تخطى إلى المحتوى

نزيف المعاصي متى يتوقف؟ 2024.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

نزيف المعاصي .. متى يتوقف؟

إنَّ التخلية لابد أن تأتي دومًا قبل التحلية .. فعلى المرء أن يُقلِع عن ذنوبه قبل التفكير في الارتقاء بمنزلته عند الله جلَّ وعلا .. لأنك لن تستطيع أن تتقرب إلى الله عزَّ وجلَّ وتزداد محبتك له سبحانه، وأنت مازلت مصرًا على الوقوع في بعض الذنوب ..

كان الحسن البصري يقول "ما عُبِّدَ العابدون بشيءٍ أفضل من ترك ما نهاهم الله عنه" [جامع العلوم والحكم (11:22)]

وإن قلت: أنك ترغب في الإقلاع عن المعاصي، لكن كلما حاولت فشلت ..

عليك أن تسأل نفسك: هل تكره الذنب بالفعل وتكره أن تقع فيما يُغضِب الله عزَّ وجلَّ عليك؟!

أم أنك تخشى أعين الناس ولا تخشى عينه الناظرة إليك؟!!

وهو الرقيب الشهيد البصير .. يسمع كلامك ويرى مكانك ويعلم سرك وعلانيتك،،

وصدق من قال:

يَا كَاتِمَ السِّرِّ وَمُخْفِيهِ … أَيْنَ مِنَ اللهِ تُوَارِيهِ

بَارَزْتَ بِالْعِصْيَانِ رَبَّ الْعُلَى … وَأَنْتَ مِنْ جَارِكَ تُخْفِيه

[شعب الإيمان (9:415)]

عن بكر بن عبد الله المزني، قال: "من يأت الخطيئة وهو يضحك، دخل النار وهو يبكي" [حلية الأولياء (1:312)]

فلا يوجد ذنب بلا عقوبة، إلا ذنبٍ استدرك العبد منه نفسه في الحال فتاب من قريب ..

فأوقف نزيف المعاصي والذنوب، حتى تخرج من ذل المعصية إلى عز الطاعة ..

كان داود الطائي يقول "ما أخرج الله عبداً من ذل المعاصي إلى عز التقوى إلا أغناه بلا مال، وأعزه بلا عشيرة، وآنسه بلا أنيس" [حلية الأولياء (3:324)]

وحينها فقط تتذوق طعم الحياة الطيبة ..

الخطوات العملية للتخلُّص من الذنوب

الخطوة الأولى: كراهية الذنب ..

فتُكثِر من الدعاء؛ حتى يُكَرِه الله تعالى إليك الذنوب ويحفظك منها ويُطَهِّر قلبك من آثارها ..

اللهمَّ كَرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان، وباعد بيننا وبين الخطايا كما باعدت بين المشرق والمغرب،،

الخطوة الثانية: معرفة عقوبات الذنوب ..

فتعرف أن كل بلية وكل همِّ وكل ضيق وكل عسر، إنما هو بسبب المعاصي والذنوب ..

وإليك العقوبات لبعض الذنوب التي يتهاون الكثير من الناس في الوقوع بها::

1) التهاون في الصلاة …

وليس المقصود تارك الصلاة بالكلية، إنما من يتهاون في صلاة الفجر أو شهود صلاة الجماعة .. أما تاركها فمصيبته أعظم والعياذ بالله ..

ومن عقوبات من ينام عن صلاة الفريضة .. عن سمرة بن جندب قال: أنَّ النبي صلى الله عليه و سلم قال "إنه أتاني الليلة آتيان وإنهما ابتعثاني وإنهما قالا لي: انطلق، وإني انطلقت معهما، وإنا أتينا على رجل مضطجع وإذا آخر قائم عليه بصخرة، وإذا هو يهوي بالصخرة لرأسه فيثلغ رأسه فيتدهده الحجر، فيأخذه فلا يرجع إليه حتى يصح رأسه كما كان، ثم يعود عليه فيفعل به مثل ما فعل المرة الأولى"[صحيح الترغيب والترهيب (578)].. وَقَالَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و سلم "أَمَّا الَّذِي يُثْلَغُ رَأْسُهُ بِالْحَجَرِ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ الْقُرْآنَ فَيَرْفِضُهُ وَيَنَامُ عَنْ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ"[صحيح البخاري]

2) الكذب ..

وفي نفس الحديث السابق قال صلى الله عليه و سلم " فأتينا على رجل مستلق على قفاه وإذا آخر قائم عليه بكلوب من حديد، وإذا هو يأتي أحد شقي وجهه فيشرشر شدقه إلى قفاه ومنخره إلى قفاه وعينه إلى قفاه، قال: ثم يتحول إلى الجانب الآخر فيفعل به مثل ما فعل بالجانب الأول، قال: فما يفرغ من ذلك الجانب حتى يصح ذلك الجانب كما كان ثم يعود عليه فيفعل مثل ما فعل في المرة الأولى" .. فلما سأل النبي صلى الله عليه و سلم عن حال هذا الرجل، قالوا ".. فإنه الرجل يغدو من بيته فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق" [صحيح الترغيب والترهيب (578)] .. كالذي يُكثِر من المزاح، فيكذب ويخوض في أعراض الناس وتنتشر هذه الأكاذيب .. فيكون هذا عذابه في القبر والعياذ بالله.

3) الزنا ..

قال صلى الله عليه و سلم "فانطلقنا فأتينا على مثل التنور (أي: الموقد الكبير)، قال: فأحسب أنه كان يقول فإذا فيه لغط وأصوات. قال: فاطلعنا فيه فإذا فيه رجال ونساء عراة، وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم، فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا (أي: صرخوا)" .. فقالوا للنبي صلى الله عليه و سلم "إنهم الزناة والزواني"[صحيح الترغيب والترهيب (578)]
وفي هذا العصر انتشر الزنا الذي هو من أكبر الكبائر، وأعظم الموبقات التي تمحق الإيمان وتستوجب غضب الرحمن .. ومن يقع فيه تُعجَّل عقوبته في الدنيا، ويُعاقب من جنس عمله.

4) مقدمات الزنا ..

فلا يتورع الناس عن النظر الحرام، فيتساهلون في الدخول إلى المواقع الإباحية، ومشاهدة الأفلام والمسلسلات والأغاني السيئة الخبيثة.
ولا يعلمون أن العين تزني وزناها النظر .. عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه و سلم "إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنْ الزِّنَا أَدْرَكَ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ؛ فَزِنَا الْعَيْنِ النَّظَرُ، وَزِنَا اللِّسَانِ الْمَنْطِقُ، وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِي وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَيُكَذِّبُهُ"[صحيح البخاري]

5) العادة السيئة ..

وقد قال تعالى { وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (*) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (*) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ}[المؤمنون: 5,7] .. والْعَادُونَ: هم الذين يتعدون حدود الله ويتجاوزون الخطوط الحمراء ..

6) السماع المحرَّم للأغاني والموسيقى ..

وقد توعَّد النبي صلى الله عليه و سلم من يستمع الغناء بالمسخ والقذف، فقال "ليكون في هذه الأمة خسف وقذف ومسخ؛ وذلك إذا شربوا الخمور واتخذوا القينات وضربوا بالمعازف"[رواه ابن أبي الدنيا في ذم الملاهي وصحه الألباني، صحيح الجامع (5467)]

عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله "صوتان ملعونان في الدنيا والآخرة: مزمار عند نعمة، ورنة عند مصيبة"[رواه البزار وحسنه الألباني، صحيح الترغيب والترهيب (3527)]

فمن يستمع للغناء يُعَرِض نفسه للمسخ والطرد من رحمة الله ..

ويكفي المسخ الذي يحدث للقلوب من جراء الاستماع لهذه الملوثات،،

7) الاختلاط والصحوبية ..

والله سبحانه وتعالى غيور، يغار أن تنتهك محارمه .. فإذا تعلَّق القلب بسواه، استوجب العذاب والعقاب وصار من شرك المحبة … الذي قال الله تعالى {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ}[البقرة: 165]
وعن أبي هريرة قال : قال النبي "خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا وَشَرُّهَا آخِرُهَا وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا"[صحيح مسلم] .. وهذا من أعظم الأدلة على منع الشريعة للاختلاط، وأنه كلّما كان الرجل أبعد عن صفوف النساء كان أفضل وكلما كانت المرأة أبعد عن صفوف الرّجال كان أفضل لها .

وإذا كانت هذه الضوابط قد اتخذت في المسجد وهو مكان العبادة الطاهر الذي يكون فيه النساء والرجال أبعد ما يكون عن ثوران الشهوات، فاتخاذها في غيره ولا شك من باب أولى.

8) التبرج ..

والنبي قال ".. شر نسائكم المتبرجات المتخيلات وهن المنافقات، لا يدخل الجنة منهن إلا مثل الغراب الأعصم" [رواه البيهقي وصحه الألباني ]

فوصف النبي صلى الله عليه و سلم النساء اللاتي لا يلتزمن بالحجاب الشرعي بأنهن شر نساء المسلمين، ووصفهن بالنفاق الذي عقوبته الدرك الأسفل من النار، ويندر أن يدخل منهن الجنة بدون عذاب كندرة الغراب الأعصم وهو من أندر الكائنات ..

فهل يوجد مجال للمكابرة والمجادلة بعد معرفة تلك العقوبات؟!

9) الربا ..

كمن يتعاملون مع البنوك الربوية، وصناديق التوفير .. عن أنس بن مالك قال: خطبنا رسول الله فذكر أمر الربا وعظم شأنه، وقال "إن الدرهم يصيبه الرجل من الربا أعظم عند الله في الخطيئة من ست وثلاثين زنية يزنيها الرجل .." [رواه ابن أبي الدنيا وصحه الألباني، صحيح الترغيب والترهيب (2831)]

وعن عوف بن مالك قال: قال رسول الله "إياك والذنوب التي لا تغفر؛ الغلول فمن غلَّ شيئًا أتي به يوم القيامة، وآكل الربا فمن أكل الربا بُعِث يوم القيامة مجنونًا يتخبط" ثم قرأ {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ..}[البقرة: 275][رواه الطبراني وحسنه الألباني، صحيح الترغيب والترهيب (1862)] .. أي: لا تُغْفَر إلا بمشقة.

10) الرشوة ..

عن عبد الله بن عمرو قال: لعن رسول الله صلى الله عليه و سلم الراشي والمرتشي.[رواه أبو داود وصحه الألباني]

11) الحقد والحسد ..

فبعض الناس ذنوبهم داخل قلوبهم، مما يُضيِّع عليهم دينهم .. عن الزبير بن العوام أن النبي صلى الله عليه و سلم قال "دب إليكم داء الأمم الحسد والبغضاء هي الحالقة لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا .." [رواه الترمذي وحسنه الألباني، صحيح الجامع (1/3361)]

12) الغيبة والنميمة ..

وهو من أشد الذنوب تفشيًّا في هذا الزمان، ولم يسلم منه حتى المتدينون .. فيقعون في كبائر بخوضهم في أعراض الناس بحقٍ أو باطل .. وقد قال رسول الله صلى الله عليه و سلم "من قال في مؤمن ما ليس فيه أسكنه الله ردغة الخبال (أي: عصارة أهل النار) حتى يخرج مما قال وليس بخارج "[رواه أبو داوه وصحه الألباني، صحيح الجامع (6196)]

13) الجدال ..

وهو دليل الضلال بعد الهدى .. عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم "ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل". ثم قرأ {.. مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ}[الزخرف: 58] [رواه الترمذي وحسنه الألباني، صحيح الجامع (5633)]

فما من أحدٍ إلا وله نصيب من قائمة الذنوب السالفة ..

فكلنا نحتاج إلى حل عاجل لإيقاف نزيف الذنوب ..

واحذر من الاستهانة بالذنب .. فقد قال تعالى {وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ}[الزلزلة: 8]

فينبغي أن تستحي من الله قبل أن يَحِلَّ العذاب بالعصاة،،

الخطوة الثالثة: عظِّم ربَّك في قلبك ..

استشعر عظمة ربَّك في قلبك قبل أن تنطق على لسانك: الله أكبر .. وإذا عظمت ربَّك بحق، ستحتقر الذنوب التي تبعدك عنه.

الخطوة الرابعة: مشاهدة صور من انتقام الله عزَّ وجلَّ من العصاة ..

فحين ترى أقوامًا قد ابتلوا بعقوبات على معاصيهم، ستَحمَد ربَّك وتعترف بنعمته وحِلمه عليك .. وتعلم أن ربَّك قد يُمْهِل لكنه لا يُهْمِل.
الخطوة الخامسة: ترك كل ما تكره أن تموت عليه ..

قال سلمة بن دينار "انْظُرْ كُلَّ عَملٍ كَرهتَ المَوْتَ مِنْ أَجْلِهِ، فَاترُكْهُ، ثُمَّ لاَ يَضرُّكَ مَتَى مِتَّ" [سير أعلام النبلاء (11:120)]

فهل تتمنى أن تموت على ذنبٍ أم على طاعة؟!

الخطوة السادسة: قل لنفسك: حتى متى ؟ ..

كان إبراهيم بن أدهم يقول "وَاللهِ مَا الحَيَاةُ بِثِقَةٍ، فَيُرْجَى نَوْمُهَا، وَلاَ المَنِيَّةُ بِعُذرٍ، فَيُؤمَنُ عُذْرُهَا، فَفِيْمَ التَّفْرِيطُ وَالتَّقْصِيْرُ وَالاتِّكَالُ وَالإِبطَاءُ؟ قَدْ رَضِينَا مِنْ أَعْمَالِنَا بِالمَعَانِي، وَمِنْ طَلَبِ التَّوبَةِ بِالتَّوَانِي، وَمِنَ العَيْشِ البَاقِي بِالعَيْشِ الفَانِي" [سير أعلام النبلاء (13:441)]

الخطوة السابعة: قائمة الذنوب مقابل النِعَم ..

اكتب قائمة بالذنوب التي تريد التخلُّص منها، ولا تنس ذكر الذنوب التي قد لا تبالي بها؛ مثل: قلة خوفك وحياءك من الله سبحانه وتعالى .. وفي الجانب الآخر قائمة بنِعَم التي قد مَنَّ الله تعالى عليك بها ..

فتقارن بين خير الله تعالى وإحسانه عليك، وبين شرور نفسك وسيئاتها .. فيتوَّلد عن هذا الاحساس بالحياء، مما يدفعك إلى التغيير.

خليجية
يجعله الله فى ميزان حسناتك
شكرا لتواجدكم العطر
خليجية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.