الأطفال المغتربون بين الإندماج والتمايز،وطرق تهيئتهم؟!
الآثار النفسية للاغتراب على الطف،وكيفية تهيئته ومناقشته في ما ينتظره من تغيير في المكان!!
تواجه الأسرة العربية في بلاد الإغتراب تحديّات جمّة، يتمثّل أبرزها في التكيّف وإيجاد التوازن بين ما تحمله من عادات وتقاليد وقيم ومبادئ تتوارثها جيلاً بعد جيل وبين تلك السائدة في الموطن الجديد.
تبدو تهيئة الطفل نفسياً، قبل الشروع في هذا القرار، خطوةً أساسيةً وهامّةً يجري خلالها إطلاع الطفل على قرار الإنتقال إلى بلد آخر، بالأسلوب الذي يتناسب وسنّه. وفي هذا الإطار، تشدّد الدكتورة كلاّب على ضرورة تجنّب أن يكون هذا الأمر مفاجئاً، بل يجب مدّ الطفل بمعلومات وافرة وواضحة عن البلد الجديد من خلال الصور أو الفيديو، وشرح الأسباب التي دفعتهم إلى القيام بهذه الخطوة، وتبيان حسناتها ونتائجها الإيجابية. كما ينبغي مناقشة الوضع الذي ستكون عليه أحوال الأسرة هناك، ونمط عيشها وطريقة تواصلها مع البلد الأم ومع الأصدقاء والأقارب.
الآثار النفسيّة:يشكّل الاغتراب نقلةً جوهرية في حياة الأسرة وتغييراً في نمط عيشها وتفاصيل يوميّاتها، فكيف يواجه الطفل هذا التغيير، وخاصة افتقاده للوجوه والأشياء التي أحبّها وتعلّق بها؟
ممّا لا شك أنّ ردات فعل الأطفال تتفاوت تجاه هذا الأمر، كلّ بحسب سنّه وطبيعته وأسلوب تربيته والمحيط الذي نشأ فيه. فالطفل الذي لم يتجاوز عمره 3 سنوات يعتبر الأمر سهلاً، إذ لم يكن قد نسج علاقات وصداقات بعد، وحيث أنه لم يتعرف في هذه السن المبكرة سوى على والديه وإخوته. في المقابل، يشعر الطفل الذي يتراوح عمره ما بين 4 و6 سنوات بوطأة الاغتراب، إذ يفتقد الجوّ الحميم الذي كانت عائلته الكبيرة (الوالدان، الأجداد، الأعمام، الأخوال، الخالات…) تحيطه به، إذ يشكّلون جميعاً مصادر أساسية يستمدّ منها الحب والأمان، ويحظى باهتمامهم ورعايتهم. وقد يترجم الطفل هذا الحرمان إلى حالة من الحداد الموقتة، تصاحبها أعراض جانبيّة تتمثّل في: الامتناع عن اللعب، وفقدان الشهية، واضطرابات في النوم، وبكاء وعزلة. وفي هذه الحالة، يجدر بالأهل اصطحاب ما يمكنهم من أغراض وأشياء شخصيّة تتعلق بالطفل كان قد اعتاد على وجودها والتفاعل معها (ألعاب، وسائد، قصص…) للتخفيف من حدة شعوره بفقدان العناصر المألوفة لديه والمحبّبة إليه.
ولعلّ الشعور بالغربة والصدمة يكون أشدّ وقعاً على المراهق المغترب، إذ يجد نفسه مضطراً إلى التخلّي عن مجموعة لا بأس بها من الأصدقاء والأماكن والعادات التي اتخذت مكانةً هامّةً في ذاكرته ووجدانه. ففي البداية، يعيش غربةً نفسيّةً داخليةً، فقد تغيّر عالمه الخاص بجميع عناصره، مما يولّد لديه شعوراً بالصدمة ما يلبث أن يتبدّل أمام حتمية التأقلم والاندماج، فيميل إلى التماهي مع أقرانه خشيةً من العزلة والتهميش، بعد رحلة مريرة من البحث عن هويته. وفي هذه المرحلة، يضجّ في رأسه سؤال هامّ: من أنا؟ لشعوره بأنه مجرد رقم في هذا المجتمع الغريب الذي لا يمتّ إليه بصلة.
التكيّف والاندماج:تساهم عوامل عدّة في تحقيق الاندماج في المجتمع الاغترابي، من بينها طبيعة الشخص وبنيته النفسية وميوله الإجتماعية وقدرته على التواصل والتفاعل مع المحيطين به ونمط عيشه وأسلوب والديه المرن والمنفتح في تربيته… في حين يصعب على الطفل الذي ينشأ في جو من العزلة الإجتماعية التأقلم بيسر وسهولة، علماً بأن ملكة التكيّف والتأقلم تختلف من شخص إلى آخر.
وقد تشهد مرحلة اندماج المراهق في مجتمعه الجديد بعض الاضطرابات والصراعات مع والديه، لما تحمله من عادات وسلوكيات قد تتناقض مع مجموعة القيم والمفاهيم التي نشأ عليها الأهل. وهنا، يجدر بالوالدين تفهّم ابنهما وما يشهده من تطورات وتغييرات …على هذا الصعيد، وإسداء النصح والإرشادات إليه، بعيداً عن التصلّب والتعنّت، مع اعتماد الحوار والنقاش أسلوباً في حل ما يواجهونه من تحديات ومشكلات.
خطوات هامّة:يخشى عدد من المغتربين ضياع هوية أبنائهم وفقدانهم السبل والرغبة في التواصل مع باقي أفراد عائلتهم الكبيرة في الوطن الأم. وللحفاظ على الروابط بين المغترب وموطنه الأوّل، دون أن يعوق ذلك مسألة الاندماج والتكيّف، ينصح الأهل باتباع التالي:
الحرص على إيجاد التوازن بين ثقافة البلد المضيف وتلك السائدة في الوطن الأم، بحيث تحافظ العائلة على منظومة القيم الأخلاقية والاجتماعية والدينية بدون تعنّت أو تزمّت أو تقوقع داخل مجموعات عاجزة عن الإندماج مع محيطها الجديد، والبحث عن قواسم مشتركة مع هذا المجتمع، رغم ظواهر الإختلاف والتباين. فالحق في الإختلاف والتنوّع مشروع ولا يحول دون التأقلم والإندماج.
?التحدّث باللغة الأم حفاظاً على الهوية، وتعزيزاً للشعور بالإنتماء إلى بلد يحمل حضارة وتاريخاً، إذ أن للطفل جذوراً وأصولاً ستشكل لاحقاً أساساً يبني عليه. فمن لا تاريخ له لا حاضر أو مستقبل له.
?الإطلاع على ثقافات متنوّعة ومختلفة هو مصدر غنى حضاري وثقافي، مما يتيح للطفل تكوين شخصيّة ثرية من حيث التجارب والخبرات، وكلّما تعدّدت مصادر معرفته كلّما تمتّع بنضج ووعي وتوسّعت آفاقه ومداركه.
دمتم فى حفظ الله