تخطى إلى المحتوى

معني التضحية في الاسلام 2024.

لقد أدرك الأنصار رضي الله عنهم وأرضاهم أن الرسول بحاجة للقوة والمنعة ليقيم الدولة الإسلامية، ولقد اختاروا أن يكونوا ناصري دين الله ورسوله، وأرادوا لمدينتهم المنورة يثرب أن تكون نقطة الارتكاز للدولة الإسلامية، وهذا والله ليس بالأمر الهين، فهو التضحية بكل أنواعها، بدءاً من النفس إلى المال والأرض والأهل والولد.
قال تعالى(والّذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل اللّه والّذين آووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقّاً لهم مغفرةٌ ورزقٌ كريمٌ) الأنفال:74 .
ولم يكتف الأنصار بالنصرة لإقامة الدولة بل إنهم احتضنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم والمهاجرين الذين هاجروا معه، فواسوهم وقاسموهم المال والأرض والثمر، وضربوا في ذلك أروع الأمثلة فكانوا بحق أنصار الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.قال تعالى(للفقراء المهاجرين الّذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلًا من اللّه ورضوانًا وينصرون اللّه ورسوله أولئك هم الصّادقون ، والّذين تبوّءوا الدّار والإيمان من قبلهم يحبّون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجةً ممّا أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصةٌ ومن يوق شحّ نفسه فأولئك هم المفلحون ، والّذين جاءوا من بعدهم يقولون ربّنا اغفر لنا ولإخواننا الّذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلًّا للّذين آمنوا ربّنا إنّك رءوفٌ رحيمٌ)الحشر: 7-9، فهل من وصف أروع من وصف الله لهم.

لقد هاجر المسلمون إلى المدينة وتركوا وراءهم أموالهم وبيوتهم، فدخلوا المدينة فقراء لا يملكون شيئاً، فلا بيوت ولا أموال ولا عقار ولا ثمار، ولم يدفعهم لذلك كله إلا الإيمان بهذا الدين واتباع هذا الرسول صلى الله عليه وسلم فضحوا من أجل ذلك بكل شيء، لقد أدرك الأنصار أن نصرتهم لدين الله ورسوله تعني النصرة في كل شيء فهبوا لمساعدة إخوانهم المهاجرين، وقاسموهم الأموال والثمار، وقدموا كل ما يزيل عن المهاجرين الشعور بالغربة والفقر والحاجة، وليتصور الواحد منا كيف تكون حاله لو كان في تلك الحال، يدخل بلداً لا يعرفها، ويعيش فيها لا يجد ما يملك، وليست قصة صهيب عنا ببعيد فقد قال تعالى: (ومن النّاس من يشري نفسه ابتغاء مرضات اللّه واللّه رؤوفٌ بالعباد) البقرة:207.

وقد نزلت هذه الآية في صهيب فإنه أقبل مهاجراً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتبعه نفر من قريش, فنزل عن راحلته, وانتثل ما في كنانته, وأخذ قوسه, وقال: لقد علمتم أني من أرماكم, وايم الله لا تصلون إلي حتى أرمي بما في كنانتي, ثم أضرب بسيفي ما بقي في يدي منه شيء, ثم افعلوا ما شئتم. فقالوا: لا نتركك تذهب عنا غنياً وقد جئتنا صعلوكاً, ولكن دلنا على مالك بمكة ونخلي عنك; وعاهدوه على ذلك ففعل; فلما قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم نزلت: (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله) الآية، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ربح البيع أبا يحيى» ; وتلا عليه الآية, أخرجه رزين؛ وقاله سعيد بن المسيب رضي الله عنهما. وقال المفسرون: أخذ المشركون صهيباً فعذبوه, فقال لهم صهيب: إني شيخ كبير، لا يضركم أمنكم كنت أم من غيركم, فهل لكم أن تأخذوا مالي وتذروني وديني؟ ففعلوا ذلك، وكان شرط عليه راحلة ونفقة؛ فخرج إلى المدينة فتلقاه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما ورجال; فقال له أبو بكر: ربح بيعك أبا يحيى. فقال له صهيب: وبيعك فلا يخسر, فما ذاك؟ فقال: أنزل الله فيك كذا؛ وقرأ عليه الآية.

ولقد ضرب الأنصار أروع الأمثلة في الإيثار والتضحية، فقد أخرج مسلم عن أبي هريرة قال جاء رجلٌ إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقال: إنّي مجهودٌ فأرسل إلى بعض نسائه فقالت: والّذي بعثك بالحقّ ما عندي إلّا ماءٌ. ثمّ أرسل إلى أخرى فقالت مثل ذلك. حتّى قلن كلّهنّ مثل ذلك: لا والّذي بعثك بالحقّ ما عندي إلّا ماءٌ. فقال: من يضيف هذا اللّيلة رحمه اللّه فقام رجلٌ من الأنصار فقال أنا يا رسول اللّه فانطلق به إلى رحله فقال لامرأته هل عندك شيءٌ قالت لا إلّا قوت صبياني قال فعلّليهم بشيءٍ فإذا دخل ضيفنا فأطفئ السّراج وأريه أنّا نأكل فإذا أهوى ليأكل فقومي إلى السّراج حتّى تطفئيه قال فقعدوا وأكل الضّيف فلمّا أصبح غدا على النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال قد عجب اللّه من صنيعكما بضيفكما اللّيلة» .
وأخرج الترمذي عن أنسٍ قال: لمّا قدم عبد الرّحمن بن عوفٍ المدينة آخى النّبيّ صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن الرّبيع فقال له هلمّ أقاسمك مالي نصفين ولي امرأتان فأطلّق إحداهما فإذا انقضت عدّتها فتزوّجها فقال بارك اللّه لك في أهلك ومالك دلّوني على السّوق فدلّوه على السّوق فما رجع يومئذٍ إلّا ومعه شيءٌ من أقطٍ وسمنٍ قد استفضله فرآه رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بعد ذلك وعليه وضرٌ من صفرةٍ فقال مهيم قال تزوّجت امرأةً من الأنصار قال فما أصدقتها قال نواةً قال حميدٌ أو قال وزن نواةٍ من ذهبٍ فقال أولم ولو بشاةٍ قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
وأخرج أيضاً عن أنسٍ قال لمّا قدم النّبيّ صلى الله عليه وسلم المدينة أتاه المهاجرون فقالوا يا رسول اللّه ما رأينا قومًا أبذل من كثيرٍ ولا أحسن مواساةً من قليلٍ من قومٍ نزلنا بين أظهرهم لقد كفونا المؤنة وأشركونا في المهنإ حتّى لقد خفنا أن يذهبوا بالأجر كلّه فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم : لا ما دعوتم اللّه لهم وأثنيتم عليهم. قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ من هذا الوجه.

وأخرج مسلم عن ابن شهابٍ عن أنس بن مالكٍ قال لمّا قدم المهاجرون من مكّة المدينة قدموا وليس بأيديهم شيءٌ وكان الأنصار أهل الأرض والعقار فقاسمهم الأنصار على أن أعطوهم أنصاف ثمار أموالهم كلّ عامٍ ويكفونهم العمل والمئونة وكانت أمّ أنس بن مالكٍ وهي تدعى أمّ سليمٍ وكانت أمّ عبد اللّه بن أبي طلحة كان أخًا لأنسٍ لأمّه وكانت أعطت أمّ أنسٍ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عذاقًا لها فأعطاها رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أمّ أيمن مولاته أمّ أسامة بن زيدٍ قال ابن شهابٍ فأخبرني أنس بن مالكٍ أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لمّا فرغ من قتال أهل خيبر وانصرف إلى المدينة ردّ المهاجرون إلى الأنصار منائحهم الّتي كانوا منحوهم من ثمارهم قال فردّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إلى أمّي عذاقها وأعطى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أمّ أيمن مكانهنّ من حائطه.

وأخرج البخاري عن يحيى بن سعيدٍ قال سمعت أنسًا رضي اللّه عنهم قال دعا النّبيّ صلى الله عليه وسلم الأنصار ليكتب لهم بالبحرين فقالوا لا واللّه حتّى تكتب لإخواننا من قريشٍ بمثلها فقال "ذاك لهم ما شاء اللّه على ذلك يقولون له قال فإنّكم سترون بعدي أثرةً فاصبروا حتّى تلقوني على الحوض".وأعظم به موقف سعد بن معاذ في غزوة بدر عندما قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: والله لكأنك تريدنا يا رسول الله؟ قال: أجل؛ قال: لعلك يا رسول الله تخشى أن لا تكون الأنصار يريدون مواساتك ولا يرونها حقاً عليهم إلا بأن يروا عدواً في بيوتهم وأولادهم ونسائهم، وإني أقول عن الأنصار وأجيب عنهم: يا رسول الله، فاظعن حيث شئت، وخذ من أموالنا ما شئت، ثم أعطنا ما شئت، وما أخذته منا أحب إلينا مما تركت، وما ائتمرت من أمر فأمرنا بأمرك فيه تبع، فقد آمنا بك وصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا، على السمع والطاعة، فامض يا رسول الله لما أردت فنحن معك، فوالذي بعثك بالحق، لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك، ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غداً، إنا لصبرٌ في الحرب، صدق في اللقاء. لعل الله يريك منا ما تقر به عينك، فسر بنا على بركة الله. فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول سعد، ونشّطه ذلك؛ ثم قال: سيروا وأبشروا، فإن الله تعالى قد وعدني إحدى الطائفتين، والله لكأني الآن أنظر إلى مصارع القوم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.