تخطى إلى المحتوى

{قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ} 2024.

قال السيد محمد حسين فضل الله في تفسيره {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ} في ‏القيمة الإنسانيَّة التي يُمثِّل العلمُ في حساباتها المستوى الكبير، الذي يفتح شخصيةَ الإنسان على ‏الآفاق الرحبة في الحياة بأسرارها العميقة، وامتداداتها البعيدة، ورحابها الواسعة، وقضاياها ‏المعقَّدة، وشؤونها المتنوِّعة، وحساباتها الدقيقة، بحيث يملك من خلاله وضوحَ الرؤية للأشياء، ‏فيفكِّر في نور ويتحرَّك في نور(1).‏
أقول: ألا ينبغي لنا أن نعرف مَن الذي يعلم ومَن الذي لا يعلم؟!‏
أَوَ ليس المولى سبحانه قد عقَّب بـ{إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الألْبَابِ}؟!‏
وكيف لأولي الألباب أن يتذكروا ما لم يتعرَّفوا على مَن يعلم لِيُقدِّموُهُ، ويقتدوا به، ويرجعوا إليه؟!‏
وما لم يحصل من المولى سبحانه تقديمُ الذي يعلم، وما لم يحصل من المولى نَصْبُه مرجعاً للناس، ‏فإنه طبيعيٌّ أن يكون منهم تولِّي واتباع مَن لا يعلم، وهذا يعني أنه سبحانه قد سوَّى بين مَن يعلم ‏وبين مَن لا يعلم عمليَّاً، وهو أمر قبيح جداً، وتنزَّه سبحانه وتعالى.‏
وإذا لم يكونا متساوِيَين عنده تعالى، فلا محالةَ يقتضي الأمرُ من باب اللطفِ، أن يدلَّ سبحانه على ‏أعيانِ وأشخاصِ مَن يعلم، ليقعَ من ذَوي العقول اتِّباعُهم.‏
ومن الغباء بمكان، أن يقال بأنَّ الآيةَ تقصد الحديثَ عن تفضيل العالِم على غير العالِم، فإنَّ العالِم ‏يفضلُ غيرَ العالِم عند جميع العقلاء، ولا يحتاج هذا الأمرُ إلى تنبيهٍ أو تأكيدٍ من المولى سبحانه لا ‏سيما وفي كتابه الكريم، إذ لم يُعِدَّ المولى سبحانه كتابَه لبيان الأمور البديهيَّة، اللهم إلا تمهيداً ‏وتوطئةً لتأكيد أمر ما، أو الدلالة عليه من خلال الإثارة لمثل تلك الأمور.‏
وفي هذه الآية بالذات، لا بُدَّ وأن يكون هناك غرضٌ للمولى تعالى يبغي تحقيقَه من وراء الإشارة ‏إلى أمر قطعيٍّ بديهي.‏
والذي لا نهتدي إلا إليه، أنه تعالى في هذه الآية يحثُّ الناسَ ـ وتخصيص أولي الألباب في ‏خطاب الآية لمحضِ أنهم وحدهم مَن يمتثِلون ـ على اتِّباع مَن يعلم، وعلى تقديمِهِ، والرجوعِ ‏إليه.‏
وبما أنَّ مَن يعلم بالحقِّ، لا مجالَ لتعيُّنِه وتشخيصه من قِبَلِ الناس أنفسهم، فإنه يتعين أن يكون ‏متعيِّناً من قِبَلِه تعالى.‏
وإذا ما كان متعيِّناً من جهته تعالى، وكان نجاةُ الخلق من خلال اتباعه، فيجبُ منه تعالى الدلالةُ ‏عليه، والهدايةُ إليه.‏
ولا مجال لنا لأن نبحث في المسألة ونعطي البحث شيئاً من حقه، فإنَّ المقام ضيِّق جداً.‏
ولكن نُذكِّر، بأنَّ الآيةَ حُجَّةٌ لنا على مَن قدَّمَ المفضول ـ ولا نرى في مَن تقدَّم على أئمتنا فضلاً ‏ـ على الفاضل، فإنه تعالى يقول لا يستوى مَن يعلم ومَن لا يعلم، وأبناءُ السُّنة قدَّموا مَن لا يعلم ‏وفضَّلوه، لا أنهم سَوَّوا فحسب.‏
هذا وقد أخرج الحاكم الحسكاني ـ من أبناء السُّنة ـ بإسناده عن ابن عباس في قوله {هَلْ يَسْتَوِي ‏الَّذِينَ يَعْلَمُونَ} قال: يعني بالذين يعلمون عليَّاً وأهلَ بيته من بني هاشم (عليهم السلام).‏
وأخرج الصفار في البصائر، والكليني في الكافي، والحاكم الحسكاني في الشواهد، ومحمد بن ‏العباس وفرات الكوفي في تفسيريهما، بإسنادهم عن جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول ‏الله تعالى {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الألْبَابِ} قال:{الَّذِينَ ‏يَعْلَمُونَ} نحن {وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ} عدونا {إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الألْبَابِ} قال: شيعتنا.‏
وأخرج الكليني في الكافي، والشيخ المفيد في الاختصاص، وفرات الكوفي في تفسيره، بإسنادهم ‏عن أبي بصير عن الصادق (عليه السلام) ـ في حديث ـ فقال: يا أبا محمد لقد ذَكَرَنا الله عزَّ ‏وجل وشيعتَنا وعدوَّنا في آية من كتابه فقال عزَّ وجل {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ ‏يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الألْبَابِ} فنحن الذين يعلمون، وعدونا الذين لا يعلمون، و شيعتنا هم أولو ‏الألباب، يا أبا محمد فهل سررتك؟
وأخرج الصفار بإسناده عن أبي الحجاز قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام).. إنَّ ثلثي القرآن ‏فينا وفي شيعتنا، فما كان من خير فلنا ولشيعتنا، والثلث الباقي أشركنا فيه الناس، فما كان فيه من ‏شرٍّ فلعدوِّنا، ثم قال: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الألْبَابِ} ‏فنحن أهل البيت، وشيعتنا أولو الألباب، والذين لا يعلمون عدوُّنا، وشيعتنا هم المهتدون.‏
وما ورد في هذا المعنى وما يفيد فائدته كثير جداً، فلاحظ على سبيل المثال(2)
جزاآكي الله ألف خير حبيبتي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.