ففي الحالة الأولى، تبقى الزوجة قادرة الى حد ما على التحكّم في طبيعة هذه العلاقة ووضع معايير لها أو حدود، من دون أن تفقد للودّ قضية. أما في الحالة الثانية، فتبقى كل الاحتمالات واردة وإن غلبت السلبية منها على الإيجابية لا سيما بعد فترة من التواصل المباشر. فقد لا تشعر الزوجة في بادئ الأمر بانزعاج من تدخل عائلة الزوج ولكنها بعد مرور سنوات قد تصرخ بأن للصبر حدودا. تعلق الاستاذة في كلية العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية، الدكتورة حلا نوفل، على هذا الموضوع قائلة نحن في مجتمع لا يعترف الا بالزوج كرب أسرة، متجاهلا دور ، اذ أن السلطة برأي افراده هي أبوية فقط، مما يدفع أفراد العائلة الى تولي هذه المهمة في غياب الزوج معتبرين أنفسهم مسؤولين عن زوجته وأبنائه. وتؤكد نوفل أن العلاقة بين الزوجين تلعب دورا مهما في تسوية هذا الموضوع، إذ على الزوج أن يمنح زوجته الثقة في تولي السلطة في العائلة شرط أن تثبت هذه الأخيرة قدرتها على القيام بهذا الدور على أكمل وجه.
وتشدد نوفل كذلك على ضرورة أن تكون العلاقات بين عائلة الزوج المسافر والزوجة سليمة وعائلية بامتياز مع المحافظة على خصوصية كل منها وعدم تجاوز الحدود. فتدخلهم في غياب الابن يجب أن يقتصر على المساعدة والدعم. وتعتبر نوفل أن العاملة والمنتجة تتمتع بفرصة اثبات سلطتها أكثر من غيرها. فعملها يساعدها على الامساك بزمام الأمور وتولي ادارة مسؤولية أفراد عائلتها بشكل إيجابي. وتضيف لا بد أن يعمد الزوجان الى وضع اصول ومعايير لتسير حياتهما بشكل سليم قبل اتخاذ الزوج قرار الهجرة. عليه أيضا أن يدعم زوجته ويكون على ثقة تامة بقدرتها على القيام بدورها بنجاح، مع ضرورة السكن في بيت بعيد عن عائلة الزوج لان القرب الجغرافي يشكل عاملا مهما في خلق مشكلات لا أساس لها. من جهتها، تؤكّد رنا محبتها واحترامها لكل أفراد عائلة زوجها المسافر بداعي العمل، لكن هناك حدودا، كما تقول منذ اليوم الأوّل لزواجي وأنا معتادة على هذه الحياة العائلية التي تتسم بالتأكيد بخصوصية معينة، لا سيما أن زوجي كان بشكل تلقائي، قد أوكل اليهم مهمة رعايتنا والاهتمام بنا على اعتبار أن ذلك يشعره بالاطمئنان نظرا لوجوده بعيدا عنا، لكن هذا الواقع انعكس سلبا ومهّد الطريق أمام امكان زيادة نسبة المشكلات في ظل انفتاح البيتين على بعضهما اذا صح التعبير. كل خطوة أقوم بها عرضة للانتقاد. كما أن الأسئلة تنهال عليَّ من كل حدب وصوب مستفسرين عن كل شاردة وواردة. أما اذا قمت بشيء ما من دون معرفتهم، فأنا كمن ارتكب جريمة لا تغتفر ولا بدّ أن أحضر نفسي لسماع عبارات التأنيب. وتضيف رنا في بادئ الأمر كنت اتذمّر وأشكو لزوجي، وبالفعل كان يقف إلى صفي وكانت تقع بينه وبين عائلته عدة خلافات، لكن بعد خبرة سنوات أدركت أن الجدل لا يوصل الى نتيجة، فاتبعت قاعدة التجاهل، ولم أعد أخبرهم الا بالأمور المهمة التي تعنيهم فقط. ومع الوقت، جعلهم هذا السلوك يدركون أن لكل بيت خصوصيته، مع العلم أن ذلك لم يقض على المشكلة نهائيا ولكنه ساهم الى حد ما في تقليصها.
جمال، وهي زوجة رجل يعيش في أحد البلدان الاوروبية، تروي معاناتها من هذا الموضوع بعد مرور حوالي عشرين عاما على زواجها، وتقول السنوات العشر الأولى لزواجي أمضيتها في غياب زوجي واضطررت حينها أن أسكن في بيت العائلة مع حماتي، مما أدى الى نشوب خلافات يومية بيننا، لا سيما انني كنت لا أزال في العشرين من العمر لا أدرك من الحياة شيئا. كنت أشعر وكأنني شغلها الشاغل، لا يمكن أن أقوم بشيء من دون موافقتها أو انتقاداتها. في بعض الأحيان كانت تمنعني من الذهاب لزيارة أهلي أو حتى الخروج لزيارة بعض الأشخاص اذا لم تكن راضية عنهم، حتى أنها كانت تتدخّل في طريقة تربية أطفالي. في بداية الأمر كنت أخضع لها، وأخجل من اخبار زوجي بما كانت أمه تفعله بي. لكن بعد مرور فترة، وبعدما لمس زوجي الأمر بنفسه عندما كان يأتي لزيارتنا تكلّم بالأمر مع والدته التي لم تتقبّل الموضوع واعتبرته افتراءً. لحسن الحظ حلّ الأمر وعاد زوجي نهائيا الى لبنان، عندها اصبحت تحسب لابنها حسابا ولا تتجرأ على التدخل في حياتنا. واليوم، ومع مرور الزمن توطدت علاقتي بحماتي، وعادت الأمور الى طبيعتها كما يجب بعيدا عن الخلافات.