سورة الفاتحة رقية يرقى بها المريض
أولاً: هي للرقية: فقد كان يرقى بها المريض فيشفى بإذن الله عز وجل، فهي كافية للرقية، كما في قصة القوم الذين أرسلهم الرسول صلى الله عليه وسلم في سرية، فضافوا على قوم فلم يضيفوهم، فجلسوا قريباً منهم، فلدغ سيدهم، فجاءوا إلى هؤلاء القوم وقالوا: هل منكم من راق؟ قال رجل منهم: نعم أنا راق، لكني لا أرقيكم إلا بكذا وكذا من الغنم، فقالوا: أرق سيدنا، فقرأ عليه سورة الفاتحة؛ فزال أثر اللدغة وكأنما نشط من عقال، فأخذوا عدداً من الغنم، وقيل: عددها ثلاثون، وجاءوا بها إلى المدينة، وكأنهم تحرجوا، أي: تحرج بعض الصحابة أن يأكل من هذه الغنم وقد أخذت رقية على كتاب الله عز وجل، فلما جاءوا إلى المدينة أخبروا الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: (وما أدراك أنها رقية؟ اقسموها واضربوا لي بسهم)، أي: أن هذا المال الذي أخذوه على هذه الرقية جائز، فأخذ من ذلك أن سورة الفاتحة كافية للرقية، فتقرأ على المريض أياً كان هذا المرض، وبإذن الله عز وجل يشفى.
سورة الفاتحة هي السبع المثاني
ثم سورة الفاتحة أيضاً هي كما سماها الله عز وجل: السبع المثاني، على رأي طائفة من العلماء وهم الجمهور، وقيل: إن المراد بالسبع المثاني: السبع الطوال، ولكن الرأي الأول أرجح، والله أعلم.
سورة الفاتحة ركن في الصلاة
وتمتاز أيضاً سورة الفاتحة بأنها ركن في كل ركعة في كل صلاة، سواء كانت نافلة راتبة أو غير راتبة، أو فريضة؛ فإنها لا تصح الصلاة إلا بقراءة سورة الفاتحة، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب). وتسمى فاتحة الكتاب؛ لأنها أول سورة في القرآن العظيم، فيبدأ القرآن بسورة الفاتحة. والعلماء متفقون على أنها لا تصح الصلاة السرية بالنسبة للإما والمنفرد إلا بقراءة هذه السورة، فالمأموم في الصلاة السرية يلزمه أن يقرأ سورة الفاتحة، واختلف في الصلاة الجهرية إذا لم يترك الإمام فرصة بين الفاتحة وبين السورة الأخرى، وعلى هذا فإن هذا الخلاف واضح، بحيث إن قراءة الفاتحة ركن في كل صلاة، وفي الصلاة الجهرية مع الإمام فإنه اختلف في لو لم يترك الإمام سكتة، فإنه يجوز أن يتركها ويتحملها الإمام، ولكن إذا ترك الإمام سكتة وكانت هناك أية فرصة أو في سكتات الإمام المتقطعة فإنه في مثل هذه الحال لا بد أن تقرأ، واختلفوا فيما إذا لم يترك فرصة، وحينئذ فإنه يلزم أن يقرأها في أي حالة من الحالات، والذين قالوا: تسقط إذا لم يسكت الإمام ولم يترك سكتات، في مثل هذه الحال فإنها تسقط عند طائفة من العلماء، أما من استدل بحديث: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)، وقال: إنها لا تصح أي صلاة إلا بها، فريضة كانت أو نافلة سرية أو جهرية مع الإمام أو بدون إمام منفرداً أو مأموماً، فإنه يقول: لا بد أن تقرأ في أي حالة من الحالات، ولو كان الإمام يقرأ، واستدلوا بحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن منازعة القرآن، وقال: (إلا بفاتحة الكتاب) أي: في مثل هذه الحال. وعلى هذا فإن هذه السكتة ولو كانت قليلة يستطيع أن يقرأ فيها المأموم سورة الفاتحة ولو بسرعة، أو يوزعها على السكتات، المهم أنه لا بد أن يقرأها. أما الذين قالوا: لا يجوز أن يقرأها المأموم إذا كان مع الإمام في صلاته الجهرية، فاستدلوا بقول الله عز وجل: وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الأعراف:204]. إذاً: سورة الفاتحة تعتبر أعظم سورة في القرآن العظيم، كما أن آية الكرسي أعظم آية، والدليل على أنها أعظم سورة في القرآن: أن الله عز وجل أثنى عليها، وجعلها منة ونعمة منه على الرسول صلى الله عليه وسلم، كما في قوله: وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ [الحجر:87]، فالسبع المثاني هي الفاتحة، وسميت مثاني لأنها تت في كل ركعة، فيكررها المسلم عدة مرات في اليوم الواحد، معنى (مثاني) أي: مثنى مثنى، أي: تكرر مرة بعد مرة. وجعل القرآن كله في كفة، وسورة الفاتحة في كفة، إضافة إلى أنها رقية كما ذكرنا، إضافة إلى أن هذه السورة لا تصح الصلاة إلا بها في أي ركعة من الركعات فرضاً كانت أو نفلاً. وعلى هذا نعرف أن سورة الفاتحة أعظم سورة في كتاب الله عز وجل، بالرغم من قصرها، وقد جاء في الحديث أن الله عز وجل يقول: (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فإذا قال العبد: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2]، قال الله عز وجل: حمدني عبدي، فإذا قال: الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة:3]، قال الله عز وجل: أنثى علي عبدي، فإذا قال: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4]، قال الله عز وجل: مجدني عبدي، ثم يقول الله عز وجل: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل)، ويصبح آخر السورة النصف الثاني كله دعاء، في قوله تعالى: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:6-7]، آمين. ولذلك الله عز وجل يقول بعد ذلك: (ولعبدي ما سأل)، والسؤال هنا: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ [الفاتحة:6-7]. وعلى هذا فإنه يتوقع الهداية من الله عز وجل لكل من يكرر هذه الفاتحة؛ لأنها لا تقوم الصلاة إلا بها؛ ولأنها هي الركن الأول من أركان الصلاة بعد تكبيرة الإحرام، فإن أركان الصلاة تبدأ بتكبيرة الإحرام وتثنى بقراءة الفاتحة، فالفاتحة ركن في كل ركعة كما ذكرنا سابقاً.