اذ يمكن ان يصاب بشل في أحد أعضائه أو يصاب بشل في جانب من جسمه، كما تنخفض لديه مستويات الرؤية ويتعرض الى الخرس أو عدم القدرة على التعبير بالكلام.
طرق حفظ الذاكرة
يقولون ان الذاكرة لا تبلى إلا اذا وضعناها على الرفوف أي لم نستخدمها. ولقد أصبح مرض “الذاكرة الواهية” شيئاً مثيراً للاهتمام في كافة المجتمعات التي شرعت تطالب بايجاد وسائل ناجعة لتفعيل الذاكرة وزيادة نشاطها عند المرء، وخرجت في سبيل ذلك على الناس دراسات وكتب تدعو الى تحسين أداء الذاكرة أو الدماغ. ويعتبر البريطاني توني بوزان مخترع مباريات أبطال العالم في الذاكرة، من المنظمين المشهورين لمباريات التذكر، ولذا دأب منذ العام 1991 على تنظيم لقاءات تمكنه من عرض طرقه الجديدة في تذكر المعلومات وكان آخر عرض له في مدينة كوالالمبور بماليزيا حيث شارك مئات المتنافسين من جميع انحاء العالم على مدى 3 أيام في مباراة للذاكرة. ويعتبر البريطاني (أندي بيل/30 سنة)، هو الحائز على المرتبة الأولى على مستوى العالم في تذكر المعلومات. ويستخدم بيل طريقة تسمى “طريقة الأماكن” لحفظ المعلومات بشكل سريع.
ويقول بيل: لحفظ لائحة طويلة من أسماء الأشياء او البطاقات المرقمة، أقوم بتصور شوارع لندن في مخيلتي والتي أعرفها بشكل جيد ثم أقوم بترتيب كل عنصر في مكانه المحدد في المدينة (أمام المكتبة، بجانب احد ممرات المشاة..). ولاستعادة اللائحة برمتها ما علي بعد ذلك الا ان استعيدها ثانية في رأسي بشيء من التركيز. وتعتبر الباحثة مونيك لوبونسان من الشهيرات في فرنسا حيث تنظم في مركزها الخاص بالذاكرة حلقات لإعادة تأهيل الذاكرة وتنشيطها. ويتردد على مركزها الكثير من طلاب العلم من كافة المستويات اضافة الى مديري الشركات وغيرهم. وتحاول بونسان تعليم هؤلاء على تذكر لائحة من الأسماء وقراءة وحفظ نص بشكل سريع وتذكر الأشكال الهندسية. وبعد يومين من التدرب يمكن للمتدربين الاحساس بتحسن في عمل دماغهم.
ويمكن القول ان كافة هذه الطرق تساهم بلاشك في حفظ قصائد الشعر او استذكار لائحة طويلة من الأسماء، ولكن هل تساهم في تعلم اشياء جديدة في الحياة اليومية؟ يقول استاذ علم النفس سيرج نيكولاس من جامعة رينيه ديكارت في باريس ان تطوير وتحسين قدرة الدماغ على القيام بتمارين فكرية لا يمكن ان يقوي عضلات الدماغ لأن الذاكرة ليست عضلة!
ويضرب نيكولاس مثلاً على ذلك حالة تاتيانا كولي (25 سنة). في العام 1997 حققت هذه الفتاة فوزاً ساحقاً في تذكر الاشياء على مستوى الولايات المتحدة، ويمكن لها تذكر اسماء وجوه 70 شخصاً خلال 15 دقيقة وحفظ لائحة محتوية على 500 كلمة، لكنها لا تستطيع العيش من دون الأوراق اللاصقة الصفراء التي تساعدها على تذكر الأشياء.
وتصف تاتيانا نفسها بالنزقة المدهشة. ويعتبر حفظ تواريخ أعياد الميلاد أو برنامج التلفزيون اليومي من الأمور البسيطة لديها، ويبدو أن هذا الميل الواضح نحو النزق أو الخفة في حفظ بعض الأشياء، يتأتى من عدم تركيزها الكافي على الأمور اليومية. ويشير آلان ليوري الخبير النفسي في جامعة رين والمتخصص في الذاكرة الى ان كثيراً من الاشخاص يعتقدون أنهم يعانون من اضطرابات في الذاكرة، غير أنهم لا يشكون في الواقع إلا عدم تركيز في سماع المعلومة. ويضيف ليوري أن تمارين تقييم الذاكرة او القدرة على التذكر هي من التمارين المفيدة بالفعل، وبغض النظر عن ناحية اللعب في التمارين، الا انها تعلمنا كيف يمكن للدماغ ان يستخدم انظمة مختلفة لتخزين المعلومات بلا علم منا او تدخل من جهتنا. وينصح هذا الباحث بضرورة المحافظة الدائمة على القراءة لحفظ الذاكرة من الضعف والوهن، فالقراءة حسب رأيه، تساهم في ايقاظ الانتباه وملكة البصر ومعرفة الكلمات وتكوين الصور في الدماغ.. الخ.