تخطى إلى المحتوى

صديق العمر روعة 2024.

في إحدى المحاضرات وصلت ورقة صغيرة كُتبت بخطٍ صغير واضح ، تمكنت من قراءتها بصعوبة بالغة … مكتوب بها:
> > فضيلة الشيخ : هل لديك قصة عن أصحاب أو أخوان … أثابك الله ؟؟كانت صيغة السؤال غيرواضحة، والخط غير جيد…
سألت صديقي: ماذا يقصد بهذا السؤال ؟وضعتها جانباً، بعد أن قررت عدم قراءتها على الشيخ…
ومضى الشيخ يتحدث في محاضرته والوقت يمضي …
> > أذن المؤذن لصلاة العشاء …
توقفت المحاضرة،وبعد الآذان عاد الشيخ يشرح للحاضرين، طريقة تغسيل و تكفين الميت عملياً …..
وبعدها قمنا لأداء صلاة العشاء …
> > وأثناء ذلك أعطيت أوراق الأسئلة للشيخ ومنحته تلك الورقة التي قررت أن
> > استبعدها، ظننت أن المحاضرة قد انتهت …
> > وبعد الصلاة طلب الحضور من الشيخ أن يجيب على الأسئلة …
> > عاد يتحدث وعاد الناس يستمعون …
> > ومضى السؤال الأول والثاني والثالث …
> > هممت بالخروج ، استوقفني صوت الشيخ وهو يقرأ السؤال …
> > قلت : لن يجيب فالسؤال غير واضح …
> > لكن الشيخ صمت لحظة ثم عاد يتحدث:
> > جاءني في يوم من الأيام جنازة لشاب لم يبلغ الأربعين ، ومع الشاب
> > مجموعة من أقاربه ، لفت انتباهي ، شاب في مثل سن الميت يبكي بحرقة ،
> > شاركني الغسيل ، وهو بين حنين ونشيج وبكاء رهيب يحاول كتمانه ، أما
> > دموعه فكانت تجري بلا انقطاع …..
> > وبين لحظةٍ وأخرى أصبره وأذكره بعظم أجر الصبر …
> > ولسانه لا يتوقف عن قول : إنا لله وإنا إليه راجعون ، لا حول ولا قوة إلا بالله …
> > هذه الكلمات كانت تريحني قليلاً …
> > بكاؤه أفقدني التركيز ، هتفت به بالشاب …
> > إن الله أرحم بأخيك منك، وعليك بالصبر
> > التفت نحوي وقال : إنه ليس أخي
> > ألجمتني المفاجأة،مستحيل ، وهذا البكاء وهذا النحيب
> > نعم إنه ليس أخي ، لكنه أغلى وأعزعليّ من أخي …
> > سكت ورحت أنظر إليه بتعجب ، بينما واصل حديثه …
> > إنه صديق الطفولة ، زميل الدراسة ، نجلس معاً في الصف وفي ساحة
> > المدرسة ، ونلعب سوياً في الحارة ، تجمعنا براءة الأطفال مرحهم ولهوهم
> > كبرنا وكبرت العلاقة بيننا ، أصبحنا لا نفترق إلا دقائق معدودة، ثم
> > نعود لنلتقي ، تخرجنا من المرحلة الثانوية ثم الجامعة معاً …
> > التحقنا بعمل واحد …
> > تزوجنا أختين ، وسكنا فيشقتين متقابلتين …
> > رزقني الله بابن وبنت ، وهو أيضاً رُزق ببنت وابن …
> > عشنا معاً أفراحنا وأحزاننا ، يزيد الفرح عندما يجمعنا ،وتنتهي
> > الأحزان عندما نلتقي …
> > اشتركنا في الطعام والشراب والسيارة …
> > نذهب سوياً ونعود سوياً …
> > واليوم … توقفت الكلمة على شفتيه وأجهش بالبكاء …
> > يا شيخ هل يوجد في الدنيا مثلنا ؟؟ ….
> > خنقتني العبرة ، تذكرت أخي البعيد عني ، لا .. لا يوجد مثلكما ..
> > أخذت أردد ، سبحان الله ، سبحان الله ، وأبكي رثاء لحاله …
> > انتهيت من غسله ، وأقبل ذلك الشاب يقبله …..
> > لقد كان المشهد مؤثراً ، فقد كان ينشق من شدة البكاء ، حتى ظننت أنه
> > سيهلك في تلك اللحظة …
> > راح يقبل وجهه ورأسه ، ويبلله بدموعه …
> > أمسك به الحاضرون وأخرجوه لكي نصلي عليه …
> > وبعد الصلاة توجهنا بالجنازة إلى المقبرة …
> > أما الشاب فقد أحاط به أقاربه …
> > فكانت جنازة تحمل على الأكتاف ، وهو جنازة تدب على الأرض دبيباً …
> > وعند القبر وقف باكياً ، يسنده بعض أقاربه …
> > سكن قليلاً ، وقام يدعو ، ويدعو …
> > انصرف الجميع …
> > عدت إلى المنزل وبي من الحزن العظيم ما لا يعلمه إلا الله ، وتقف عنده
> > الكلمات عاجزة عن التعبير …
> > وفي اليوم الثاني وبعد صلاة العصر ،حضرت جنازة لشاب ، أخذت أتأملها ،
> > الوجه ليس غريب ، شعرت بأنني أعرفه، ولكن أين شاهدته …
> > نظرت إلى الأب المكلوم ، هذا الوجه أعرفه …
> > تقاطر الدمع على خديه ، وانطلق الصوت حزيناً …
> > ياشيخ لقد كان بالأمس مع صديقه …
> > يا شيخ بالأمس كان يناول المقص والكفن ، يقلب صديقه ، يمسك بيده ،
> > بالأمس كان يبكي فراق صديق طفولته وشبابه ، ثم انخرط في البكاء …
> > انقشع الحجاب ، تذكرته ، تذكرت بكاءه ونحيبه …
> > رددت بصوت مرتفع : كيف مات ؟
> > عرضت زوجته عليه الطعام ، فلم يقدر على تناوله ، قرر أن ينام ، وعند
> > صلاة العصر جاءت لتوقظه فوجدته ، وهنا سكت الأب ومسح دمعاً تحدر على
> > خديه ، رحمه الله لم يتحمل الصدمة في وفاة صديقه ،
> > وأخذ يردد : إنا لله وإنا إليه راجعون …إنا لله وإنا إليه راجعون ،
> > اصبر واحتسب ، اسأل الله أن يجمعه مع رفيقه في الجنة ،
> > يوم أن ينادي الجبار عز وجل : أين المتحابين فيِّ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي …
> > قمت بتغسيله، وتكفينه ، ثم صلينا عليه ….
> > توجهنا بالجنازة إلى القبر ، وهناك كانت المفاجأة …
> > لقد وجدنا القبر المجاور لقبر صديقه فارغاً …
> > قلت في نفسي: مستحيل .. منذ الأمس لم تأت جنازة ، لم يحدث هذا من قبل…
> > أنزلناه في القبر الفارغ ، وضعت يدي على الجدار الذي يفصل بينهما ، وأنا أردد،
> > يا لها من قصة عجيبة ، اجتمعا في الحياة صغاراً و كباراً ، وجمعت
> > القبور بينهما أمواتاً …
> > خرجت من القبر ووقفت أدعو لهما : اللهم اغفر لهما وأرحمهما ، اللهم
> > واجمع بينهما في جنات النعيم على سرر متقابلين ، في مقعد صدق عند مليك
> > مقتدر، ومسحت دمعة جرت ، ثم انطلقت أعزي أقاربهما …
> > انتهى الشيخ من الحديث ، وأنا واقف قد أصابني الذهول ، وتملكتني
> > الدهشة ، لا إله إلاالله ، سبحان الله ، وحمدت الله أن الورقة وصلت
> > للشيخ وسمعت هذه القصةالمثيرة ، والتي لو حدثني بها أحد لما صدقتها …
> > وأخذت أدعو لهما بالرحمة والمغفرة

منقول
خليجية

الوسوم:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.