قضت إرادة الله سبحانه وتعالى أن يشرف أمتنا برسالة الإسلام، حيث انطلق هذا الدين العظيم من جزيرة العرب نوراً وعلماً، وتسامحاً وخيراً للناس أجمعين، والإسلام إنما جاء هدى ورحمة للعالمين من يوم نزوله إلى أن تقوم الساعة، وهو ليس عدوا لمن استظل تحت رايته أو سالمه وسالم أهله، بل عدوُّ الناس وعدو تقسه هو الذي يعاديه ويعادي أهله…
فقد جاء الإسلام ليهدي الضالين ليتمكنوا بحججه وبيناته من التفريق بين الحق والباطل، كما قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ…}.
فمن طلب الهدى في هذا الدين وجَده، ومن أبى فَقَدَه، والناس في ذلك يشبهون المرضى الذين يصف لهم أطباؤهم أدوية أمراضهم، فمن استعمل الدواء شفي بإذن الله، ومن أبى فقد رضي لنفسه بالبقاء في مرضه…
الترغيب في الرحمة…
وقد رغب النبي صلى الله عليه وسلم في الرحمة والشفقة على خلق الله صغاراً كانواً أو كباراً، رجالاً كانوا أو نساء، وقد ورد في ذلك أدلة كثيرة منها:
عن جرير بن عبدالله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من لا يرحم الناس، لا يرحمه الله" متفق عليه.
وعن أبي موسى رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لن تؤمنوا حتى تراحموا". قالوا: يا رسول الله! كلنا رحيم. قال:" إنه ليس برحمة أحدكم صاحبه، ولكنها رحمة العامة" حسنه الألباني.
وهذا يدل على أن الرحمة ينبغي أن تتوسع لتشمل الناس جميعاً من عرفت من ومن لم تعرف.
وعن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض، يرحمكم من في السماء". رواه أبو داود والترمذي.
إن الإسلام لا يعرف الأحقاد والضغائن التي أوردت البشرية موارد الهلاك في كثير من مراحل حياتها..
إن القلوب القاسية التي لا تعرف الرحمة ولا الشفقة ليست هي قلوب المؤمنين الصادقين، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم:"لا تنزع الرحمة إلا من شقى". حسنه الألباني.
رحمة الأطفال..
ومن صور الرحمة في الإسلام: رحمة الأطفال الصغار وملاطفتهم والتودد إليهم وعدم إيذائهم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قبَّل النبي صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي رضي الله عنهما، وعنده الأقرع بن حابس، فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد، ما قبّلت منهم أحدا، فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"من لا يرحم لا يُرحم". متفق عليه.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قدم ناس من الأعراب على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: أتقبلون صبيانكم؟ فقال: نعم. قالوا: لكنا والله ما نقبل! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أو أملك إن كان الله نزع من قلوبكم الرحمة". متفق عليه.
فهذا هو محمد صلى الله عليه وسلم هذا هو من يفترون عليه الكذب ويقولون إنه رجل مقاتل تواق إلى إراقة الدماء، ولا يعرف الرحمة!
خابوا وخسروا إن رموا رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الكذب والبهتان والافتراء.
إن على المنظمات التي أنشئت لمحاربة إيذاء الأطفال والنهي عن إيذائهم، وعليها أن تغلق على أبوابها هذه الأحاديث النبوية الكريمة في الحث على رحمة الأطفال والتلطف معهم والإحسان إليهم.
الرحمة بالمرأة..
أما رحمة الإسلام بالمرأة، فهو أمر يفتخر به المسلمون في كل زمان ومن ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم "وجد امرأة مقتولة في بعض الغزوات، فأنكر ذلك، ونهى عن قتل النساء والصبيان". رواه مسلم.
وفي رواية أنه قال:"ما كانت هذه لتقاتل" ثم نظر في وجوه أصحابه وقال لأحدهم: "الحق بخالد بن الوليد، فلا يقتلن ذرية ولا عسيفا أي أجيرا ولا امرأة" رواه أبو داود.
وقال صلى الله عليه وسلم:"اللهم إني أحرج على الضعيفين: اليتيم والمرأة" رواه النسائي وحسنه الألباني. فوصفه للمرأة بالضعف هنا؛ يراد منه رحمتها، وحسن عشرتها، والإحسان إليها، وعدم إيذائها.
الرحمة بالحيوان..
وتتعدى الرحمة في الإسلام الإنسان لتشمل الحيوان البهيم، فقد أعطاه الإسلام حظه من الرحمة والشفقة والإحسان وقد ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته بعض القصص المتعلقة بالرفق والرحمة بالحيوان، حضا لهم على تطبيق ذلك السلوك السوي الذي يحقق رحمة الله العامة بكل مخلوقاته في الدنيا.
ومن أمثلة ذلك: حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "بينما رجل يمشي، فاشتد عليه العطش، فنزل بئرا فشرب منها، ثم خرج فإذا هو بكلب يلهث يأكل الثرى من العطش، فقال لقد بلغ هذا مثل الذي بلغ بي، فملأ خفه ثم أمسكه بفيه ثم رقِيَ، فسقى الكلب، فشكر الله له فغفر له. قالوا: يا رسول الله! وإن لنا في البهائم أجرا؟ قال: "في كل كبد رطبة أجر" صحيح البخاري.
وصح عنه صلى الله عليه وسلم، أن الله غفر لامرأة بغي لسقيها كلبا اشتد عطشه كما في حديث أبي هريرة: "أن امرأة بغيا رأت كلبا في يوم حار يطيف ببئر، قد أدلع لسانه من العطش فنزعت له بموقها فغفر لها" صحيح مسلم.
وإذا كان الله تعالى يغفر بعض كبائر الذنوب المسلم برحمة الحيوان والرفق به، فإنه تعالى يعذب من نُزِعت الرحمة من قلبه، فيعذب الحيوان، كما في حديث ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "دخلت امرأة النار في هرة ربطتها، فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض" صحيح البخاري.
فأين جمعيات الرفق بالحيوان من هذه الآداب النبوية الرشيدة وكيف ينكرون فضل الإسلام وقد سبقهم بأربعة عشر قرناص من الزمان! وما زالوا لا يفرقون بين ما هو حق وما ليس بحق، حيث إنه يعتبرون الذبح على الطريقة الإسلامية نوعاً من القسوة ولا يعرفون الفوائد الكثيرة لطريقة الذبح الإسلامية أما هم فيصعقون ذبائحهم بالكهرباء، أو يضربونها على رؤوسها فتموت ثم يذبحونها، ويعتبرون ذلك من الرحمة بالبهائم، والمرء إذا لم يكن له هاد من الوحي خبط خبط عشواء وتحكمت به الأهواء، وحسب كل بيضاء شحمة وكل سوداء تمرة، وتفاخر على غيره بما هو أصل المذمة والنقص، ولكن عين الهوى عمياء!
وقد شملت رحمة النبي صلى الله عليه وسلم حتى الجمادات فقد كان صلى الله عليه وسلم إذا خطب يقوم على جذع من جذوع النخل، فلما صنع له المنبر وقام عليه خطيباً، بكى الجذع وسمع له الصحابة صوتاً فنزل النبي صلى الله عليه وسلم من على المنبر ووضع يده على الجذع حتى هدأ وسكن. رواه البخاري.
وأخيراً نتمنى أن تتاح الفرص لغير المسلمين، أفرادا وأسرا، أن يزوروا الأسر الإسلامية في البلدان الإسلامية وفي غيرها، ليطلعوا على ما يطبق من الإسلام وأثره على حياة المسلمين، وليعرفوا أن كثيرا من زعمائهم وأجهزة إعلامهم ومثقفيهم، شوهوا صورة الإسلام والمسلمين في عقولهم ونفروهم منه، وأن الأولى بهم أن لا يقلدوا أعداء الإسلام تقليدا أعمى، فيعينوا قادتهم من السياسيين والعسكريين والإعلاميين والمتصهينين، على حربه وهو جدير بالدفاع عنه وبمسالمته