تخطى إلى المحتوى

نصيحة موجهة إلى كافة المسلمين 2024.

ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بـســم الله الـــرحـمــن الرحيـــــم

ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ

من عبد العزيز بن عبد الله بن باز , إلى من يراه من المسلمين

سلك الله بي وبهم سبيل عباده المؤمنين , وأعاذني وإياهم

من طريق المغضوب عليهم والضالين آمين .

سلام عليكم ورحمة الله وبركاته , أما بعـد : فالموجب لهذا هو

النصيحة والتذكير عمـلا بقــول الله تعــالى ( وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى

تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ ) وقــوله تعــالى ( وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى

وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ) وقـــوله سبحــانه : بسم الله

الرحمــن الرحيم ( وَالْعَصْرِ ، إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ ، إِلَّا الَّذِينَ

آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ )

وقــول النبي صلى الله عليه وسلم "الدين النصيحة قيل : لمن

يا رسول الله ؟ قال : لله ولكتابه ولرسوله , ولأئمة المسلمين

وعامتهم " رواه مسلم .

ففي هذه الآيات المحكمات , والحديث الشريف , صريح الدلالة

على مشروعية التذكير والتناصح , والتواصي بالحق والدعوة

إليه, وذلك لما يترتب عليه من نفع المؤمنين, وتعليم الجاهل,

وإرشاد الضال , وتنبيــه الغافل , وتذكير الناسي , وتحريض

العالم على العمل بما يعلم , وغير ذلك من المصالح الكثيرة .

والله سبحانه وتعالى إنما خلق الخلق ليعبدوه ويطيعوه, وأرسل

الرسل مذكرين بذلك ومبشرين ومنذرين , كمــا قــال تعـــالى :

( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) وقال تعالى ( وَأَطِيعُوا

اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَــا عَلَـــى رَسُــولِنَا الْبَلَاغُ

الْمُبِينُ) وقال تعالى (رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ

عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) وقال تعالى (فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ)

فالواجب على كل من لديه علم أن يذكر بذلك , وأن يناصح في

الله , ويدعو إليه حسب الطاقة , أداء لواجب التبليغ والدعوة,

وتأسيا بالرسل الكرام عليهم الصـلاة والسلام , وحذرا من إثم

الكتمان الذي قد أوعد الله عليه في محكم القرآن , كمـــا قـــال

تعـــالـى ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن

بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَـئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ

اللَّاعِنُونَ )

وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال" من دل على

خير فله مثل أجر فاعله " وقــــال عليـه الصلاة والسلام " من

دعا إلى هدى كان لــه من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص

ذلك من أجورهم شيئا , ومن دعا إلى ضلالة كان عليــه مـن

الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا " .

رواهما مسلم في صحيحه .

إذا عرف ما تقدم فالذي أوصيكم به ونفسي تقوى الله سبحانـه

في السر والعلانية , والشدة والرخاء , فإنهـــا وصيــــة الله ,

ووصية رسوله صلى الله عليه وسلم , كما قـال تعالى ( وَلَقَدْ

وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ )

وكــان النبـــي صلى الله عليه وسلم يقول في خطبه " أوصيكم

بتقــــوى الله والسمع والطاعة " والتقوى كلمة جامعة , تجمع

الخير كله , وحقيقتها أداء ما أوجب الله , واجتناب مــا حرمه

الله عـلى وجـــه الإخلاص لــــــه والمحبة والرغبة في ثوابه ,

والحذر من عقابه, وقـد أمر الله عباده بالتقوى ووعدهم عليها

بتيسير الأمور , وتفريج الكروب , وتسهيل الرزق , وغفران

السيئات والفوز بالجنات, قال تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ

إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ ) وقـــال تعــالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ

آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ

خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)وقال تعالى(وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً،

وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ) وقــال تعالى ( إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِندَ

رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ ) وقال تعالى ( وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ

سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً ) والآيات في هذا المعنى كثيرة .

فـيـا معـشـــر المسلـميـــن : راقبوا الله سبحانه , وبادروا إلــى

التقوى في جميع الحالات, وحاسبوا أنفسكم عند جميع أقوالكم

وأعمالكم ومعاملاتكم , فمـا كــان مـــن ذلك سائغا في الشرع

فلا بأس من تعاطيه , ومــا كــان منهــا محظورا فــي الشــرع

فاحذروه , وإن ترتب عليه طمع كثير فــإن مــا عنــد الله خيـر

وأبقى , ومن ترك شيئا اتقاء الله عوضه الله خيرا منه, ومتى

راقب العباد ربهم واتقوه سبحانه بفعل ما أمر وترك ما نهى ,

أعطاهم الله سبحانه ما رتب على التقوى من العزة والفلاح

والرزق الواسع , والخروج من المضايق والسعادة والنجاة

في الدنيا والآخرة .

ولا يخفى على كل ذي لب وأدنى بصيرة , مـــا قــد أصاب أكثر

المسلميــن مــن قسوة القلوب والزهد في الآخرة , والإعراض

عن أسباب النجاة والإقبال على الدنيا , وأسباب تحصيلها بكل

حرص وجشع مـــن دون تمييز بين ما يحل ويحرم , وانهماك

الأكثرين في الشهوات , وأنواع اللهو والغفلة , ومــــــــا ذلك

إلا بسبـب إعراض القلوب عن الآخرة وغفلتها عـــن ذكر الله

ومحبتــه , وعـــن التفكـــر فـــي آلائه ونعمه وآياته الظاهرة

والباطنة , وعدم الاستعداد للقاء الله , وتذكر الوقوف بيـــــن

يديه , والانصراف من ذلك الموقف العظيم إما إلى الجنة ,

وإما إلى النار .

فيا معشر المسلميـن تداركوا أنفسكم وتوبوا إلى ربكم وتفقهوا

فــي دينكــم وبادروا إلـــى أداء ما أوجب الله عليكم , واجتنبوا

مــا حـرم عليكم لتفوزوا بالعز والأمن والهداية والسعادة في

الدنيا والآخرة . وإياكـــم والانكباب على الدنيا وإيثارها عـلــى

الآخرة , فـــــــإن ذلك من صفة أعداء الله وأعدائكم من الكفرة

والمنافقين , ومــــن أعظم أسباب العذاب في الدنيا والآخرة ,

كمـا قــــال تعالـى في صفة أعدائه ( إِنَّ هَؤُلَاء يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ

وَيَذَرُونَ وَرَاءهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً ) وقـال تعالى (فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ

وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ

أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ ) وأنتم لم تخلقوا للدنيا , وإنمــــا خلقتم

للآخرة , وأمرتم بالتزود لها , وخلقت الدنيا لكــم , لتستعينوا

بها على عبادة الله الذي خلقكم سبحـــانــه , والاستعداد للقائه

فتستحقوا بــــذلك فضله وكرامته , وجواره في جنات النعيم ,

فقبيح بالعاقل أن يعرض عن عبادة خالقه ومربيه, وعما أعده

لــه من الكرامة , ويشتغل عن ذلك بإيثار شهواته البهيمية ,

والجشع على تحصيل عرض الدنيا الزائل , الـــذي قد ضمن

الله له ما هو خير منه , وأحسن عاقبة في الدنيا والآخرة .

وليحذر كل مسلم أن يغتر بالأكثرين , ويقـــول : إن النـاس قد

ساروا إلى كـذا , واعتادوا كذا , فأنا معهم , فــإن هذه مصيبة

عظمى , قد هلك بها أكثر الماضين , ولكن أيها العاقل , عليك

بالنظر لنفسك ومحاسبتها والتمسك بالحق وإن تركه الناس ,

والحذر ممــا نهــى الله عنـــــه وإن فعله الناس , فالحق أحق

بالاتباع كما قال تعالى (وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ

عَن سَبِيلِ اللّهِ ) وقــال تعالى ( وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ

بِمُؤْمِنِينَ ) وقــال بعــض السلـــف رحمهم الله " لا تزهد في

الحق لقلة السالكين ولا تغتر بالباطل لكثرة الهالكين "

هذا ويسرني أن أختم نصيحتي هذه بخمسة أمور هي جماع

الخير كله :

الأول : الإخلاص لله وحده في جميع القربات القولية والعملية ,

والحذر من الشرك كله دقيقه وجليله, وهذا هو أوجب الواجبات

وأهـــم الأمور , وهو معنى شهادة أن لا إله إلا الله , ولا صحة

لأعمال العباد وأقوالهم إلا بعــد صحــة هــذا الأصل وسلامته ,

كما قال تعالى ( وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ

أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ )

الأمــر الثاني : التفقه في القرآن وسنة الرسول صلى الله عليه

وسلم, والتمسك بهما وسؤال أهل العلم عن كل ما أشكل عليكم

في أمر دينكم , وهـذا واجب علــى كــل مسلم , ليس له تركه

والإعراض عنه, والسير وراء رأيه وهواه بدون علم وبصيرة,

وهـذا هو معنى شهادة أن محمدا رسول الله , فإن هذه الشهادة

توجب على العبد الإيمان بأن محمدا صلى الله عليه وسلم هــو

رسول الله حقا , والتمسك بما جاء به وتصديقه فيما أخبر به,

وألا يعبد الله سبحانه إلا بما شرع على لسان رسوله صلى الله

عليه وسلم كما قال سبحانه(قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي

يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ)الآية, وقال سبحانه (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ

فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) الآية , وقـال صلــى الله عليه

وسلـم " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " متفق

على صحته ، وقال أيضا عليه الصلاة والســـلام " من عمل

عملا ليس عليه أمرنا فهو رد " خرجه مسلم في صحيحه .

وكـــل من أعرض عن القرآن والسنة , فهو متابع لهواه عاص

لمولاه مستحق للمقت والعقوبة كما قال تعالى(فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا

لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ

هُدًى مِّنَ اللَّهِ)وقال تعالى في وصف الكفار(إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ

وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى) واتباع الهوى

والعياذ بالله يطمس نور القلب ويصد عن الحق كما قال تعالى

( وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ) فاحذروا رحمكم الله

اتباع الهوى , والإعراض عن الهدى , وعليكــــــم بالتمسك

بالحق والدعوة إليه , والحذر ممن خالفه , لتفوزوا بخيري

الدنيا والآخرة .

الأمــر الثـــــالث : إقام الصلوات الخمس والمحافظة عليها في

الجماعة , فإنها أهم الواجبات وأعظمها بعد الشهادتين , وهي

عمود الدين والركن الثاني من أركان الإسلام, وهي أول شيء

يحاسب عليه العبد من عمله يوم القيامة , فمـــن حفظها فقـــد

حفظ دينه, ومن تركها فارق الإسلام, فما أعظم حسرته وأسوأ

عاقبته يوم الوقوف بين يدي الله. فعليكم رحمكم الله بالمحافظة

عليها والتواصي بذلك والإنكار على من تخلف عنها وهجرها;

لأن ذلك من التعاون على البر والتقوى , وقد صـــح عن النبي

صلى الله عليه وسلم أنه قال "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة

فمن تركها فقد كفر " خرجــــه الإمام أحمد وأهل السنن بسند

صحيح , وقال النبي صلى الله عليـه وسلم" بين الرجل وبين

الكفر والشرك ترك الصلاة" أخرجه الإمام مسلم في صحيحه

وقال صلى الله عليه وسلم"من رأى منكم منكرا فليغيره بيده

فإن لم يستطع فبلسانه , فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف

الإيمان " خرجه مسلم في الصحيح .

الأمـــر الرابع : العناية بالزكاة والحرص على أدائها كما أوجب

الله , لكونها الركن الثالث من أركان الإسلام . فيجب علـــى كل

فرد من المسلمين المكلفين, إحصاء ما لديه من المال الزكوي,

وضبطه وإخراج زكاته كل ما حال عليه الحول , إذا بلغ نصاب

الزكاة , ويكون طيب النفس بذلك , منشرح الصدر أداء لمـــــا

أوجبه الله , وشكرا لنعمته, وإحسانا إلى عباد الله , ومتى فعل

المسلم ذلك , ضاعف الله له الأجر , وأخلف عليه مــا أنفق ,

وبارك له في الباقي , وزكاه وطهره , كما قال الله سبحـــانه

( خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا )

ومتى بخل بالزكاة وتهاون بأمرها , غضب الله عليـــه , ونزع

بركة ماله وسلط عليه أسباب التلف والإنفاق فـي غير الحق ,

وعذبه به يوم القيامة كمــا قال تعالى ( وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ

وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ) وكل

مال لا تؤدى زكاته فهو كنز , يعذب به صاحبه يوم القيامة ,

أعاذنا الله وإياكم من ذلك .

أمـــا غير المكلف من المسلمين كالصغير والمجنون فالواجب

على وليه العناية بإخراج زكاة ماله , كلما حال عليه الحول ,

لعموم الأدلة من الكتاب والسنة الدالة على وجوب الزكاة

في مال المسلم , مكلفا كان أو غير مكلف .

الأمـــر الخامس : يجب على كل مكلف من المسلمين ذكرا كان

أو أنثى أن يطيع الله ورسوله في كل ما أمر الله به ورسولـه :

كصيام رمضان وحج البيت مع الاستطاعة وسائر ما أمــر الله

بـه ورسوله , وأن يعظم حرمات الله, ويتفكر فيما خلق لأجله

وأمـــر بــــه , ويحاسب نفسه في ذلك دائما , فإن كان قد قام

بما أوجب الله عليه فرح بذلك, وحمد الله عليه وسأله الثبات,

وأخذ حذره من الكبر والعجب وتزكية النفس .

وإن كـان قد قصر فيما أوجب الله عليه أو ارتكب بعض ما حرم

الله عليه , بادر إلى التوبة الصادقة , والندم والاستقامة علـــى

أمـــــر الله , والإكثار من الذكر والاستغفار والضراعة إلــى الله

سبحانـــه وسؤاله التوبة من سالف الذنوب , والتوفيق لصالح

القول والعمل , ومتى وفق العبد لهذا الأمر العظيم فذلك عنوان

سعادته ونجاته في الدنيا والآخرة, ومتى غفل عن نفسه وسار

وراء هواه وشهواته , وأعرض عن الاستعداد لآخرته فـــــذلك

عنوان هلاكه , ودليل خسرانه , فلينظــر كــل منـكـم لنفســه ,

وليحاسبها ويفتش عن عيوبها فسوف يجد ما يحزنه, ويشغله

بنفسه عن غيره , ويوجب له الذل لله , والانكسار بين يديه

وسؤاله العفو والمغفرة .

وهذه المحاسبة وهذا الذل والانكسار بين يدي الله , هو

سبب السعادة والفلاح والعز في الدنيا والآخرة .

وليعلــم كــل مسلــم أن كل ما حصل له من صحة ونعمة وجاه

رفيع , وخصب ورخاء , فهو من فضل الله وإحسانه . وكـــــل

ما أصابه من مرض أو مصيبة أو فقر أو جدب أو تسليط عدو

أو غير ذلك من المصائب , فهو بسبب الذنوب والمعاصي .

فجميع مـا فـــي الدنيا والآخرة من العذاب والآلام وأسبابهما :

فسببه معصية الله , ومخالفة أمره , والتهاون في حقه , كمـا

قـال تعالى ( وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو

عَن كَثِيرٍ) وقال تعالى (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ

أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ )

فاتقوا الله عباد الله وعظموا أمره ونهيه, وبادروا بالتوبة إليه

من جميع ذنوبكم واعتمدوا عليه وحده , وتوكلوا عليه , فإنه

خالق الخلق , ورازقهم , ونواصيهم بيده سبحانه , لا يمـــلك

أحد منهم لنفسه ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا .

وقدموا رحمكم الله حق ربكم , وحق رسولــــه على حق غيره

وطاعة غيره كائنا من كان , وتآمروا بالمعروف وتناهوا عـن

المنكر , وأحسنوا الظن بالله , وأكثروا مـن ذكره واستغفاره ,

وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ,

وخذوا على أيدي سفهائكم وألزموهم بما أمـــــرهم الله بـــه ,

وامنعوهم عما نهى الله عنه, وأحبوا في الله وأبغضوا في الله

ووالوا أولياء الله , وعادوا أعداء الله , واصبروا وصابروا

حتى تلقوا ربكم فتفوزوا بغاية السعادة والكرامة والعزة

والمنازل العالية في جنات النعيم .

والله المسئول أن يوفقنا وإياكم لما يرضيه , وأن يصلـح قلوب

الجميع ويعمرها بخشيته ومحبته وتقواه, والنصح له ولعباده,

وأن يعيذنا وإياكم من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا وأن يوفق

ولاة أمرنا وسائر ولاة أمر المسلمين لما يرضيه , وأن ينصـر

بهم الحق , ويخذل بهم الباطل , وأن يعيذ الجميع من مضلات

الفتن إنه ولي ذلك والقادر عليه . والسلام عليكم ورحمة الله

وبركاته. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .

كتاب مجموع فتاوى العلامة عبد العزيز بن باز(ج 2/ ص144)

جزااااااااااك الله خييييييييييير
حياك الله

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.