تخطى إلى المحتوى

انت لي كامله الحلقة العشرون الجزء الاول 2024.

انت لي: الحلقة 20 الجزء الاول!!

لم يكن العثور على مزرعة نديم بالأمر السهل … قضيت وقتا لا بأس به في التفتيش ، خصوصا و أنا أقدم إلى هذه المدينة للمرة الأولى .
المدينة الشمالية هي مدينة زراعية تكثر فيها الحقول و المزارع ، و بها من المناظر الطبيعية الخلابة ما يبهج النفس المهمومة و يطرد عنها الحزن …
كان الوقت ضحى عندما وصلت أخيرا إلى مزرعة نديم بعد مساعدة البعض .
كنت مرهقا جدا ، فأنا لم أنم لحظة واحدة منذ نهضت صباح الأمس … و لم أهدأ دقيقة واحدة مذ رأيت الخائنين يتعانقان أمامي …
عدا عن هذا ، فإن معدتي لم ترحم بحالي و عذبتني أشد العذاب طوال هذه الساعات
كانت مساحة المزرعة صغيرة ، محاطة بالسياج ، و بها الكثير من الأشجار المثمرة …
ركنت سيارتي جانبا و دخلت عبر البوابة الكبيرة المفتوحة …
كنت أسير ببطء و أراقب ما حولي ، و رأيت منزلا صغيرا في آخرها .
فيما أنا أسير نحو المنزل لمحت سيدة تقف عند الأشجار ، و إلى جانبها عدة صناديق خشبية مليئة بالثمار ..
كانت السيدة تقطف الثمار و تضعها في تلك الصناديق . و كانت ترتدي جلبابا واسعا و تلف رأسها بوشاح طويل …
اقتربت ببطء من السيدة و أصدرت نحنحة قوية للفت انتباهها .
السيدة استدارت نحوي و نظرت إلي بتساؤل ، و من الوهلة الأولى توقعت أن تكون امرأة أجنبية ، في الأربعينات من العمر .
قلت :
" معذرة سيدتي ، إنني أبحث عن مزرعة السيد نديم وجيه و عائلته "
قالت السيدة :
" من أنت ؟؟ "
أجبت :
" أنا صديق قديم له ، أدعى وليد شاكر "
تهلل وجه السيدة ، و قالت :
" أنت صديق نديم ؟؟ "
قلت :
" نعم … في الواقع كنت زميلا له في … "
و صمت ّ لحظة ، ثم تابعت :
" في السجن … "
علامات الاهتمام ظهرت جلية على وجه السيدة و أخذت تحدق بي ، فخجلت و غضضت بصري …
قالت :
" أنا زوجة نديم … أحقا تعرفه ؟ "
" نعم … سيدتي و هو من دلّني إليكم "
قالت :
" و أين هو الآن ؟؟ ألا يزال في السجن ؟؟ "
صعقت لدى سماعي هذا السؤال و رفعت بصري إليها فوجدتها تكاد تخترقني بنظراتها القوية المهتمة جدا و القلقة …
عادت تكرر بخشية :
" أما زال في السجن ؟؟ "
رباه ! لقد قتِل نديم قبل سنين ! ألم يخبروا أهله بذلك ؟؟ بم أجيب هذه السيدة الآن ؟؟
السيدة رفعت يدها إلى صدرها كمن يتوقع خبرا سيئا ، قرأته في عيني …
أنا هربت بعيني … نحو أشياء عدة … إلا أنني في النهاية عدت أواجه نظراتها الملهوفة … و قلت بنبرة حزينة :
" البقاء لله "
السيدة هلعت … و انفتحت حدقتاها على مصراعيهما و انفغر فاها …
ثم ضربت على صدرها … و رأسها … و صرخت :
" يا ويلي "
أنا كنت أريد أن … أعتذر عن نقل خبر مفجع كهذا … و لكني لم أعثر على الكلمات الملائمة … كما و أنني شغلت بحالة السيدة المفجوعة …
فجأة … ترنحت السيدة و هوت أرضا !

اقتربت منها و قلت بصوت خائف قوي :
" سيدتي ! "

و ظهر لي أنها فقدت الوعي …
عدت أنادي دون جدوى … ارتبكت و لم أعرف ما أفعل …
تلفت يمنة و يسرة و لم أجد أحدا ، و ناديت بأعلى صوتي :
" أيسمعني أحد ؟؟ ساعدوني … "
و لم أسمع أو أرى أي تجاوب … لم يكن في المزرعة على ما يبدو غير هذه السيدة …
ركضت بسرعة نحو ذلك المنزل و أنا أنادي :

" أمن أحد هنا ؟ أرجوكم ساعدوني "
وقفت أمام المنزل ثانية ، ثم اقتحمته !
كنت أنادي و استنجد … و كانت أبواب المنزل مفتوحة …
فجأة وصلني صوت ٌ من خلف أحد الأبواب :
" من هناك ؟؟ "
قلت بسرعة و اضطراب :
" أسرعوا … السيدة في الخارج فقدت وعيها "
اندفع الباب منفتحا فجأة و بقوة كادت تصدّع الجدار الذي اصطدم به ، و انطلق من الداخل شهاب ٌ ذهبي !
" أمي ! "
صرخت الفتاة الشقراء التي ظهرت مسرعة و ركضت مسرعة كالبرق نحو الخارج و أنا … أتبعها …
وصلنا إلى حيث السيدة ، و بدأت الفتاة تصيح و تصرخ بذعر …

" أمي … أمي … ردي علي أرجوك … "

و هوت إلى جانبها تحاول إيقاظها
أنا وقفت ُ مذهولا مسلوب الإرادة و التفكير …

الفتاة أخذت تنادي بصوت قوي :

" خالي … تعال بسرعة "

تلفت أنا من حولي و لم أر أحدا …
نهضت الفتاة الشقراء بسرعة و ركضت مبتعدة و هي تنادي
" خالي … أسرع "
يا إلهي … هل ماتت السيدة ؟؟
إنني من تسبب في موتها …
ماذا أفعل الآن ؟؟
لحظة شعرت ُ فيها برغبة قوية في الهروب …
إلا أن رجليّ لم تسعفاني …
ظهرت الآن الفتاة الشقراء ، تمسك بيد رجل عجوز أشقر ، تجبره على الركض ، و هو لا يقوى عليه …
و أخيرا وصلا إلينا … في نفس اللحظة التي بدأت فيها السيدة تفتح عينيها …
أقبلت الفتاة بسرعة لمساعدة أمها في الجلوس و هي تقول بفزع :
" أمي … ماذا جرى لك ؟؟ "

السيدة بدت متعبة و منهارة ، وضعت رأسها على صدر ابنتها و أغمضت عينيها …
الفتاة نظرت الآن و لأول مرة نحوي أنا !
" من أنت ؟؟ ماذا حدث ؟؟ "

أنا ارتبكت و بدأت أتأتئ….
الرجل العجوز اقترب من السيدة و قال :
" ليندا ! ماذا جرى لك ؟؟ "
قالت الفتاة :
" يجب أن نأخذها إلى المستوصف يا خالي هيا بسرعة "

و تعاونا الاثنان على إسنادها …
قال العجوز :
" السيارة في المؤخرة ! "
قالت الفتاة :
" أوه كلا ! "

حينها أنا تدخلت و قلت :
" أيمكنني المساعدة ؟؟ لدي سيارة تقف بالخارج … على مقربة "

نظر العجوز إلى ، و كأنه ينتبه لوجودي الآن فقط ، و قال :
" من أنت ؟؟ "
قلت :
" أنا … وليد شاكر … صديق نديم "
الفتاة نظرت إلي باهتمام ، إلا أن والدتها تأوهت ، فأهملت الفتاة نظراتها إلي و نادت :
" أمي … تماسكي أرجوك … "
قلت :
" تعالوا معي … "

و لم يتردد الآخرون كثيرا ، بل ساروا خلفي مباشرة …
وُضعت السيدة في السيارة ، و جلس الرجل العجوز إلى جانبي ، ثم ذهبت الفتاة مسرعة و عادت خلال ثواني ، و جلست إلى جانب أمها في على المقاعد الخلفية
تولّى العجوز إرشادي إلى أقرب مستوصف من المزرعة ، و هناك تم إسعاف السيدة و إجراء اللازم …
الأحداث جرت بسرعة مدهشة ، حتى أنني لا أذكر بقية التفاصيل !
قال الطبيب :
" نوبة قلبية … يجب أن تنقل للمستشفى من أجل الملاحظة و العلاج "
رباه !
هل تسببت ُ دون قصد ٍ مني في نوبة قلبية لزوجة صديقي ؟؟
كم أنا نادم على الحضور … بل نادم على تذكر وصيتك يا نديم … فعوضا عن مساعدة عائلتك هاأنا أتسبب بمرض زوجتك !

الذي حدث هو أن صحة السيدة تحسنت شيئا فشيئا ، و رفضت هي الذهاب للمستشفى و أصرت على العودة إلى البيت …
بصعوبة أقنعتها ابنتها بالبقاء بعض الوقت ، حتى تتحسن أكثر …
تُركت السيدة في غرفة للملاحظة ، و بقينا أنا و العجوز في على مقربة …
الآن تخرج الفتاة من الغرفة ، و تأتي نحونا

العجوز يبادر بالسؤال :
" كيف هي ؟؟ "
" نائمة ، لكنها أفضل "

و بعدها تنظر إلي أنا …

غضضت أنا بصري … فسألتني :

" من أنت ؟؟ "
أجبت :
" وليد شاكر … كنت أحد أصدقاء السيد نديم وجيه "
قالت :
" إنه والدي "
قلت :
" نعم … عرفت "
قالت :
" و لم جئت لمزرعتنا ؟ ألا تعرف أن أبي في السجن منذ زمن ؟؟ "
صمت … ما ذا بإمكاني القول ؟؟

قالت :
" بم أخبرت أمي ؟؟ "
و أيضا بقيت صامتا …
قالت :
" والدي قُتِل … أليس كذلك ؟؟ "

رفعت نظري إليها مندهشا … و متندما … و أسِفا … و كم كانت تعبيرات وجهها تنم عن القوة و الجرأة …
ثم نظرت إلى الرجل العجوز … فرأيته هو الآخر يحملق بي …
قلت :
" أنا … آسف … "
خشيت أن تأتي ردة فعل الفتاة كأمها لكنني عجبت من هذه القوة و الصمود اللذين تملكاها … قالت :
" كنت أتوقع ذلك … "

ثم انصرفت عائدة نحو الغرفة …
بعد ذلك بدأ العجوز يستجوبني … و سردت عليه بعض أخبار نديم و أوضاعه في السجن قبل موته … و علمت أنهم منعوا من زيارته و لم يبلغوا بوفاته …
و كم أثار ذلك حزني و حنقي …
أبعد العذاب الذي صبوه عليه كل تلك المدة ، يقتلونه و يدفنونه ثم لا يبلغون أهله حتى بأنه مات !؟
أ تركوا العائلة تعيش مرتقبة عودته فيما هو رميم تحت الأرض ..؟؟
طال الانتظار ، و لم أعرف … أعلي الذهاب و تركهم ؟؟ أم علي البقاء و مساعدتهم ؟
و لكنني آثرت البقاء … من باب الأدب و الوفاء لصديقي الراحل …
بعد فترة ، اشتد علي الألم ، و التعب و بدأت أحس بالدوار …
لم أكن قد تناولت شيئا بعد تلك البوضا الأخيرة … لذلك أحس باضطراب …
و قد لاحظ العجوز اضطرابي و وهني ، إذ كنت أسند رأسي إلى الحائط القائم خلف المقعد الذي أجلس عليه ..

" هل أنت على ما يرام ؟؟ "
سألني العجوز … أجبت :
" أشعر بالإعياء … "
قمت بصعوبة ، بالكاد أحمل نفسي و سرت خطى متعثرة حتى وصلت إلى عيادة الطبيب …

انهرت على السرير هناك و قلت :
" أنا مرهق … ساعدني … "

اشتد بي الدوار و بدأت أتقيأ … عصارة ممزوجة بالدم …
بعد أربعين دقيقة من العلاج شعرت بتحسن كبير … و شكرت الطبيب …
الطبيب سألني عدة أسئلة عرف منها عن آلام معدتي المتكررة و الدماء التي تخرج من جوفي ،
فأجرى لي بعض الفحوص ثم رتب لإرسالي إلى قسم المناظير لإجراء منظرة لمعدتي …

الرجل العجوز كان يأتي للاطمئنان علي بين الفينة و الأخرى …
" أ أنت بخير يا هذا ؟ "
" أنا بحال أفضل الآن . شكرا لسؤالك أيها العم ، ماذا عن السيدة ؟ "
" لا تزال نائمة و يريد الطبيب نقلها إلى مستشفى أكبر ، لكن ظروفنا لا تسمح بذلك "

و الآن دخلت الممرضة في الغرفة التي كنت ُ أنا فيها و قالت :
" هيا يا سيد ، سنأخذك إلى قسم المناظير "

الرجل العجوز نقل بصره بيني و بينها في تساؤل ، فقلت :
" سأعود بسرعة "

و ذهبنا إلى قسم المناظير و تم إجراء منظرة لمعدتي … و بعد الفراغ من ذلك قال لي الطبيب :
" إنها قرحة نازفة … في معدتك أيها السيد "

خمس ساعات مضت و نحن في ذلك المستوصف ، ننتظر تحسن السيدة زوجة نديم كي نغادر
وصف لي الطبيب أدوية اقتنيتها من صيدلية مجاورة ، بسعر باهظ … كما و أنني دفعت مبلغا كبيرا نسبيا من أجل مستحقات الطبيب و الفحوص و المنظرة
أتساءل ، أي مبلغ خسرت عائلة نديم يا ترى ؟؟

أقف الآن عند المخرج ، و أرى الفتاة ابنة نديم تدفع كرسي العجلات الذي تجلس عليه والدتها ، و إلى جانبهم العجوز الطيب .
حينما صاروا قربي ، انطلقت نحو السيارة و أنا أقول :
" من هنا رجاءً "
أخذ الثلاثة يتبادلون النظرات ، ثم نظروا إلي …
في أعينهم كانت آثار الدموع واضحة ، كما علامات الحيرة و التردد …
قلت :
" سأوصلكم إلى المزرعة … إن لم يكن لديكم مانع ؟؟ "

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.