في معرض تذكيرها بأن شهر مايو (أيار) هو الشهر القومي بالولايات المتحدة للتوعية بمرض ارتفاع ضغط الدم، أشارت مؤخرا نشرة مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية بالولايات المتحدة الخاصة بهذا الموضوع إلى أن أكثر من 73 مليون إنسان في الولايات المتحدة وحدها مصاب بهذا المرض المزمن، أي حوالي خُمس السكان، وأن ارتفاع ضغط الدم يرفع من احتمالات حصول نوبات الجلطة القلبية والسكتة الدماغية.
وهما، بالترتيب، السبب الأول والثالث للوفيات في تلك الأمة. وذلك بالإضافة إلى دور هذا المرض في التسبب في الفشل الكلوي وفشل القلب. وأعادت إلى الأذهان أن حوالي 320 ألف أميركي توفوا في عام 2024 نتيجة لمرض ارتفاع ضغط الدم، بشكل مباشر أو غير مباشر، أي نتيجة لمضاعفاته. وذكرت صراحة أن البُعد الاقتصادي لمعالجة المرضى بمشكلة ارتفاع ضغط الدم ستكلف فاتورة مالية، بحجم ميزانيات دول، يتجاوز مقدارها 73 مليار دولار خلال عام 2024 فقط.
وبالرغم من إشارتها إلى أن ضغط الدم كان السبب وراء أكثر من 45 مليون زيارة طبية، أي للطبيب في العيادة، في الولايات المتحدة خلال عام 2024، إلا أنها ذكّرت جميع البالغين بضرورة الالتفات إلى موضوع ارتفاع ضغط الدم، لأن 90% من متوسطي العمر، من الجنسين، سيصابون بمرض ارتفاع ضغط الدم في مرحلة ما تالية في العمر، وأيضا لأن 20% من الناس الذين لديهم بالفعل مرض ارتفاع ضغط الدم، لا يعلمون ذلك، ولم يتمكن الأطباء من إجراء فحص ضغط الدم لاكتشاف ذلك، أي أنهم يقضون بضع سنوات من عمرهم وهم لا يعلمون أن هذا المرض لديهم. وهو ما يُضيّع عليهم فرصة الاكتشاف المبكر للمرض، ومعالجته بشكل شامل، قبل حصول أي تداعيات له.
أعراض صامتة
في أكثر من 90% من حالات مرض ارتفاع ضغط الدم، لا يكون هناك سبب معروف لحصول ذلك. وهو ما يسمى بالنوع «الأولي» لارتفاع ضغط الدم.
أما في حوالي 10% من الحالات، فيكون ثمة سبب طبي لظهور الحالة، ويسمى حينها بالنوع «الثانوي»، أي ثانوي ناتج عن شيء أولي، وذلك إما لوجود اضطرابات في الكلى، أي في عملها، أو بنيتها، أو الشرايين المُغذية لها، أو لوجود أورام في الغدة فوق الكلوية، أو نتيجة لوجود عيوب خَلقية في القلب، أو كآثار جانبية لتناول أحد الأدوية، مثل تناول النساء لحبوب منع الحمل الهرمونية، أو تناول بعض أدوية معالجة نزلات البرد، أو مضادات الاحتقان، أو الأدوية المسكنة للألم، أو تناول بعض المخدرات والأدوية غير القانونية، مثل الكوكايين والأمفيتامينات.
ويختصر الباحثون من مايو كلينك وصف مرض ارتفاع ضغط الدم بعبارة: من الممكن أن يكون لديك مريض ارتفاع في ضغط الدم لعدة سنوات، دون أن يكون لديك علامة واحدة تدل عليه.
والأطباء لم يُجانبوا الصوابَ حينما وصفوا مرض ارتفاع ضغط الدم بأنه «مرض صامت»، ذلك أن ضغط الدم يبدأ في صمت بالارتفاع المرضي، ويستمر كذلك دون أي علامة أو مظهر أو شكوى تدل على وجوده. ولكن هذا «الصمت» لا يستمر طويلا، بل تبدأ الشكوى حينما تنشأ مضاعفات هذا المرض.
وهي مضاعفات متوقع حصولها، إما في القلب، أو الشرايين القلبية والدماغية، أو الكلى، أو شبكية العين، أو شرايين أطراف الجسم، أو في كل تلك الأجزاء من الجسم حال استمرار هذا الارتفاع غير الطبيعي في ضغط الدم داخل الشرايين. ولمن لا يُلقي بالا بالأصل لأهمية إجراء الفحوصات، وفق ما تنصح به الإرشادات الطبية، لا تبقى له سوى «الصدفة» كي تكشف له أن هناك ارتفاعا دائما، وغير طبيعي، في ضغط الدم.
وحول الأعراض المحتملة لارتفاع ضغط الدم لدى الشخص، فإن من الضروري معرفة أن ضغط الدم قد يرتفع إلى مستويات عالية، دون أن يتسبب في أي مظاهر أو علامات تدل عليه. ومع هذا، فإن بعض الناس، وفي بدايات إصابتهم بارتفاع ضغط الدم، قد يعانون من صداع ثقيل في الرأس، أو نوبات من الدوار، أو من نزيف في الأنف، ولكن أيضا علينا ملاحظة أن أيا من هذه الأعراض قد يظهر لدى إنسان ما، دون أن يكون لديه ارتفاع في ضغط الدم. ولذا، مثلا، يكون الاعتماد على عدم وجود صداع، كعلامة على عدم وجود ارتفاع في ضغط الدم، اعتمادا واهيا وواهما.
قياس ضغط الدم
وتشير المصادر الطبية إلى أن الإرشادات الأساسية للهيئات الطبية المعنية بصحة القلب تقول: على كل إنسان، تجاوز سن العشرين، إجراء قياس ضغط الدم مرة كل سنتين. كما أن الفحص السنوي للأطفال، الذين تجاوز عمرهم ثلاث سنوات، يجب أن يتضمن قياس ضغط الدم.
وتتأكد الحاجة إلى قياس ضغط الدم، في فترات زمنية أقل من سنتين، لمنْ سبقت ملاحظة أن لديهم ارتفاعا طفيفا في ضغط الدم، أو منْ ثبت أن لديهم تاريخا عائليا بإصابة أحد الأقارب، القريبين جدا في النسب، بمرض ارتفاع ضغط الدم، أو منْ لديهم أحد عوامل خطورة الإصابة بأمراض شرايين القلب، مثل مرض السكري، واضطرابات الكولسترول، والدهون الثلاثية، والتدخين، والسمنة، وتدني ممارسة الرياضة البدنية، وغيرها.
وتتم في الحالات العادية معرفة مقدار ضغط الدم الجاري في شرايين الجسم من خلال إجراء القياس بواسطة جهاز «مقياس ضغط الدم» للشريان الكبير في العضد.
وهناك طرق أخرى أعمق تتطلب وضع نهاية أنبوب خاص في داخل الشريان نفسه، وذلك كما يجري في وحدات العناية المركزة، أو خلال قسطرة القلب.
وقراءة ضغط الدم تشمل رقمين، الأول هو مقدار «الضغط الانقباضي»، أي الذي يكون في داخل الشرايين خلال انقباض القلب. والثاني هو مقدار «الضغط الانبساطي»، أي الذي يكون خلال فترة انبساط القلب.
ومعلوم أن الدورة القلبية الواحدة مكونة من مرحلتين، الأولى انقباض القلب بغية ضخ ما احتواه البطينان من الدم، والثانية انبساط القلب لفترة من الزمن، بغية إعطاء فرصة لامتلاء البطينين بالدم، كي يتم ضخه في النبضة التالية.
ولذا، فإن أرقام قياس ضغط الدم يُعبر عنها بـ136/78 مثلا، وذلك بوحدة «مليمتر زئبق».
ولمنْ تجاوزوا سن الثامنة عشر عاما من العمر، يتم تصنيف قراءة ضغط الدم ضمن أربع درجات، وهي: · ضغط دم طبيعي، أي حينما يشير القياس إلى أقل من 120/80. · ضغط دم في مرحلة ما قبل الارتفاع المرضي، أي حينما يشير القياس إلى ما بين 120 إلى 139 بالنسبة للضغط الانقباضي، وإلى ما بين 80 إلى 89 بالنسبة للضغط الانبساطي.
· ضغط دم في المرحلة الأولى من مرض ارتفاع ضغط الدم، أي حينما يشير القياس إلى ما بين 140 إلى 159 للضغط الانقباضي، أو ما بين 90 إلى 99 بالنسبة للضغط الانبساطي.
· ضغط دم في المرحلة الثانية من مرض ارتفاع ضغط الدم، وهي المرحلة الأكثر شدة، أي حينما يشير القياس إلى ما فوق 160 بالنسبة للضغط الانقباضي، وإلى ما فوق 100 بالنسبة للضغط الانبساطي. ومن المهم ملاحظة أن أي ارتفاع في مقدار الضغط الانبساطي أو الانقباضي، عن المعدل الطبيعي، هو شيء مهم لتشخيص الإصابة بمرض ارتفاع ضغط الدم. ولذا، فإن هناك منْ هم مصابون بمرض ارتفاع الضغط الانقباضي، وآخرون بمرض ارتفاع الضغط الانبساطي، أو بكليهما.
الهدف العلاجي
الهدف من علاج ارتفاع ضغط الدم هو الوصول به إلى مستويات آمنة. والأمان يتحقق بجعل مقدار القياس أقل من 140/90 ملم زئبق للأشخاص الأصحاء الذين لا تُوجد لديهم أي عوامل مزمنة أخرى مُؤثرة على القلب، مرضية أو غير مرضية.
أما الأشخاص الذين لديهم ضعف مزمن في الكلى، أو مرضى بالسكري، أو لديهم مرض شرايين القلب، أو لديهم ارتفاع في الكولسترول، أو المُدخنون، أو لهم تاريخ عائلي قوي للإصابة بأمراض القلب أو لارتفاع ضغط الدم، فإن الهدف العلاجي هو الوصول بضغط الدم إلى قراءات أقل من 130/80، ولكن منْ لديهم ضعف في قدرة القلب على ضخ الدم، أي مرضى فشل القلب، أو منْ لديهم ضعف شديد في وظائف الكلى، فإن الهدف هو الوصول بضغط الدم إلى قراءات أقل من 120/80.
وهنا علينا ملاحظة أن لا خلاف بين الأطباء حول معالجة ارتفاع ضغط الدم حينما تكون القراءات أكثر من 140/90، وذلك بإنقاص الوزن، وممارسة الرياضة البدنية، والامتناع عن التدخين، وتناول الأغذية الصحية، وأيضا ربما تدعو الحاجة إلى استخدام الأدوية حينما لا تفلح وسائل السلوكيات الصحية الحياتية.
والخلاف هو في العلاج الدوائي لمن لديهم قراءات في مرحلة «ما قبل ارتفاع ضغط الدم»، والذين لا تفلح وسائل السلوكيات الصحية الحياتية في خفض ضغط الدم للمعدلات الأقل من 120/80. وفي هذه الحالات يُقدّر الطبيب الوسيلة الأنسب للتعامل مع هذا الارتفاع «غير المرضي»، و«غير الطبيعي»، وذلك بناء على الحالة الصحية العامة للشخص. والأمر الآخر، هو الخلاف في حالات الأشخاص الذين تجاوزوا سن الثمانين من العمر.
وتشير إصدارات الباحثين من مايو كلينك إلى أنه يكفي لدى هذه الفئة من الناس خفض الضغط إلى مستويات أعلى بقليل من 140/90، وذلك لاعتبارات أهمها ضمان تدفق الدم بصفة كافية إلى الدماغ، وتحسين عمله. وهناك منْ يرى غير ذلك، أي خفض الأرقام إلى الحد الطبيعي، أي ما دون 120/80. والأمر برمته يعود إلى الحالة الصحية للشخص، وإلى مدى وجود عوامل ارتفاع خطورة الإصابة بأمراض القلب، أو إلى وجود ضعف الكلى.
كيف يتم تشخيص الإصابة بمرض ارتفاع ضغط الدم؟
دون أي تعقيد، أو دخول في دوامات من القراءات المرتفعة أو الطبيعية، أو التكهنات والرجم بالغيب في ترجمة معنى ذلك، هناك عنصر أساسي لإتمام «عملية سليمة وصحية لقياس ضغط الدم»، ولترجمة «معنى قراءات قياس ضغط الدم».
ودون هذا العنصر، تغدو عملية قياس ضغط الدم، وبالتالي ترجمة معنى نتائجه، عبثا وتضييعا لوقت الطبيب، والأهم تضييع الوقت الذي لا يُقدر بثمن بالنسبة للمريض، حال الغفلة عن تشخيص وجود ارتفاع حقيقي فيه، أو تعريض المريض لخفض علاجي ضار، لا مبرر أو داعي له.
ووفق إرشادات الهيئات المعنية بصحة القلب والشرايين، كالإصدار السابع للجنة القومية لضغط الدم، ورابطة القلب الأميركية، وغيرها، فهذا العنصر هو «إجراء قياس ضغط الدم بطريقة صحيحة». وقبل ذكر الطريقة السليمة لإجراء قياس ضغط الدم، من المهم معرفة كيف تشخّص إصابة إنسان ما بمرض ارتفاع ضغط الدم؟.
وأهمية هذا الأمر تنبع من أن مقدار ضغط الدم لدى الإنسان ليس ثابتا طوال ساعات اليوم، ولا خلال دقائقه، بل هو مقدار لقوة تتغير من لحظة إلى لحظة، وتبعا لمستوى النشاط البدني للمرء، وما الذي يشعر به في تلك اللحظة، ويتغير خلال النهار عن الليل، وفي الشتاء عن الصيف، ولدى رؤية الطبيب، أو الممرض، أو العيادة، أو حتى المستشفى، وغير ذلك من العوامل. وللشخص الذي لا يُعرف أن لديه ارتفاعا مرضيا في ضغط الدم، يكون التشخيص بناءً على عدة قراءات غير طبيعية، أكثر من ثلاثة قياسات متباعدة الوقت، خلال فترة زمنية تقارب ثلاثة أسابيع، وخاصة حينما تتم تلك القياسات بطريقة سليمة وصحية في المنزل، وبعيدا عن الأطباء والعيادات والممرضين.
ولقياس ضغط الدم بطريقة صحيحة، على المرء ملاحظة الأمور التالية:
– قبل البدء في استخدام جهاز قياس ضغط الدم لأول مرة، تأكد من فحص الطبيب أو المريض لدقة ذلك الجهاز في قياس الضغط. وقم بإجراء القياس تحت مرأى الطبيب أو الممرض، للتأكد من قيامك به بدقة.
– قم بقياس ضغط دمك في أوقات ثابتة، مثل: في الصباح، أو في المساء، وذلك لكي تتم الاستفادة من قراءة القياسات في الأيام المتفرقة.
– استخدم نفس العضد كلما قمت بقياس ضغط الدم، أي إما العضد الأيمن، أو الأيسر.
– لا تقم مطلقا بقياس ضغط الدم مباشرة عند استيقاظك من النوم، بل انتظر – على الأقل – ساعة أو أكثر.
– لو كنت من الذين يقومون بتمارين رياضية في الصباح، قم بقياس ضغط الدم قبل البدء في تلك التمارين.
– تجنب تناول الطعام أو المشروبات المحتوية على الكافيين لمدة 30 دقيقة قبل القيام بقياس ضغط الدم. ـ تجنب قياس ضغط الدم حينما تكون متوترا أو غاضبا، وخذ قسطا من الراحة قبل قياس ضغط الدم.
– اذهب إلى الحمام للتبول قبل قياس ضغط الدم، لأن المثانة الممتلئة تعمل على رفع مقدار ضغط الدم لدى الإنسان.
– اجلس بكل ارتياح وهدوء على الكرسي عند قياس ضغط الدم، ولا تضع ساقا أو كاحلا على الآخر، واسند ظهرك تماما على الكرسي.
– ضع ذراعيك بكل ارتياح في مستوى القلب
– على طاولة أو المسند الجانبي للكرسي. وإنْ احتجت، ضع وسادة تحت الذراع، ليصل إلى مستوى القلب.
– لا تتكلم أثناء قياس ضغط الدم.
– ضع السوار القماشي لجهاز الضغط على جلد عضدك مباشرة، وليس على الملابس. ويجب الحرص على عدم رفع الكم الضيق أصلا إلى أعلى العضد؛ ليتسبب بالتالي في ضيق وشد ضاغط على أعلى العضد، لأنه سيتسبب في إعطاء قراءة غير دقيقة لضغط الدم.
– قم بإجراء قياس لمرتين خلال القراءة الواحدة، بفصل فيما بينهما حوالي 3 دقائق.